كانت بضع ثواني لفيديو يوثق لعملية اعتداء مجموعة من الملثمين على شخصين هما رجل وامرأة، كافية لقلب مجتمع المواقع الاجتماعية، وخلق تلاعب وخلط لمفهومي الضحية والجاني.
أشخاص ملثمون يعتدون بالهراوات على شابة ورجل كهل، بعدما ضبطاهما وهما في أوضاع خادشة للحياء"، تقسم الفتاة بأغلط إيمانها والدماء تسيل من خشمها، بأنها طالبة جامعية وأن رفيقها ليس سوى سائق خطاف، قادها إلى مكان الساقية لتجري أبحاثا ميدانية تخص دراستها في الجيولوجيا، وهو ما يسارع الرجل المحاصر وسط ملثمين، إلى تأكيده، لكن دون جدوى، بل كلما تحدث صاحب السيارة "ترافيك" المخصصة للنقل السري، كلما تصاعدت وتيرة الغضب والرفس والركل في حقه ومن معه.
كانت ثواني الفيديو كفيلة بصنع رأي عام منقسم بين من يؤيد "الدواعش" الملثمين الباحثين عن القصاص والعدالة الإلهية، مطبقي شرع الله في الأرض، ومحاربي الإفطار في رمضان، وفئة ثانية، رأت في الهجوم تقهقرا خطيرا للحريات في المغرب، وانتهاكا صارخا لكل المواثيق الإلهية والدنيوية، فئة فزعت لما رأت وأعلنت تضامنها مع الفتاة وسائقها حتى قبل أن تعرف مكان الاعتداء.
ذاع الخبر وانتشر الفيديو في أكثر من صفحة، ووجد الدرك الملكي في منطقة آسفي نفسه في قلب الحدث، خاصة بعدمل لجأ الضحيتان إلى تسجيل شكاية في حق "العصابة الملثمة" التي كادت أن تنهج أسلوب السبي، بعدما سرقت هاتفي الضحيتين، وبعض الدراهم التي كانت في السيارة، فما هي تفاصيل الحادث، بعيدا عن الانطباعات التي تتركها الفيديوهات القصيرة، والاستنتاجات التي تولدها التعاليق القادمة من هنا وهناك.
تكشف مصادر "تيل كيل" المطلعة على التحقيق، أنه بعد أن استدعي 13 شخصا بتهمة تشكيل عصابة والهجوم على أشخاص، بدأت معالم الحادث تتضح بشكل كبير، والأمر نفسه يتعلق بالضحيتين، اللتين غيرتا أقوالهما ما بين محضر مركز الدرك في جمعة اسحيم، والمركز القضائي للدرك في مدينة آسفي، فكيف ذلك؟
رعاة ملثمون أم سارقون عابرون؟
يجمع المتهمون الثلاثة عشر على أنهم ألفوا مشاهدة سيارة من نوع "رونو ترافيك" بيضاء اللون، تقف بالقرب من الساقية، حيث يعمد صاحبها إلى القدوم والاختلاء رفقة نسوة لا يعرفون هويتاهن، وحسب المصادر المطلعة على أقوالهم، فإن المتهمين، الذين يشتغلون في غالبيتهم رعاة ماشية، فإنهم لم يتفاعلوا يوما مع السيارة وصاحبها، غير أنه في يوم الخميس 23 يونيو المنصرم، كانت ردة أفعالهم مغايرة، وستقلب الوضع رأسا على عقب.
كان أول من شد انتباهمم هو طاجين في طور الطهو، إلى جانب السيارة البيضاء المركونة قرب الساقية، يقول أحد المتهمين "أمعنت النظر فاكتشفت أن هناك رجلا وفتاة يتبادلان القبل، ويهيمان ببعضهما. لم أتقبل الأمر، خاصة وأننا في شهر رمضان، شهر الصيام، فناديت على رفاقي الذين كانوا قريبين مني".
يجمع كل المتهمين الذين استمعت لهم عناصر الدرك الملكي على السيناريو ذاته، مشاهدة سيارة ألفت القدوم للاختلاء قرب الساقية، حيث الماء والخضرة فهل دوما هناك الجسد الحسن؟ يجيب أحد المتهمين الـ13، أنه منذ قرابة ثلاث سنوات، والرعاة بالمنطقة يدركون أن صاحب السيارة يأتي رفقة فتيات لممارسة الجنس داخل السيارة، وأنهم لم يسبق لهم أن هاجموه أن تكلموا معه، لكن في رمضان كانت الأمور مغايرة بالمرة.
يقر المتهمون بأنهم بعضهم سرق هاتف "نوكيا" لا يتعدى سعره 150 درهما، تعود ملكيته لصاحب السيارة، فيما أقر متهم ثان بأنه سرق مبلغا ماليا كان قرب مقود السيارة لا يتجاوز 75 درهما.
أدى تجمهر الرعاة وأغلبهم يتحدرون من الدواوير المجاورة، وحاصروا السيارة بمن فيها، وهنا بدأت عملية الهجوم بالهراوات، على الفتاة، التي تعرضت أول ما تعرضت له لضربة رأسية من أحدهم، أسقطتها أرضا بأنف مكسور تفور منه الدماء، بينما لم تجد محاولات السائق في استعطاف الشباب الملثمين، من أن يعفى بدوره من التعرض للضرب المبرح.
لم يتوقف الأمر عند الضرب، بل كادت الأمور أن تأخذ منحى أخطر، عندما هدد بعض الملثمين الفتاة برميها في الساقية، أو دفنها في مكان مجهول، غير أن استعطافها المتكرر أقنع المحاصرين بتركها ترحل لحال سبيلها.
وحسب مصادر "تيل كيل" نفى كل المتهمين أي صلة لهم بتنظيمات سياسية أو جماعات محظورة، وفسروا إخفاء وجوهمم باللثام، بأنه نابع من الخوف من اكتشاف هوياتهم عند بث أي فيديو مما صوره أكثر من واحد منهم.
ضحيتان للضرب أم للحب السري؟
ربما تساوي المفاجأة أو الصدمة من هجوم ملثمين على شخصين في مكان مقفر وخال، تساوي ما كشف عنه موقف الضحيتين، عند تقدمهما إلى مركز الدرك الملكي في جمعة اسحيم، وأقوالهما عند المركز القضائي في آسفي، كيف ذلك؟
عندما كبرت القضية، وجرى اعتقال ثمانية من المتهمين بالاعتداء، تغيرت أقوال الضحيتين سواء "حسن ب" سائق سيارة النقل السري، أو الشابة "إيمان أ"، فالأول كان صرح بأنه لا علاقة له بالضحية، وأنه مجرد سائق سيارة نقل سري، اعتاد نقل أهل دوار الغدران إلى مركز جمعة اسحيم، أنما الفتاة فقالت، في شكايتها الأولى، إنها طالبة جامعية وطلبت الاستعانة بخدمات "الخطاف" الذي أخذها لمكان به منابع مائية، لأنها تريد إنجاز بحث ميداني حول الطبيعة الجيولوجية للمنطقة.
لم يكن التغليط ناتجا فقط عن بث شريط فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يقع المشاهد أو المبحر عبر صفحات الويب في فخ التضليل، بل مس أيضا محاضر الدرك في جمعة اسحيم، ليكشف الاستماع إليهما بعد أن دخلت القضية المحكمة الابتدائية.
تعترف الضحية (إ أ) المزدادة سنة 1990 بأنها على علاقة بالسائق المدعو "ح ب" المزداد سنة 1970، المتزوج والأب لثلاث بنات، أكبرهن سنا تبلغ من العمر 18 سنة.
وتقول الضحية إنها دخلت في علاقة حب وغرام بحسن، وأنها تعرفت عليه منذ سنين، عندما كان يقل أسرتها من الدوار، وأنه كان يراودها عن نفسها دائما، قبل أن ترضخ لرغباته، رغم علمها بأنه متزوج ورب أسرة. وتضيف الضحية أنه وعدها بالزواج، وهو ما اقتنعت به بعدما وقعت في حبه.
تقول الضحية إنه في صباح ذاك الخميس الأسود، قدم حسن إلى بيتها قبل أن يقلها رفقة أختها المسماة منى، فنزلت شقيقتها في مركز جمعة اسحيم، واتفقتا على اللقاء بعد ساعتين، فبقيت رفقة حبيبها من أجل التنزه بالقرب من منبع مائي، خاصة عندما استوقفهما منظر طبيعي خلاب، يشمل الماء والخضرة ورؤوسا كثيرة من الماشية.
وتحكي الفتاة أنها في اللحظة التي كانت فيها بالخلف وحبيبها أمام المقود، تفاجأت للهجوم من طرف عدة أشخاص.
تقر إيمان بأنها تقيم علاقة جنسية بحبيبها حسن منذ مدة، وأنها فقدت عذريتها في وقت سابق قبل التعرف عليه، رافضة البوح بالمزيد من التفاصيل في هذه النقطة، لكنها بالمقابل تقول إنها في ذلك اليوم "لم تقم بأي علاقة مع حسن، وأكدت إيمان أن السيارة غالبا ما كانت سريرا لمطارحة الغرام لحبيبها المتزوج، ورغم اعترافها بإقامة علاقة خارج إطار الزواج برجل متزوج، تتشبث الضحية بمتابعة الجناة الملثمين.
بعد أن أظهرت تحقيقات الدرك "نصف الجبل الثليج المخفي" في القضية، يبقى أبرز ما شكل مفاجأة المطلعين على هذه القضية التي هزت الرأي العام في رمضان، هو موقف زوجة حسن السائق الخطاف، التي رفضت متابعة زوجها بالخيانة الزوجية، وقالت للمحققين إنها "لا تريد أن تصدم بناتها في أبيهم".