تخشى البلدان الغارقة في الديون والمستفيدة من مشاريع البنى التحتية، ضمن "طريق الحرير" الذي أطلقته بكين، من تزايد حجم ديونها إلى درجة تثير قلق صندوق النقد الدولي وتدفع بعض الدول إلى التردد.
ويعد المغرب من بين الدول المعنية بمشاريع "طريق الحرير الجديد"، بعدما وقع مع الصين في 2017 مذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات في هذا الجانب، وكان أول دولة مغاربية توقع هذه الوثيقة، مع العلم أيضاً، أن بيكين هي الشريك التجاري الثالث للرباط، بحجم مبادلات إجمالية تقدر بنحو 4.11 مليار دولار حتى العام 2016، وتطور سنوي لهذه هذه المبادلات يبلغ منذ العام 2001 ما يعادل 18.2 في المائة.
ففي صيف عام 2013، أطلق الرئيس الصيني شي جينبينغ مبادرته العملاقة لبناء الموانئ والطرق والسكك الحديد عبر آسيا وإفريقيا وأوروبا بتكلفة عشرات المليارات من الدولارات.
وبعد خمس سنوات، تثير "طرق الحرير الجديدة" هذه الانتقادات والقلق، مع اتهام بكين باستخدام قوتها المالية لتوسيع نفوذها.
وقال جينبينغ الاثنين الماضي، إن المشروع "ليس ناديا صينيا" مشيدا بـ"تعاون منافعه متبادلة".
لكن إذا كان المشروع يشمل نظريا نحو 70 دولة، من بينها المغرب، يفترض أن تساهم في الاستثمارات معا، إلا أن العديد من المشاريع تمولها فعليا المؤسسات الصينية.
وفي غضون السنوات الخمس، تجاوزت الاستثمارات المباشرة التراكمية للعملاق الآسيوي في البلدان المعنية مبلغ 60 مليار دولار، في حين بلغت قيمة المشاريع التي وقعتها الشركات الصينية أكثر من 500 مليار دولار، وفقا لما أعلنته بكين. وتعرض هذه المشاريع الدول لمخاطر مالية.
فقد ألغت ماليزيا للتو ثلاثة مشاريع، ضمنها تشييد خطوط للسكك الحديد بكلفة 20 مليار دولار، مؤكدة عدم قدرتها على تمويل ذلك نظرا لديونها التي يبلغ حجمها 250 مليار دولار.
وقال رئيس الوزراء مهاتير محمد "لن نتمكن من السداد".
وهذا ما حدث لسريلانكا التي اقترضت 1,4 مليار دولار من بكين لتطوير أحد موانئها، لكنها اضطرت أواخر عام 2017 إلى منح الصين السيطرة الكاملة على المرفأ لمدة 99 عاما.
من جهته، دق صندوق النقد الدولي ناقوس الخطر. وقالت مديرته كريسيتين لاغارد في أبريل الماضي، إن هذه الشراكات "يمكن أن تؤدي إلى تزايد الاشكالية في المديونية، ما من شانه أن يحد من النفقات الأخرى عندما ترتفع كلفة الديون (...) هذه ليست وجبة مجانية".
في المقابل، أوضح نينغ جيزي نائب رئيس وكالة التخطيط الصينية، يوم الاثنين الماضي، أن "هذه الدول كانت تقترض بشكل كبير من دول أخرى"، مشيدا بمعايير التقييم "الصارمة" للمشاريع.
ويعتبر معهد الأبحاث "سنتر فور غلوبال ديفيلبمانت" أن "طرق الحرير"، تزيد "بشكل ملحوظ" من "خطر خلخلة أوضاع ثمانية بلدان مثقلة بالديون هي منغوليا ولاوس وجزر المالديف ومونتينيغرو وباكستان وجيبوتي وطاجيكستان وقرغيزستان".
فباكستان، التي يعبرها مشروع ربط عملاق بقيمة 54 مليار دولار بين الصين وميناء جوادر، تواجه خطر الإفلاس، ما يعزز إمكانية تقديم مساعدة وشيكة من صندوق النقد الدولي.
ويطالب رئيس الوزراء الجديد عمران خان، بـ"الشفافية" حول عقود مبهمة تم توقيعها وتتضمن استخدام مواد أو موظفين صينيين وشروط سداد صعبة تصب في صالح بكين.
والأسوأ من ذلك هو أن الصين تقدم قروضها بالدولار، ما يجبر باكستان على السعي إلى تحقيق فائض تجاري مرتفع بهدف سدادها، في حين أن احتياطياتها من النقد الأجنبي بدأت بالنفاد.
تقول آن ستيفنسون يانغ الباحثة في "ريسيرش كابيتال" إن "القروض الصينية غالبا ما تكون عينية - جرارات، شحنات من الفحم، وخدمات هندسية- لكن يجب سدادها بالدولار".
وتضيف: "إنه عبء لا يطاق في بعض الأحيان كما في لاوس حيث تبلغ كلفة تشييد خط للسكك الحديد 6,7 مليار دولار او نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي للدولة الآسيوية الصغيرة".
وفي جيبوتي، قفز الدين العام الخارجي من 50 إلى 85 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في غضون عامين وفقا لصندوق النقد الدولي، بسبب الديون المستحقة لبنك "إكسيم" الصيني الذي يستحوذ ايضا على نصف ديون طاجيكستان وقيرغيزستان.
ومن المؤكد أن البلدان الأقل نمواً، بسبب احتياجاتها الماسة للبنى التحتية، تجد لها مصلحة في ذلك. أما بالنسبة لبكين، فإن المخاطر تستحق المجازفة، فالعملاق الآسيوي يسعى إلى منافذ لتصريف إنتاجه الفائض من الطاقة الصناعية كما انه يحتاج إلى طرق وموانئ وخطوط أنابيب لنقل الإمدادات من المواد الخام.
ويعتبر زعيم المعارضة في جزر المالديف، محمد نشيد، أنه "استعمار" يقوض سيادة الأرخبيل مؤكدا أن الصين تسيطر على 80 في المائة من ديونه الخارجية.
بدورها، ذكرت وكالة "ستاندارد اند بورز" للتصنيف الائتماني، أن "القبضة الصينية أقوى من ذلك، حيث تقوم بكين في كثير من الأحيان بإدارة البنى التحتية التي شيدتها من خلال عقود لمدة 20 أو 30 عاما".
"وهناك الكثير من المشاريع غير المربحة مثل منتجع ساحلي مهجور على الشاطئ في كمبوديا". حسب المصدر ذاته.
ويتابع أيضا: "إلا أن هذا غير مهم بالنسبة لبكين. فالمجموعات الحكومية التي تديرها الدولة لا تكترث بالمعايير البيئية أو الاجتماعية أو المالية، لأن (طرق الحرير) تبقى أداة سياسية لممارسة النفوذ حتى انها مدرجة منذ عام 2017 في ميثاق الحزب الشيوعي، بحسب ستفنسون يانغ".