ليست العلاقات الوطيدة بين أرباب العمل والقصر سرا على أي كان. لكن الاقتصار على توصيف هذه العلاقات بكونها مجرد نتيجة لنظام أوليغارشي من شأنه أن يؤدي إلى الإخفاق في مقاربة جوهر الموضوع. وذلك نظرا لفعالية هذه الآلية المغربية أولا. ففي ضوء الإخفاقات المتتالية لبقية الاقتصادات الرأسمالية بالمنطقة، يبرز نجاح التعاون المغربي بين السلطة السياسية وأصحاب القرار الاقتصادي. وثانيا لكون "السلاسة" النسبية في العلاقات، والسرعة، وكذلك توافق الاختيارات الإستراتيجية حسب ما يبدو، عوامل تؤكد انسجام العادات المتأصلة بين الطرفين واشتراكهم فيها.
لكن، على ماذا يرتكز هذا الواقع؟ إن وجوده نفسه ملغز، وذلك في منطقة حيث تتأرجح الرأسمالية، منذ استقلال دولها، بين بيروقراطية الأحزاب-الدول وأصناف الفساد المتوحشة لديكتاتوريات مقربة من الغرب. كما أن المغرب الذي لم ينصع أبدا لأبواق الاقتصاد الموجه، لم يتعرض لاحقا لما حبلت به من انعكاسات، أي الانفتاح المتوحش والريعي لسنوات 1990 و2000. ويبدو أن ميزتين تاريخيتين تشرحان هذه الخصوصية المغربية: تقليد اقتصادي يعود إلى القرن التاسع عشر لم توقف الحماية استمراره من جهة، ومن جهة ثانية احتكار سياسي، بل أساسا اجتماعي-ثقافي لطبقة سياسية بعينها.
في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، خلال عهد السلطان محمد بن عبد الله، انفتح المغرب على التجارة عبر المحيط الأطلسي، لكن بتدرج ووفق شروط معينة. لقد أقيمت نوافذ مطلة على العولمة الاستعمارية لتلك الحقبة في عدة نقط بالساحل الأطلسي، من بينها الصويرة. وكانت المنتجات المتبادلة، والكميات، والأسعار والرسوم خاضعة للمراقبة الصارمة. ذلك كان هو الشرط لكي لا يتحول الانفتاح إلى اندحار اقتصادي بالنسبة لبلد تجاوزه ركب الثورة الصناعية التي بدأت آنذاك في الغرب. هكذا، فمنذ البدء تم الربط بين الانفتاح الاقتصادي والإشراف السياسي. ولم يكن المغرب بمفرده في هذا الوضع حينها: ففي روسيا في عهد بيير الأكبر ومع بداية القرن الثامن عشر، صاحب الانفتاح الاقتصادي أيضا منح احتكارات لبعض العائلات المحددة. لكنه في المغرب، لن تتعرض هذه التوليفة للحل بتاتا، لا خلال الحماية ولا بعد الاستقلال. وانطلاقا من نهاية القرن التاسع عشر، أصبح تجار كبار وزراء للمالية، وأمناء للموانئ والجمارك، ومفاوضين حول القروض الدولية، ليتجذر التحالف بين العرش والبورجوازية ويستمر بعدها.
أما الخاصية الثانية المميزة للرأسمالية المغربية القائمة على الشراكة بين التجار والدولة، فتتمثل في تخصص طبقة التجار في مجالات بعينها حسب الانتماء الإثني. إن التجار والمصرفيين والوسطاء الذين يعبئهم المخزن ينحدرون من بعض المجموعات المميزة، أساسا من اليهود والفاسيين. ومنذ البداية، امتزج التخصص الاقتصادي لتجار السلطان هؤلاء بثقافة خاصة بهم. وفي بحر القرن العشرين، استنبت الكمبرادور المغاربة اختلافهم، كما أن غياب أية ثورة سياسية سيضمن استمرارهم إلى حدود اليوم.
التناقض يسود الواقع دائما وأبدا. فعدم وضوح الحدود الفاصلة بين السياسة والتجارة يولد نجاح الرأسمال المغربي الكبير، وهو ما يحصل حاليا في إفريقيا على سبيل المثال. لكنه يخلق أيضا عيوبه: السعي الاستحواذي إلى الاحتكار وأصناف السوق الريعية حيث تغيب المنافسة، والانغلاق الاجتماعي المستفحل لطبقة منكمشة يؤدي صغر حجمها إلى جعل تشكيل طبقة مقاولة عريضة القاعدة أمرا صعب المنال.