ما عاشته الجزائر في ما سمي بالعشرية السوداء في فترة التسعينيات، حيث غرقت البلاد في وابل من الدماء، مخلفة ذاكرة أليمة لدى الجزائريين، لا تزال تشغل عدسة المخرج مرزاق علواش. هذه المرة متناولا موضوع "الدين الطوباوي"، لكن بكاميرا الوثائقي وليست بعين المخرج الروائي، من خلال فيلمه الجديد "تحقيق في الجنة".
وكان للمغاربة، شهر أكتوبر، فرصة مشاهدة "تحقيق" علواش، بعد عرضه في ثلاثة مدن مغربية، في إطار أنشطة جمعية "اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان".
مرزاق علواش الذي يحظى بشهرة عالمية، بفضل مشاركته بعدة مهرجانات دولية، تناول في فيلمه "تحقيق في الجنة" تيمة التطرف الديني، بمقاربة تسجيلية على غير عادته. فالمخرج درج على تصوير أفلامه بشكل درامي وروائي، معالجا "طابوهات" اجتماعية تلامس بعضها الدين في المجتمع الجزائري، كفيلميه "التائب" و"السطوح" وغيرها.
حوريات الأرض
تدور قصة الفيلم التسجيلي حول صحافية (أدت الدور الممثلة سليمة عبادة) تقوم بإعداد تحقيق صحفي تبحث فيه عن "تصور المجتمع الجزائري للجنة". واختارت أثناء بحثها هذا التنقل بين عدة مدن، لمحاورة فئات عمرية متنوعة على اختلاف جنسياتهم وتخصصاتهم.
الفيلم التسجيلي الممتد على طول 135 دقيقة، اختار المخرج تصويره باللون الأبيض والأسود. وخلال ذلك حاورت الصحافية "نجمة"، بشكل عفوي، شبابا عاديين وناشطين حقوقيين ومدنين، إضافة لتشكيليين وكتابا ومثقفين، من قبيل كمال داود وبوعلام صنصال.
تنطلق الصحافية قبل استجواب ضيوفها بعرض مقطع فيديو لأحد شيوخ الفضائيات المعروفين، يدعى الشيخ شمس الدين الجزائري، يصف فيه الجنة بأنها "تنتظر المؤمنين بـ72 حورية". فاعتمد الفيلم تصوير إيماءات ضيوفه وردود أفعالهم، حول ما قاله الشيخ. ثم توالت أسئلة الصحافية حول تصور كل واحد لـ"شكل الجنة" ومدى إيمانه بما ينتظره بعد فنائه.
تنقلت الصحافية بين المدن ورصدت تصور الجزائريين للمرأة داخل مجتمع "محافظ". هذا الأخير يؤمن بما ينتظر الرجل "العفيف"، حسب النصوص الدينية، لكنه لا يعرف "مصير المرأة العازبة في الجنة". هذا الاستفهام والجهل بمصير المرأة، هو ما حاول الفيلم (من خلال تحقيقه) التركيز عليه لمعرفة نظرة المجتمع نحو المرأة في الدنيا قبل الآخرة.
جنة افتراضية
ومما يلفت الانتباه في فيلم علواش حسب شخصياته، هو تأثير شيوخ الفضائيات على الجزائريين. فما يلقنه هؤلاء هو شحن لتصورات وتفسيرات جاهزة لآيات وأحاديث تحبب وترغب في الجنة، وتجعل "الشاب العازب أمام خيار الاستشهاد والجهاد، للوصول بشكل سريع إلى الحوريات "، حسب إحدى الشخصيات. ومثل هذه الدعوات والفتاوى حاول الفيلم ربطها بما تسببت به في "العشرية السوداء".
الكتاب والمثقفون جاءت أجوبتهم مختلفة ومتباينة؛ فرغم تصور البعض للجنة بأنها "عالم بدون عمل"، أو "عالم تطبق فيه قيم العدالة الاشتراكية"، كما جاء على لسان كمال داود. إلا أنهم ركزوا في أجوبتهم على تحليل الظاهرة الدينية في العالم الافتراضي، وما يترتب عن "تدين" بعض المجتمعات الإسلامية من أعمال عنف وإرهاب.