رغم اتساع رقعتها، والتحاق عدد من الأسماء المغربية المعروفة بها، من بينهم الفنانين والاعلاميين، ورغم ظهور أثر كبير لها في الواقع، غابت حملة المقاطعة التي أطلقها المغاربة ضد منتجات ثلاث شركات وهي "سنطرال" و"إفريقيا" و"سيدي علي"، (غابت) عن كلمات زعماء المركزيات النقابية خلال احتفالات فاتح ماي، كما لم تكن حاضرة في الشعارات المركزية التي أطرت أنصار النقابات الذين حجوا اليوم الثلاثاء إلى أمام مقراتها للمشاركة في تظاهرات عيد العمال.
"تيل كيل عربي" تابع تظاهرات أربع مركزيات نقابية، الأكثر تمثيلية، وهي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد المغربي للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، وكلها، لم تشر بشكل مطلق إلى حملة المقاطعة التي خرجت من رحم مواقع التواصل الاجتماعي.
وباستثناء بعض الشعرات التي رفعت خلال مسيرات النقابات العمالية في كل من البيضاء والرباط، والأحاديث الجانبية بين "بسطاء النضال"، كانت تظاهرات ممثلي الشغيلة والموظفين بدون شعار مركزي يدعم بشكل صريح موقف مقاطعة عدد من المغاربة لمنتوجات غذائية وطاقية، تعبيراً منهم عن سخطهم تجاه استمرار غلاء الأسعار وارتفاعها.
تجمع CDT بحي "درب عمر" في الدار البيضاء، أطرته كلمة المكتب التنفيذي للنقابة، تلاها نيابة عن كاتبها العام نوبير الأموي، نائبه عبد القادر الزاير، لم تشر إلى حملة المقاطعة، واكتفت بالحديث عن "غلاء الأسعار وضرب القدرة الشرائية للمواطنين وتجميد الأجور".
اقرأ أيضاً: استطلاع للرأي .. 79.9 في المائة يدعمون حملة المقاطعة
عبد القادر العامري، قيادي في النقابة الوطنية للتعليم العالي، فسر غياب إشارة من طرف النقابة وشعارات مركزية تعبر عنها، بـ"عدم اتخاذهم لموقف صريح ومباشر منها، فضلاً عن أن فاتح ماي، هو يوم للتعبير عن مطالب العمال والشغيلة والموظفين، بشعارات تؤطرها".
وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لـ"تيل كيل عربي"، أن نقابة CDT "منخرطة دائماً في نضالات المغاربة، وتعبر عن حاجياتهم وانتظاراهم، كما أنها تناضل لأجل تحسين دخل المغاربة ووقف ارتفاع غلاء الأسعار وضرب القدرة الشرائية".
بدوره، أكد القيادي في نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، عبد الجليل صدقي، عدم وجود قرار للمركزية النقابية تجاه حملة المقاطعة التي يعبئ لها المغاربة منذ أسابيع على مواقع التواصل الاجتماعي.
واعتبر القيادي النقابي، في حديثه لـ"تيل كيل عربي"، أن "عدم اتخاذ النقابة لهذا الموقع، راجع لكنوه مقتنعة بأن حملة المقاطعة يجب أن تبقى شعبية، وأي اطار سياسي أو نقابي حاول تأطيرها أو الحديث باسمها، سوف يضعفها، وهناك تجارب سابقة فشلت بسبب الخلافات التي تطفوا إلى السطح بين التنظيمات، حين تقرر دعم أي حركة، كما أن هناك من يتهمها بمحاولة الركوب على مبادرات عفوية".
اقرأ أيضاً: في عيد الشغل.. العثماني يتوعد المركزيات النقابية بالرقابة على صرف أموال الدعم
تبريرات القيادات النقابية تجاه غياب موضوع المقاطعة عن تظاهرات فاتح ماي، اعتبرها الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي عمر الشرقاوي، "موقفاً غريباً بغض النظر عن الموقف من المقاطعة، لأن الفاعل الاجتماعي والسياسي والحكومي يجب أن يكون عنده موقف من المقاطعة سواء إيجاباً أو سلباً".
وأوضح الشرقاوي في تصريح هاتفي لـ"تيل كيل عربي"، أن "تجاهل المقاطعة عملية مسيئة للفاعلين الاجتماعيين، لأنها تضع نفسها في المنطقة الرمادية، عوض أن تعبر عن مطالب الفئات الاجتماعية التي تمثلها".
ويرى المتحدث ذاته، أن "هذا التجاهل سلوك معتاد لدى الفاعل السياسي والاجتماعي والحكومي في المغرب، وسبق ونهجه مع عدة ملفات منها الريف وجرادة"، وربط ذلك، بـ"اعتقاد هؤلاء أن هذا التجاهل سوف يساهم في التخفيف من هذا السلوك المدني، أي المقاطعة".
وتابع الشرقاوي، أن "التبريرات من قبيل الخوف من اتهامهم بالركوب على الموجة أو ازالة الطابع الشعبي عن مبادرة المقاطعة، مردود عليها، بحكم أن الأحداث التي لا يصنعها الفاعلون السياسيون والنقابيون، لا مانع في اتباعها، أو التفاعل معها ولو برد غير إيجابي، لأنه من الفروض عليهم التعبير عن موقفهم واستثمار هذه المبادرات دون استغلالها بشكل بشع".
وعن كون اعتبار غياب إشارة للمقاطعة في تظاهرات النقابة، "رسالة طمأنة للباطرونا الذين تضررت شركاتهم منها"، شدد الأستاذ الجامعي، على أن "الفعل اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي، يستهدف شركات، أصحابها تربطهم علاقات مع الفاعلين النقابيين، وهذا ما يدفع هؤلاء للتريث وعدم المغامرة في اتخاذ القرار". وأردف في السياق ذاته، أن "الامتناع عن الكلام وابداء الرأي من الفاعل الاجتماعي، يصب في دائرة مصالح رجال المال والأعمال. لذلك من المؤكد أن مواقف النقابات اليوم تتجه ضمنياً إلى التموقع لصالح رأس المال".
اقرأ أيضاً: CDT ترفض عرض الحكومة.. تطالب بزيادة 10% في أجور المستخدمين و600 درهم للموظفين
وكما هو الحال حسب ما أشار "تيل كيل عربي"، بالنسبة لتظاهرة CDT اليوم، كان الأجواء مشابهة عند الاتحاد المغربي للشغل بالدار البيضاء ونقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب في الرباط ونقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب في العاصمة الاقتصادية، مركزيات أجمعت في كلماتها المركزية على أن حملة المقاطعة لا تعنيها لا من قريب ولا من بعيد، لتبقى الكلمة كما هو الحال في مواقع التواصل الاجتماعي، للبساط من المغاربة الذي يرفضون من خلال كافة أشكال الاحتجاج التي أبدعوها، وقف حملتهم، بل أصبحوا يتوعدون بتوسيع دائرة الشركات المستهدفة إن لم يكن هناك تفاعل مع مطلب تخفيض أسعار عدد من المنتجات الاستهلاكية.
حملة المقاطعة، وحسب ما نشرته وكالة "رويترز" اليوم الثلاثاء، كبدت الشركات الثلاث خسائر مالية وجعلت قيمة أسهمها تتراجع في البورصة، إذ أغلقت أسهم "سنترال دانون" منخفضة بـ 5.69 بالمئة أمس الاثنين، في حين فقد سهم "افريقيا غاز" 5.97 بالمئة.