بعدما شهدت زياراته الى الخارج في السنوات الماضية نجاحات كبيرة، قد يجد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نفسه خلال جولته الحالية التي يتوجها بمشاركته في قمة العشرين في الأرجنتين، في مواجهة لقاءات باردة، وذلك في ظل تداعيات مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
وزار الأمير محمد خلال الأيام الماضية أربع دول عربية حصل فيها على كثير من الحفاوة على الصعيد الرسمي، لكنه واجه تظاهرات منتقدة لزيارته في تونس؛ حيث اتهمته منظمات ومجموعات مدنية ناشطة بالتورط في جريمة قتل خاشقجي. في الأرجنتين، سيكون في مواجهة مسؤولين دانوا بشدة قتل الصحافي السعودي في قنصلية بلاده في اسطنبول الشهر الماضي.
تجاهل "قائد الإصلاح"
وحتى الآن، كان ينظر إلى ولي العهد السعودي الشاب الذي يتولى مناصب قيادية عدة، على أنه قائد عملية الإصلاح في المملكة الغنية والمحافظة. ولذلك، فهو يسعى إلى التقليل من أهمية الضغوط الخارجية، واستغلال جولته الحالية التي أتت بعد جولة داخلية في السعودية، من أجل تلميع صورته التي بهتت بعد قضية خاشقجي، وخصوصا تعزيز العلاقات مع الدول الحليفة.
ويقول الباحث إتش إيه هيلر، من مؤسسة "المجلس الأطلسي" و"المعهد الملكي للخدمات المتحدة" في لندن، إن "السؤال يكمن في من من زعماء العالم سيرحب بالظهور إلى جانبه في العلن".
ويضيف "أعتقد أن ظهوره سيكون مدروسا إلى حد كبير لتجنب أي إحراج".
ويواجه الأمير احتمال تجاهله من جانب عدد من قادة الدول خلال أعمال قمة مجموعة العشرين التي تستمر يومين، وفقا للأستاذة في جامعة واترلو الكندية بسمة المومني.
وترى المومني أنه "قد لا يكون ممكنا تجنب الصور الجماعية، لكن القادة الليبراليين الديموقراطيين مثل قادة ألمانيا وكندا لن يرغبوا بالظهور وهم يصافحونه".
وتعرض العاهل الإسباني السابق خوان كارلوس لانتقادات الاثنين بعد تداول صورة له في أبوظبي مع ولي السعودي خلال زيارته دولة الإمارات، أولى محطات جولته العربية التي شملت أيضا البحرين ومصر وتونس.
ونشرت الصورة في صحف إسبانية عدة، بينها صحيفة "إل موندو" اليومية المحافظة التي وضعت عنوانا لها "صورة العار".
لكن جولة ولي العهد تأتي بعد دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب له والذي جاء على الرغم من تقييم لوكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه" نقلته صحيفة أمريكية يقول إن الأمير الذي يمسك بمقاليد الحكم على كافة المستويات في المملكة، يقف خلف مقتل خاشقجي.
وتقول المومني "ليس مفاجئا أن يقوم حلفاء مثل ترامب، و(الرئيس) الصيني شي (جينبينغ)، و(الرئيس) الروسي (فلاديمير) بوتين بإظهار عدم ممانعتهم بمواصلة العمل" مع ولي العهد.
لكن رغم ذلك، يستعد مسؤولون مقربون من ولي العهد لاستقبال بارد محتمل في قمة مجموعة العشرين.
وقدمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" شكوى الاثنين إلى القضاء الأرجنتيني ضد ولي العهد السعودي بشأن "جرائم حرب محتملة" في اليمن "وحالات تعذيب على أيدي مسؤولين سعوديين"، واحتمال أن يكون له دور في قضية خاشقجي.
وأفادت الصحافة الأرجنتينية أنه ي فترض بالمدعي العام راميرو غونزاليز اتخاذ قرار بشأن فتح تحقيق، وهو ما لم يحدث بعد.
ويواجه ترامب بدوره ضغوطا متصاعدة في مجلس النواب وسط مطالبات بفتح تحقيق في علاقاته المالية لتحديد ما إذا كانت للرئيس مصالح في دعم السعودية.
ومن المقرر أن يمثل وزير الخارجية مارك بومبيو ووزير الدفاع جيم ماتيس أمام الكونغرس، الأربعاء، في جلسات ترتبط بعلاقات إدارة ترامب بالمملكة.
مصالحة في الخليج؟
ومن المتوقع أن يلتقي ولي العهد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي لعب الدور الأكبر في الضغط الدولي على المملكة من خلال تكرار مسؤوليه أن أوامر قتل خاشقجي صدرت عن أعلى المستويات في الحكومة السعودية.
ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط سيغيرد نوباور المقيم في واشنطن أن لقاء بين إردوغان وولي العهد خلال أعمال مجموعة العشرين "سيكون بمثابة مؤشر على اتفاق ما قد يشمل مصالحة في الخليج (مع قطر) وخطوات عملية نحو تهدئة الحرب في اليمن".
ويتابع "لكن اتفاقا سعوديا تركيا محتملا لن يبعد على الأرجح الأمير محمد بن سلمان عن التحقيقات في الكونغرس في مقتل خاشقجي".
وسبقت زيارة ولي العهد إلى تونس الثلاثاء تظاهرة شارك فيها بضع مئات من الاشخاص في وسط العاصمة التونسية.
وتم وضع صورتين عملاقتين على مبنى نقابة الصحافيين التونسيين وجمعية النساء الديموقراطيات تظهر الأولى خليجيا ومعه منشار والثانية خليجيا بيده سوط مع عبارة "جلاد النساء غير مرحب به".
وتناقض هذه التحركات الترحيب الذي استقبل به ولي العهد في دول غربية هذا العام قبيل مقتل خاشقجي، وبينها الولايات المتحدة حيث احتفي به بشكل كبير وعقد لقاءات مع كبار رجال الأعمال الأمريكيين.
ومنذ تسلمه منصب ولي العهد في يونيو 2017، قدمت حملات العلاقات العامة الأمير محمد على أنه قيادي متحرر يسعى إلى إعادة بناء المملكة المحافظة، بينما يشد د قبضته على مقاليد الحكم.
ويبدو أن تداعيات مقتل خاشقجي الذي كان يكتب مقالات منتقدة لسياسات ولي العهد في صحيفة "واشنطن بوست"، بدأت تلقي ظلالا على هذه الحملة.
ولم تتحول التداعيات حتى الآن إلى تهديد لمنصب الأمير محمد كولي للعهد في ظل سيطرته المحكمة على الأجهزة العسكرية والأمنية، والدعم العلني الذي يلقاه من العائلة المالكة.
ويقول مؤيدوه إن خروجه من المملكة في خضم أزمة كبرى مؤشر على أنه لا يزال يمسك بزمام الأمور.
وتقول المومني إن ولي العهد "يحاول أن يظهر للجمهور في الداخل والخارج أنه غادر القصر لكنه واثق من عودته للسيطرة عليه"، مضيفة "يريد أن يثبت أنه هنا ليبقى لعقود كحاكم مستقبلي للسعودية".