لهذا يجب القضاء على "الساحر الأبيض"

موسى متروف

تحت عنوان "لماذا يجب القضاء على "الساحر الأبيض""، نشرت جريدة "ليبراسيون" الفرنسية، اليوم الأربعاء 20 يونيو 2018، مقالا ل"الصغير العزري"، الذي يوجد في المراحل النهائية من إعداد أطروحته لنيل الدكتوراه من جامعة باريس-ديكارت، حول الهشاشة الاجتماعية للرياضيين. وهو المقال الذي سعى، من خلاله، بمناسبة المونديال الروسي، إلى إخضاع مجموعة من الكليشيهات في مجال كرة القدم لغربال العلوم الاجتماعية.

ذكّر الكاتب بسياق نشر المقال، ويتعلق بمواجهة اليوم بين "أسود الأطلس" والمنتخب البرتغالي (والتي انتهت بهدف لصفر لصالح رفاق كريسيانو رونالدو)، بعد الهزيمة أمام إيران، ليؤكد أن كل العيون تتجه إلى المدرب الفرنسي هيرفي رونار، الذي يُنسب إليه كل الفضل في التأهل إلى هذه المرحلة النهائية من المونديال، ليؤكد أنه مطالب بمضاعفة "عبقريته" ليكون ل "السحر" مفعوله.

الوريث الشرعي

يذكر كاتب المقال "السحر" لأن رونار أبرز مكانته في القرة الإفريقية، وهو "الوريث الشرعي" لكلود لوروا، المدرب السابق للسينغال والكاميرون (وفرق أخرى)، الذي يتقاسم معه نعت "الساحر الأبيض" (كما ألان جيريس أو الراحل هنري ميشال)، ليتساءل حول معنى العبارة والواقع السوسيولوجي الذي تحيل عليه.

فمن وجهة نظر تنظيمية، بدءا، يقول المقال، يتموقع المدربون أمثال رونار في منطق عولمة كرة القدم، وهم إن كانوا يمثلون رموز التدريب على الطريقة الفرنسية في القارة الإفريقية، فإنهم لا يمثلون في الواقع إلا قمة جبل الجليد العائم.

وأوضح أنه منذ نهاية التسعينات، أصبحت بعض الدول الإفريقية، وخصوصا الفرنكوفونية منها، فضاءات لإنتاج لاعبين موجّهين للسوق الأوربية.

وأشار إلى أعمال الجغرافي برتران برودو، التي بيّنت أن خلق مراكز تكوين وأكاديميات خاصة جعل نموذج التكوين الأوروبي، والفرنسي أساسا، هو المعيار في مدارس كرة القدم. وهو ما كانت نتيجته إنتاج لاعبين يستجيبون لمعيار اللعب الأوروبي (معيرة أسلوب اللعب) وشرعنة مكانة المتدخلين والمدربين القادمين من البلدان الغربية. ويستنتج الكاتب، على هذا المستوى، أن رونار يظهر كتقني في كرة القدم في وسط اجتماعي وجغرافي، هيمنت عليه أصلا الكرة الأوروبية.

معنى "الساحر"

وضع رونار كتقني ينضاف إلى مفردة "ساحر"، التي تحيل على التمثلات الجماعية، وفي مجالين مختلفين، حسب المقال.

من جانب، تعد الكلمة صدى لعالم النخبة الرياضية، الذي يتشبّه بعالم مقدس، حسب كتابات المتخصصة في علم النفس الرياضي كلير كاريي، حيث ينقل المدرب معرفة لا يعرفها من ينتمون إلى العالم "المدنس".

ومن جهة ثانية، يقول الكاتب، تحيل الكلمة على صورة "وضعية" للسكان الأفارقة. وبعبارة أخرى، تحيل على تمثّل استعماري حول السكان، يختزلهم في مخيال تطبعه الغرائبية والشعوذة. وهؤلاء يؤولون العلم الكروي على أنه "سحر".

وإذا كانت كلمة "ساحر" تكشف عن رؤية "تحقيرية" للسكان الأفارقة، فإن كلمة "أبيض" تسائل بعمق أكثر هذه التمثلات.

أي "أبيض"؟

عند أخذ كلمة "ساحر" بعين الاعتبار، مقرونة بكلمة "أبيض"، يتبدّى البعد العرقي والاجتماعي، يقول الكاتب. وأعطى مثال المدرب السينغالي أليو سيسي، الذي وصل إلى فرنسا في السن السادسة عشرة، والذي أمضى كل مساره في أوروبا، لكن لم يتم وصفه بهذه الصفة. بل بالعكس، يبدو كمدرب محلي، رغم أنه طور كفاءاته في أوروبا. في هذا السياق، يذكر المقال أن الباحثة كلير كوسكي، في مقال حول الموضوع ذاته، تبيّن أن المصطلح السوسيولوجي لـ"البياض" يقوي هذه  القصة الكولونيالية.

وحسب كلير كوسكي (التي اعتمدت على أبحاث كلود بولي)، تحيل عبارة "ساحر أبيض" على صورة خاصة في العهد الاستعماري، وهي صورة "موظف البعثة"، وهي صورة أبوية وتوجيهية تربط السكان ذوي البشرة السوداء في إفريقيا بمخيال متوحش وطفولي.

ومن خلال هذا المنظور، يقول الكاتب، يتم تقديم اللاعب الإفريقي على أنه قوي بدنيا وغير ناضج ذهنيا. ومثّل لذلك بما ذهب إليه مدربون، من كلود لوروا إلى ويلي سانيول، من وصفهم له بأنه يفتقد الصرامة والبعد التكتيكي.

وهذه "الغيرية السوداء"، التي يروجها عالم النخبة الرياضية، هي التي تدعم صيغة "الساحر الأسود"، من أجل شرعنة سمو رأسمال تقني على غيره (كرة القدم الأوروبية مقابل كرة القدم الإفريقية).

ويخلص صاحب المقال إلى أن مفهوم "الساحر الأبيض"، وهو نتاج تاريخ من العلاقات الاستعمارية يقدم نفسه على أنه مفهوم عاطفي، يبين أن الرياضة إذا كانت وسيلة لهدم مجموعة من التمثلات الاجتماعية، فهي أيضا أداة لتقويتها.