أكتوبر المقبل، موعد دق آخر مسمار في نعش أول شركة صناعية مغربية، صنعت الأسلحة الخفيفة والدراجات والمضخات، بعدما تقرر رسميا بيع ممتلكات شركة الصناعات الميكانيكية والكهربائية لفاس "سيميف" (Simef) في المزاد العلني. بعد هذا القرار، يسدل الستار رسميا على اندثار وحدة اقتصادية أنشأتها الدولة في الستينيات، ثم خوصصتها.
هذه هي الحكاية، من البداية إلى نهاية "سيميف"... على لسان سياسي مغربي، بدأ مساره النقابي في سبعينات القرن الماضي في مصنع فاس.
بداية صناعة السلاح والانقلاب يقلب النشاط
رأت "شركة الصناعات الميكانيكية والكهربائية لفاس" النور بقرار حكومي سنة 1962، وكانت آنذاك تابعة لمكتب التطوير الصناعي، وكان المصنع مكونا من وحدتين صناعيتين، واحدة متخصصة في صناعة الخراطيش والأعيرة النارية، ووحدة لصناعة السلاح.
كانت الوحدة الأولى موجهة لصناعة مختلف الأعيرة النارية، سواء تعلق الأمر برصاص بدانق الصيد أو الراشاشات العسكرية، وكانت هذه العملية تجري بتعاون مع الشركة الإيطالية الشهيرة المتخصصة في صناعة السلاح "لافابريكا ماكينا أندستريالي" (La Fabbrica Macchine Industriali)، وهي الشركة المصنعة لمسدسات "بيريطا" الشهيرة، وولدت بالتالي "لاسيميف" لتكون أول مصنع للسلاح في فاس.
بعد قرابة العشر سنوات، سيتغير مصير ومستقبل "لاسميف". فبعد محاولات الانقلاب التي تعرض لها الراحل الحسن الثاني، سيتغير النشاط الصناعي للشركة.
في سنة 1971 ومباشرة بعد المحاولة الانقلابية للصخيرات، ستغير "سيميف" جلدها الصناعي، وتقلع البزة العسكرية وترتدي أخرى مدنية، لتصبح متخصصة في تركيب وصناعة الدراجات النارية، ومن بينها الدراجة الشهيرة "بوجو 103"، إضافة إلى صناعة محركات الضخ.
الخوصصة تقتل الازدهار
ويبقى حميد شباط الأمين العام السابق لحزب الاستقلال والعمدة السابق للعاصمة العلمية أكثر الشخصيات السياسية المغربية المرتبطة بهذه الشركة، إذ أن التحاقه بها كان في السنة التي جرى فيها تغيير النشاط الصناعي لـ"سيميف".
يحكي حميد شباط ذكرياته في الشركة، التي بدأ فيها مشواره النقابي قبل أن يترأس في 2008 الذراع النقابي لحزب "الميزان" (الاتحاد المغربي للشغالين بالمغرب)، "أتذكر أنه حينها كان مدير المصنع كولونيلا في الجيش".
ويوضح شباط لـ"تيل كيل"، أن المصنع كان زاهرا، ويصنع مضخات ألمانية إضافة إلى الدراجات النارية "بوجو 103"، ويقول "كنا نصدر دراجات نارية ومضخات إلى بلدان إفريقية عدة إضافة إلى تونس".
"كان المصنع يضم 500 إطار يمتازون بالكفاءة، وهو ما جعله من شركات الدولة الأكثر ربحا، كان هذا في السبعينات، لكن عشرية الثمانينات سيدخل المصنع منعطفا مغايرا، وذلك بفعل موجة الخوصصة التي أقدمت عليها الدولة آنذاك"، يقول شباط.
ستباع نسبة 10 في المائة للمعاملين في المصنع، بينما بيعت النسبة المتبقية من رأسمال "سيميف" إلى تجمع شركات، مشكل من شركة "ألكسيس أنترناشيوال" البلجيكية التي حازت 30 في المائة، و"الشركة الصناعية الوطنية للمحركات" (MNC) المملوكة لعائلة بنصالح، وحازت الشركة 25 في المائة، وشركة (Cycap Trading) حازت نسبة 25 في المائة، وشركة "فيلوموطو" التونسية (la Société Vélomoto de Tunisie) حازت نسبة 5 في المائة، وحاز المدير العام محمد بنغندورية نسبة 5 في المائة.
رغم تنوع هذا الاتحاد الرأسمالي الذي جمع بلجيكيين وتونسيين ومغاربة، بيع المصنع بدرهم واحد رمزي، يقول حميد شباط، مستنكراً ما جرى. وأضاف "الآلات والمعدات التي كان يستعملها المصنع يفوق سعرها خمسة أو ستة ملايين درهم".
متاعب تقود إلى المزاد العلني
وإذا كان من المفروض أن يقود مشروع الخوصصة "سيميف" إلى الازدهار، فإنه في الواقع فتح متسقبلا كله أزمات للمصنع الفاسي، سيتقهقر أداء الشركة الصناعي، لتجد الحكومة نفسها مجبرة في سنة 1998 على متابعة المساهمين قضائيا، والسبب عدم التزامهم باستثمار 22 مليون درهم، جرى الاتفاق عليها في السابق لتطوير المصنع، مقابل اقتنائه بدرهم رمزي، وهي الاستثمارات التي لم تر النور أبدا.
في عام 2004 ستعرض الشركة للتصفية القضائية، وفي 2006، سيجري الاتفاق بالصلح مع 240 مستخدما في "سيميف"، يقضي بضخ الحكومة لمبلغ 14 مليون درهم.
في أكتوبر المقبل سيجري بيع الممتلكات العينية للشركة والمتكونة من أرض المنشأة الصناعية المقدرة مساحتها بـ11 هكتارا، إضافة إلى أصول عقارية للشركة، وسيكون سعر الانطلاق اتباعاً هو 57 مليون و131 مليون درهم.
يعلق عمدة فاس السابق على خبر بيع "سيميف" في المزاد العلني بالقول: "كان بالإمكان تحويل المصنع إلى متحف، فآلات صناعة الأسلحة وأروقة الرماية مازالت هناك، للأسف لم تبد الحكومة أي اهتمام أو إرادة لحفظ تاريخ فاس".