تنعقد اليوم (الاثنين) بالرباط أول جولة رسمية من الحوار الاجتماعي، بين حكومة سعد الدين العثماني، والمركزيات النقابية، والاتحاد العام لمقاولات المغرب. وتتوجه الأنظار إلى الحوار المنعقد مع العثماني، سيما أنه انتهى في عهد حكومة بنكيران، إلى الفشل، وكان بذلك الأمين العام للعدالة والتنمية، أول "وزير أول" مغربي، منذ 1996، لم يوقع أي اتفاق مع النقابات. هنا تعود "تيل-كيل عربي" إلى تفاصيل الحوارات الاجتماعية بالمغرب، وماذا أثمرت لفائدة الموظفين والعمال؟
-
26 أبريل2011... ثمرة الربيع العربي
يعد اتفاق 26 أبريل 2011، الذي وقع بين حكومة عباس الفاسي (2007-2012) والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، والكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب (القطاع الخاص)، آخر ثمرة للحوار الاجتماعي بالمغرب، ويوصف بأن الدولة قدمت فيه تنازلات كبيرة، واشترت به السلم الاجتماعي في سياق موجة انتفاضات الربيع العربي، متجسدة في احتجاجات حركة 20 فبراير 2011، إذ مباشرة بعد توقيعه، تراجعت النقابات وقواعدها إلى الوراء، ولم تعد تدعم الحركة بالشكل نفسه.
وكان أبرز ما جاء به اتفاق 26 أبريل وتم تنفيذه على الفور، رفع أجور موظفي الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري بـ600 درهم إضافية ابتداء من فاتح ماي 2011 ، ورفع الحد الأدنى للمعاش من 600 درهم إلى 1000 درهم، ورفع نسبة حصيص الترقي إلى 33 في المائة.
أما في القطاع الخاص، فجاء الاتفاق بقرار رفع الحد الأدنى القانوني للأجر بالقطاع الصناعي والتجاري والخدماتي وبالقطاع الفلاحي والغابوي وتوابعه بـ15 في المائة، موزعة إلى 10 في المائة ابتداء من فاتح يوليوز 2011 و5 في المائة ابتداء من فاتح يوليوز 2012، ورفع الحد الأدنى للمعاش المصروف من قبل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من 600 درهم إلى 1000 درهم ابتداء من فاتح يوليوز 2011.
ولعل ما يبرز أن عامل انتفاضات الربيع العربي، ساعد كثيرا في سخاء الحكومة والاتحاد العام لمقاولات المغرب، هو أنه اتفاق لم يتم تنفيذ كل بنوده بحلول 2017، فعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، وعلاوة على عدم إبرامه أي اتفاق خلال ولايته مع النقابات، تحفظ على تنفيذ ما تبقى من بنود اتفاق 26 أبريل 2011، بحكم أن الوضعية المالية لميزانية للدولة لا تسمح له بذلك، لذلك يوجد اليوم تنفيذ ما تبقى في قلب الحوار مع سعد العثماني، رئيس الحكومة الجديد.
ولولا الربيع العربي، لما قدر لعباس الفاسي، الوزير الأول الاستقلالي، أن يحسب له توقيع اتفاق مع الفرقاء الاجتماعيين، إذ أن محاولته في 2008، القيام بذلك، لم تنجح، إذ بعد الحوار، اعتبرت النقابات أن عرضه هزيل، فرفضت التوقيع معه، فلم يحد غير التوقيع عليه من جانب واحد، ولم تدعمه سوى نقابة حزبه، الاتحاد العام للشغالين.
-
إتفاق 30 أبريل 2003... جطو يكتسب الشرعية
يعد اتفاق 30 أبريل 2003 ثالث محطة نجح فيها الحوار الاجتماعي بالمغرب، وكان ذلك بمثابة الورقة التي أنسى بها إدريس جطو، جموع الموظفين والأجراء في الطريقة التي جاء بها إلى الوزارة الأولى في 2002 خلفا للقيادي الاتحادي عبد الرحمان اليوسفي، والمسماة "التراجع عن المنهجية الديمقراطية" من قبل الملك الجديد للمغرب.
وجاء الاتفاق الموقع بين إدريس جطو، والنقابات، والاتحاد العام لمقاولات المغرب، بإجراءات، منها مراجعة التعويضات المخولة للموظفين والأعوان المرتبين في سلاليم الأجور من1 إلى 9، والذين لم تشملهم الزيادات القطاعية همت بعض الهيآت في وقت سابق، فحددت المبالغ الشهرية للزيادة في 300 درهم بالنسبة إلى الموظفين والأعوان المرتبين في سلاليم الأجور من 1 إلى 6، و400 درهم للمرتبين في سلم الأجور رقم 7، و 500 درهم للمرتبين في سلم الأجور رقم 8، و600 درهم بالنسبة للسلم 9.
وأثمر الاتفاق أيضا مراجعة النظام الأساسي الخاص بالتقنيين في اتجاه تحصين هذه الهيأة، وتحديد مهامها وإحداث درجة إضافية يخصص لها ترتيب استدلالي مماثل للسلم 11، وإحداث نظام تعويضات خاص بهيأة التقنيين المشتركة بين الوزارات، يترتب عنه زيادة في التعويضات التي كانوا يستفيدون منها تحدد مبالغها الشهرية بين 500 و1250 درهم حسب درجة كل واحد منهم، علاوة على تسوية وضعية الإعلاميائيين، ومهندسو المؤسسات العمومية.
-
اتفاق 23 أبريل 2000... الحريات النقابية
كان اتفاق 23 أبريل 2000، ثان اتفاق ينتج عو الحوار الاجتماعي في تاريخ المغرب، ووقعته حكومة التناوب التوافقي، التي كان يقودها عبد الرحمان اليوسفي، مع النقابات والاتحاد العام للمقاولات، ويعتبر من الناحية المالية "فقيرا"، لكنه من حيث الرمزية، اعتبر تاريخيا، بحكم مكاسبه المتعلقة بالحريات والحقوق النقابية، سيما التوافق على إقرار مدونة الشغل بالمغرب، التي خرجت إلى الوجود في شتنبر 2003، علاوة على إقرار التغطية الصحية الأساسية والتأمين الإجباري عن المرض.
أما في المكاسب المالية، فقد أقر الاتفاق تمكين موظفي الدولة وأعوانها من ذوي الدخل المحدود والراغبين في اقتناء سكن من سلف قدره 15 ألف درهم بدون فوائد في إطار السكن الاجتماعي، والتزام الحكومة بتخصيص نسبة 2% من ميزانية الاستثمار لكل سنة لدعم السكن الاجتماعي، وتعزيز الاستثمارات في قطاع السكن الاجتماعي عن طريق تفعيل دور الأبناك في تمويل السكن الاجتماعي المعد لولوج الملكية أو للكراء.
واستجابت حكومة اليوسفي، بموجب الاتفاق ذاته، لمطلب مراجعة السلالم الإدارية في الوظيفة العمومية، سيما حذف السلالم الدنيا من 1 إلى 4، والاتفاق على الزيادة في الحد الأدنى للأجر في القطاع الصناعي والتجاري والخدماتي بنسبة 10 % ابتداء من فاتح يوليوز 2000، والالتزام بالشروع في عملية ترسيم 4000 من الأعوان المؤقتين الدائمين من أصل 16 ألف المحصيين ابتداء من فاتح يناير 2001 على أن يرتفع العدد إلى 6000 في 2002 و6000 في 2003 مع إعطاء الأولوية للمشرفين منهم على التقاعد.
-
اتفاق فاتح غشت 1996... 100 ألف سكن اجتماعي
يعتبر أول اتفاق مشترك في تاريخ المغرب بين الحكومة، التي وقعه عنها إدريس البصري، وزير الدولة في الداخلية القوي خلال عهد الملك الحسن الثاني، والنقابات وأرباب العمل بعد حوار دام شهرين، وجاء في سياق ما يعرف في تاريخ المغرب بـ"السكتة القلبية"، التي استدعت من الحسن الثاني التخطيط للمصالحة مع المعارضة والتمهيد لحكومة التناوب والانتقال الديمقراطي، وينظر إلى التصريح "وثيقة تاريخية عالجت نظريا كل القضايا التي تهم الشغيلة المغربية بكل فئاتها".
وحرص الثاني في خطاب بتاريخ 16 ماي 1995 على التمهيد لذلك الحوار الاجتماعي، وتطمين الأطراف بأنه سيتابع كافة تفاصيله، فقال "إنني أعتبر أن سنة الكارثة الوطنية هذه الناتجة عن الجفاف ستكون عابرة إن شاء الله، أما الحوار الاجتماعي فهو عنصر أساسي في تفادي الجفاف السياسي والاجتماعي والصناعي والفلاحي (...) وسأتكفل شخصيا بأن يستمر هذا الحوار بين جميع المعنيين في عالم الشغل وعالم المشغلين".
ويتميز اتفاق غشت 1996 بتأسيسه لانتظامية الحوار الاجتماعي في المغرب ورسم قواعده وأسسه، وتشير نسخة منه، منشورة في موقع وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، أن الاتفاق أقر لأول مرة في تاريخ المغرب، إقرار آليات للتفاوض الجماعي، منها عقد اجتماعين في السنة، الأول في الخريف، والثاني في الربيع، وهو مازال معتمدا إلى حدود الآن (2017)، وتشكيل لجنة ثلاثية دائمة على الصعيد الوطني، لمتابعة الملفات وتنفيذ القرارات المتخذة في الحوار الاجتماعي.
وفي محور الحريات النقابية، تم الإعلان عن أنها رافد من روافد الحريات الأساسية بالمغرب، وأقرت الحكومة بالسهر على احترام قانون الشغل والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وأبرزها الاتفاقية 87 المتعلقة بالحرية النقابية وحماية الحق النقابي، ورقم 135 المتعلقة بحماية العمال داخل المقاولات، والالتزام باحترام حق الإضراب، وإرجاع العمال الذين ثبت طردهم لأسباب نقابية إلى عملهم.
في الجانب الاجتماعي، أقر الاتفاق العمل على توسيع التغطية الاجتماعية لتشمل كافة القطاعات والأمجورين، وإلزام المقاولات بتطبيق القانون المتعلق بالضمان الاجتماعي، والتزام الحكومة بتشجيع السكن الاجتماعي، وتنفيذ برنامج أولي لبناء 100 ألف سكن اجتماعي، وتخصيص 2 % من ميزانية الدولة الخاصة بالتجهيز لتمكين الموزفين من امتلاك سكن، وإلزام الاتحاد العام لمقاولات المغرب بتخصيص 3 % من الأرباح لتمويل السكن الاجتماعي.
أما تحسين الأجور، فاعتبر الاتفاق أنه نظرا للوضع الاقتصادي الصعب للعمال والمأجورين، يلتزم القطاع العام بتخصيص 3.22 مليار درهم من ميزانية الدولة، و500 مليون من ميزانية الجماعات المحلية، لتحسين الأجور على مدى سنتين، وتمتيع جميع العاملين بالحد الأدنى للأجر، وفي القطاع الخاص، التزام اتحاد مقاولات المغرب، بالرفع من الحد الأدنى للأجور بنسبة 10 % ابتداء من فاتح يوليوز 1996.