انتهت أمام الساحة المقابلة لمقر ولاية الدار البيضاء، ثاني أكبر مسيرة وطنية تنظم خارج منطقة الريف، تضامنا مع الحراك في المنطقة الذي انطلق قبل 12 شهرا، بعدما قطع 3000 مشارك فيها، حسب المنظمين، شارع لالة الياقوت، انطلاقا من ساحة النصر بدرب عمر، رافعين شعارات تندد بـ"المقاربة الأمنية" في حل الملف، و"تدق جرس الإنذار من فاجعة قد تترتب عن الوضعية الصحية" لرفاق ناصر الزفزافي المضربين عن الطعام في السجن.
وفي الوقت الذي رفض فيه مسؤولو الأمن العمومي الذين راقبوا المسيرة الإدلاء بتقديراتهم حول عدد المشاركين، تميزت المسيرة بمشاركة أفراد من عائلات القادة الأربع لحراك الريف الموجودين في سجن عكاشة، وكان أبرزهم، أحمد الزفزافي، والد ناصر، الذي جاء مرفقا بزوجته، وتقدم المسيرة إلى جانب أسر محمد جلول ومحمد المجاوي ونبيل أحمجيق.
"ناقوس الخطر"
ووصف محمد أحمجيق، شقيق نبيل الذي كان يوصف بـ"دينامو الحراك"، في حديث مع "تيل كيل – عربي"، المسيرة التي كسرت هدوء عطلة نهاية الأسبوع بوسط العاصمة الاقتصادية، بـأنها "تأتي لدق جرس الإنذار، تنبيها للدولة والمسؤولين بالظروف الصعبة التي يجتازها المعتقلون".
واعتبر المتحدث ذاته، أن "المسيرة أيضا رسالة إلى الشعب المغربي من أجل التكتل والوحدة حول القضايا المصيرية للوطن، وقضية المعتقلين الذين زج بهم في السجن ظلما، بعدما خرجوا في تظاهرات عبروا فيها بشكل سلمي وحضاري عن مطالبهم التي أقرت أعلى سلطة في البلاد (الملك) مشروعيتها".
في السياق، وصف شقيق نبيل أحمجيق، الذي شارك في المسيرة مرفقا بوالدته، أوضاع أسر المعتقلين في علاقتها بمحنة سجن الأبناء ومحاكمتهم بالدار البيضاء، بـ"الأشبه بالدراما، سيما مع توقعات حدوث مأساة أو كارثة بسبب إضراب المعتقلين عن الطعام"، ولم يخف تشبث العائلات بالأمل في الإفراج عنهم، بالقول: "سنظل أوفياء لقضية المعتقلين ومتمسكين بالأمل في الإفراج عنهم وإيجاد حل سياسي لهذه القضية".
الحل السياسي الذي جددت عائلات المعتقلين المطالبة به، هو نفسه الذي أكد عليه مصطفى البراهمة، الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي، بقوله لـ"تيل كيل عربي"، إن "مسيرة اليوم تعكس فشل المقاربة البوليسية، التي ليست إلا لعبا بالنار، ولا محيد اليوم عن الاستجابة لمطالب المعتقلين المضربين عن الطعام، وإطلاق سراحهم، وإيقاف المتابعات ضد النشطاء والتفاوض معهم حول ملفهم المطلبي".
فك العزلة
وغير بعيد عن اللافتة التي كان يسير وراءها المصطفى البراهمة رفقة عبد السلام العزيز، الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، وعبد الرحمان بنعمرو، القيادي التاريخي في حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، كان يسير أحمد الدغرني، الأمين العام للحزب الديمقراطي الأمازيغي المنحل، رفقة عدد من الفعاليات الأمازيغية، في ما أسماه مسيرة "كسر مخطط عزل معتقلي حراك الريف عن الحاضنة الشعبية". وتابع أن "الشعارات التي ترفع الآن في قلب الدار البيضاء هي نفسها التي كانت ترفع في الحسيمة، وهذا ما يجعل من هذه المسيرة يوما عظيما في مسار الحراك الريفي، لأن هناك من اعتقد أنه بمحاكمة المعتقلين في الدار البيضاء سيعزلهم عن العائلات، والآن، نرى أن الشعب يحتضنهم ويتضامن معهم ويجمع على إطلاق سراحهم، ما يجعل المسيرة انتصار للديمقراطية، وما على الدولة إلا الاستجابة للمواطنين قبل فوات الأوان".
بدوره، اعتبر منير كجي، الناشط الأمازيغي، أن المفرح في مسيرة الدار البيضاء، "تكتل مختلف الأطياف السياسية والجمعوية والحقوقية وتوحدها من أجل الضغط على الدولة كي تطلق سراح جميع معتقلي الحراك الريفي، سيما أن تطورات إضرابهم عن الطعام تنذر بفاجعة".
وبالنسبة إلى فعاليات أخرى، تعكس مسيرة الدار البيضاء، إيمانا بحراك الريف واستمراريته، "ودليلا على أن الشارع هو الوحيد القادر على قلب موازين القوى بالمغرب"، بتعبير سارة سوجار، الناشطة الحقوقية والجمعوية.
الرأي ذاته، عبر عنه عبد الإله بنعبد السلام، القيادي في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بقوله إن "المقاربة القمعية أثبتت فشلها. بدليل استمرار الحراك بمختلف الأشكال، ليس في الريف فقط، إنما في عموم المغرب إلى أن تستجيب السلطات لمطالبه، ووقف الانتهاكات المستمرة على جميع المستويات، سواء الحقوق المدنية أو السياسية، أو الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية".
"سلفي" مع "باالزفزافي"
إلى ذلك، شهدت مسيرة الدار البيضاء لحظات لافتة للانتباه، منها ملاحقة عشرات المشاركين لأحمد الزفزافي، والد ناصر، قائد حراك الريف المعتقل، من أجل نيل مواساته والتقاط صورة "سلفي" معه، وهو ما كان يستجيب له رغم العياء الظاهر عليه تحت أشعة شمس أكتوبر الحارقة.
وظل والد الزفزافي، الذي لم ينجح في إخفاء دموعه، على تلك الحال، لحوالي ساعة، بعد انتهاء المسيرة في الساحة المقابلة لمبنى ولاية الدار البيضاء، إذ رغم نداءات المنظمين، أصر الشباب المشاركين عل نيل مرادهم من والد الزفزافي وزوجته.
ولم تستقطب مسيرة الدار البيضاء الفعاليات المنتسبة إلى النقابات وأحزاب اليسار والحركة الأمازيغية فقط، بل حضرها طلبة ومعطلون، فضلاً عن رجال ونساء كانوا يحملون لافتات تعبر عن مطالب شخصية تتعلق بهم، من قبيل استنكار الترحيل من المسكن، والتنديد بحكم قضائي انتزع من أحدهم أرضا أو عقارا.
وحرص بعض مشاهير الفن ذوي القناعات اليسارية أيضا على المشاركة، ومنهم المطرب عبد الفتاح النكادي، الذي قطع مسافة المسيرة كلها مستعينا بعصاه ومساعدة اثنين من مرافقه، وقال لـ"تيل كيل عربي" إن "ما يقع لمعتقلي حراك الريف فات الحدود، ولا يمكن أن يظلوا معتقلين، فهم لم يقوموا بغير المطالبة بالحرية والتطبيب والتعليم، وعلى المخزن إطلاق سراحهم".