"إرساء العدالة الاجتماعية"، كان موضوع مداخلة لكل من وزير الاقتصاد والمالية محمد بن شعبون، والخزان العام للمملكة نور الدين بنسودة، اللذين قدما، ما يراه المسؤولان سبلاً "لترسيخ التماسك الاجتماعي والتوزيع العادل للثروة وربط المسؤولية بالمحاسبة لضمان ولوج المغاربة للخدمات الاجتماعية ومحاربة الفقر والهشاشة".
بن شعبون: كيف يمكن أن يستفيد الجميع ؟
وقال بن شعبون يوم أمس الجمعة بالرباط، خلال الدورة الـ12 للمناظرة الدولية للمالية العمومية، إن "إرساء عدالة اجتماعية أفضل وتلبية احتياجات المواطنين، هما عاملان رئيسيان للتماسك الاجتماعي". وأوضح بنشعبون، أن "إيجاد الوسائل والموارد الضرورية لتلبية احتياجات المواطنين وارساء عدالة اجتماعية أفضل، هما عاملان أساسيان في التماسك الاجتماعي".
وأضاف بنشعبون أنه ''يجب علينا جميعا، حكومة وبرلمان وفاعلين اقتصاديين ومجتمع مدني، إيلاء اهتمام خاص للقضايا الاجتماعية واحتياجات المواطنين، من خلال ضمان إمكانية الاستفادة للجميع"، مذكرا بأن الملك محمد السادس ركز على هذه القضية في خطاب العرش .
وأشار في هذا الصدد، إلى أن الدولة التي يجب عليها تحمل مسؤولياتها في الحفاظ على التماسك الاجتماعي وتلبية الاحتياجات المشروعة للمواطنين بتوفير تجهيزات ومرافق عامة ذات جودة، لا سيما في مجالات التعليم والصحة والسكن والنقل، لا يمكنها أن تستمر بمفردها في مكافحة الفقر والحد من الفوارق من خلال اللجوء إلى الموارد المالية لميزانية الدولة فقط.
وأبرز بنشعبون أن الإكراهات التي تواجهها الدولة لا سيما تلك المتعلقة بتعبئة المداخيل الجبائية وعلى مستوى عجز الميزانية ومديونية الخزينة لا تترك مجال مناورة كافي لتحقيق عدالة اجتماعية أفضل.
علاوة على ذلك، أكد وزير الاقتصاد والمالية، أن السياسات الاجتماعية الموجهة لتلبية احتياجات المواطنين رهينة بتنفيذ إصلاحات وإجراءات استراتيجية، أهمها الحاجة إلى تماسك هذه السياسات وكذلك التكامل والتنسيق الجيد بين كل الفاعلين، مع توزيع واضح للاختصاصات بين الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية، والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
وشدد على أنه يجب إرساء تعليم وتكوين مهني ذي جودة، يتلاءمان بشكل تام مع متطلبات سوق العمل والفرص التي تتيحها المهن الجديدة لاقتصاد القرن 21، واعتماد نظام صحي عمومي أفضل، يمكنه الاستجابة بشكل منصف لانتظارات جميع المواطنين بغض النظر عن وضعيتهم الاجتماعية ودخلهم وموقعهم الجغرافي.
وسجل بنشعبون أن المغرب، على غرار دول أخرى، يعرف فوارق اجتماعية والسلطات العمومية واعية بذلك، مؤكدا أن المغرب اعتمد عدة إصلاحات ونفذ عدة مشاريع لمكافحة الفقر والحد من الفوارق.
وأشار في هذا الصدد، إلى نموذج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقت سنة 2005، وإحداث "صندوق دعم التماسك الاجتماعي" في 2012، موضحا أن كل هذه الإجراءات والأنشطة لها تكاليف مالية مهمة تتحملها ميزانية الدولة.
وعلى المستوى الاجتماعي، شدد بنشعبون على أهمية إرساء مبادرة "السجل الاجتماعي الموحد"، وإطلاق المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومعالجة الاختلالات التي تعيق تنفيذ برنامج "راميد"، وتوسيع نطاق التغطية الصحية الأساسية لتشمل جميع العمال المستقلين والطلاب والأشخاص غير الأجراء الذين يمتهنون مهنا حرة ، وآباء الأشخاص المستفيدين من التأمين الصحي الإجباري في القطاع العام الذي يسيره الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي.
وفي الشق الاقتصادي، أكد بنشعبون على الدور المركزي للمقاولات، خاصة المقاولات الصغرى والمتوسطة ، كعامل أساسي للتنمية الاقتصادية ولإحداث فرص الشغل وخلق الثروة الوطنية، مبرزا أن الحكومة ستقدم كل الدعم اللازم للنسيج الاقتصادي، من ناحية تحسين مناخ الأعمال، وتسهيل ولوج المقاولات الصغرى والمتوسطة والمقاولات الصغيرة جدا إلى التمويل البنكي والصفقات العمومية، وتعزيز التكوين والتأكد من استجابته لاحتياجات السوق وتشجيع الصادرات.
بنسودة: ربط المسؤولية بالمحاسبة
من جانبه، اعتبر الخازن العام للمملكة نور الدين بنسودة، أن التشخيص الدقيق والرؤية الواضحة وربط المسؤولية بالمحاسبة ، تمثل الأسس الضرورية للنجاح في إرساء عدالة اجتماعية أفضل.
وأوضح بنسودة، خلال تقديمه لتقرير تمهيدي أمام المشاركين في المناظرة، أنه "لا يمكن ارساء عدالة اجتماعية أفضل بدون تشخيص دقيق ورؤية واضحة، وتغيير القوانين بوتيرة أقل، وتمكين الفاعلين من صياغة القوانين، واحترام القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة".
وأضاف أن التشخيص السليم لوضعية العدالة الاجتماعية، يتطلب الحصول على معلومات أكثر دقة وشفافية حول الدخل والثروات، من أجل "معرفة الواقع الاجتماعي الحقيقي بشكل أفضل وجعل رؤية السلطات العمومية أكثر وضوحا من أجل بلورة سياسات اجتماعية تكون أكثر ملاءمة".
من جهة أخرى، شدد بنسودة على أهمية الحفاظ على الخيارات الكبرى في مجال السياسات العمومية، وتقليص وتيرة إدخال التغييرات عليها، موردا مثال ألمانيا التي لا تغير قوانينها الجبائية إلا نادرا، والتي تتميز بقوة صياغة التشريعات، حيث تخضع المعايير ذات الأصل التشريعي لشرط النجاعة .
وأشار كذلك إلى أنه بالموازاة مع بلورة المعايير "يجب على الدولة السهر على الاحترام المنهجي للقانون، الذي يجب أن يسود على الجميع"، مضيفا أنه "ينبغي معاقبة أي خرق للقانون".
وذكر السيد بنسودة بأن دستور 2011 أناط بمجلس الحسابات مهمة حماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة، والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة في الدولة والهيئات العمومية، وأن أي خرق لهذه المبادئ قد يؤدي، حسب الحالة، إلى اقرار عقوبة سياسية أو قضائية على المسيرين العموميين.
وقال إن السياسات الاجتماعية استلزمت تدخلا كبيرا من طرف المالية العمومية، من حيث زيادة النفقات المباشرة من قبل الوزارات وزيادة المنح المقدمة للمؤسسات والمقاولات العمومية، مقرونة بانخفاضات على مستوى الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل، علاوة على الرفع من الإعفاءات الضريبية.
وأبرز بنسودة أن ''هناك وعي جماعي يتطور اليوم في المغرب" حول ضرورة وضع حد للممارسات في مجال تدبير المالية العمومية التي أثرت سلبا على الاقتصاد وعلى المجتمع ككل.
وأشار في هذا الصدد، إلى أن الملك محمد السادس أكد في رسالته الموجهة إلى المشاركين في المنتدى البرلماني الدولي الثالث للعدالة الاجتماعية، المنعقد في فبراير 2018، أن النموذج التنموي للمغرب '' لم يعد قادرا على الاستجابة للمطالب والحاجيات المتزايدة للمواطنين، ولا على الحد من الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية، وبالتالي على تحقيق العدالة الاجتماعية".