استقبل الملك محمد السادس يوم أمس الأربعاء، وزير الصحة أنس الدكالي، بحضور رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وأمر الملك الدكالي والعثماني، بضرورة إصلاح أوجه القصور التي يعرفها تنفيذ برنامج التغطية الصحية "راميد" والمراجعة العميقة للمنظومة الوطنية للصحة.
كما أمر الملك محمد السادس المسؤولين الحكوميين باستكمال التفكير في سيناريوهات الإصلاح في هذا المجال بتشاور مع القطاعات والمؤسسات المعنية، وعلى الخصوص وزارتي الداخلية والاقتصاد والمالية.
وأمام توجيهات الملك وما أمر به كلاً من وزير الصحة ورئيس الحكومة، تطرح حول: "من ماذا تعاني المنظومة الصحية المغربية؟" و"لماذا لم تعالج اختلالات قطاع الصحة العمومية ؟" و"هل الاختلالات مرتبطة في القطاع أساساً بضعف الموارد البشرية والميزنية المرصودة للقطاع؟" أسئلة طرح "تيل كيل عربي" على الدكتور عثمان بومعليف، طبيب الطب العام بالقاطع الخاص وخبير في الاقتصاد الدوائي وسبق له الاشتغال في الصناعة الدوائية، والذي رصد عدداً من التحديات في القطاع، وما هي النواقص التي يعاني منها.
وقال الدكتور عثمان بومعليف، الذي يشغل في الوقت ذاته رئيس حركة "أنفاس الديمقراطية"، إن "الاختلال الرئيس الذي تعاني منه الصحة في المغرب، هو غياب المنظومة الصحية من الأساس، وغياب النسق العلاجي، كذا عدم توفر المغرب على الصحة الوقائية، كما هو الحال في المنطومات الصحية المتقدمة".
وأوضح المتحدث ذاته، أن "قطاع الصحة في المغرب، يدبر عبر برنامج تحكمها الظرفية السياسية فقط، ولكل رؤيته يأتي بها حين يعين وزيراً، ثم تختفي بعد تعيين اسم آخر على رأس الوزارة".
وأضاف الدكتور عثمان بومعليف، أن "حجر الزاوية في ضمان رعاية صحية ذات جودة ومستدامة وعادلة للمغاربة، هو طبيب العائلة"، وتابع بهذا الصدد: "طبيب العائلة غائب عندنا في المغرب، رغم أنه الملجأ الأول للأسر، ولا يمكن الحديث عن ولوج عادل للرعاية الصحة دون توفر كل أسر على طبيب يتابع حالة أفرادها، ومطلع على كل ما يهم صحتها".
وشدد الدكتور بومعليف، على أن "المنطومة الصحية المغربية تعاني منذ الاستقلال من انعدام الرؤية في القطاع العام، رغم محاولته استخدام سياسة البرامج، في المقابل ترك القطاع خاص غير مهيكل، وجعله يعتمد على إمكانياته الذاتية، وهذا الوضع جعله ينفلت من الدولة، لأنه يعتمد بالأساس على موارده".
وعاب المتحدث ذاته، على المسؤولين عن قطاع الصحة، الاستثمار أكثر في التخصصات الطبية، عوض تلبية الحاجيات الحقيقية الأساسية للمواطن المغربي في الرعاية الصحة، كما عاب عليهم كذلك، عدم تأهيل المسؤسسات الصحية المستحدثة من المستويين الثاني والثالث.
وجه الدكتور بومعليف، رسالة للفاعلين السياسيين مفادها، أن "الفاعل السياسي يجب أن يفهم أنه لا يمكن أن نستمر بسرعتين، هناك صحة خاصة بالفقراء تعاني من الهشاشة وضعف الاستثمار، وأخرى خاصة بالأغنياء أو من هم في وضع مادي جيد توفر لها المصحات الخاصة والمستشفيات الجامعية العرض الصحي المتطور"، في السياق، شدد على أن هذا الوضع يجب أن يتغير باقرار "تعميم التغطية الصحية الإجبارية، والعدالة في توزيع موارد قطاع الصحة على جميع المغاربة".
وعن اقتداء المغرب بتجارب صحية دولية، للخروج من ما يعانيه قطاع الصحة بالمغرب، اعتبر الدكتور بومعليف، أن "الأنساق العلاجية في المغرب حبيسة شركاء تقليديين، مثلاً التجربة الفرنسية، ويبحث دائماً عن موارد مالية من أوروبا، رغم أن هذه التجارب استنفدت شروط تقديمها لإضافة نوعية لبلد مثل المغرب بكل ما يحمله من خصوصيات"، وأشار في حديثه بهذا الصدد، أن "هناك تجارب أكثر نجاحاً وقريبة من المغرب، مثلاً في تركيا وعدد من دول إفريقيا جنوب الصحراء، مثل رواندا والبينين، وهي بلدان استطاعت في ظرف وجيز أن تتجاوز معيقات قطاع الصحة فيها".
وفي ما يتعلق بالموراد البشرية، قال الدكتور بومعليف: "عندما نتحدث عن الموارد البشرية لازلنا حبيسي نظرة تقليدية، مفادها أن الموارد يجب أن تكون من القطاع العام، ولكن في التجارب الناجحة عبر العالم، تم فتح قنوات مع القطاع الخاص، لذلك، يجب أن يعمل المغرب على إعطاء الأطباء الخواص إمكانية منح جزء من وقتهم لخدمة الصحة العمومية، وسد الخصاص الذي يعاني منه، وهناك عدد كبير منهم عبروا ويعبرون عن هذه الرغبة". د
أيضاً، يضيف المتحدث ذاته: "لتدبير الموارد البشرية، يجب أن نتوفر على خريطة صحية استباقية، لأن ما تتوفر عليه وزارة الصحة هو فقط خريطة تقنية ترصد عدد الأطباء حسب التخصصات في كل منطقة، لكن في الواقع الخريطة الصحية كما قلت يجب أن تكون استباقية، وبدونها لا يمكن أن نعالج مشكل الموارد البشرية".
وفي ختام تشريحه للتحديات التي تواجه قطاع الصحة في المغرب، أشار الدكتور بومعليف، إلى أن "قطاع الصحة ورغم خصوصياته نعالج مشاكله دائماً في سياق السياسوي ويحتكم للحسابات النقابية الضيقة. لا يمكن أن ننكر أن للنقابات وزن كبير في قطاع الصحة، خاصة العمومية، لكن حوارها الاجتماعي للأسف لا يختلف عن الحوار في باقي القطاعات، ولا يتجاوز المطالب الاجتماعية للموظفين في قطاع الصحة".