"البيدوفيل" الأمريكي، الذي أعلن الأمن الوطني اعتقاله أمس (الجمعة) بطنجة، اسمه "آرثور بيرو"، فر من الولايات المتحدة الأمريكية منذ 1992، على خلفية تفجر فضيحة استغلال جنسي للقاصرين من قبل رجال دين في كنيسة بـ"نيو-ميكسيكو"، وقضى بالمغرب 25 سنة، وفي فبراير 2017، صدر في حقه حكم غيابي بأداء 16 مليون دولار. هنا تحكي "تيل كيل-عربي" تفاصيل قضيته.
خرج بلاغ جديد، ليلة أمس (الجمعة)، من مكتب عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني، وفيه أن عناصره بطنجة، اعتقلت أمريكيا عمره 79 سنة، لأنه مطلوب من قبل سلطات بلاده من أجل ارتكاب اعتداءات جنسية على قاصرين، وتم إخطار منظمة الشرطة الدولية "أنتربول"، بغرض تسريع إجراءات تسليمه.
ولأن المديرية العامة للأمن الوطني، لم تكشف تفاصيل كثيرة، ساد اعتقاد أن الأمر يتعلق بسائح "بيدوفيلي"، على غرار الإسباني دانييل كالفان، الذي سبب العفو عنه وترحيله في صيف 2013، احتقانا كبيرا في المغرب، غير أن الحصول على اسمه لدى مصدر أمني بطنجة، والبحث في قصة حياته، كشف أن الأمر يتعلق بقس سابق في كنيسة، وجريمته تعود إلى 1992.
الضحية يلاحق مغتصبه
تعود أول مرة أثير فيها اسم القس الأمريكي بالمغرب، إلى ماي 2015، حينما كشفت صحيفة "البوكيرك جورنال" الصادرة من "نيو-ميكسيكو"، أن "كينيث وولتر" (35 سنة)، وهو ضحية اعتداء جنسي عندما كان يافعا، وضع شكاية جديدة ضد القس "آرثور بيرو"، الذي فقدت العدالة الأمريكية أثره منذ 1992، التاريخ الذي تفجرت فيه فضيحة تورطه في اعتداءات على الأطفال، في كنيسة "أبرشية سانتا في"، بعدما تمكن، بفضل أحد المخبرين، من معرفة وجوده في المغرب.
وكان الصادم أكثر في القصة، أن القس الهارب من العدالة الأمريكية، لم يجد في المغرب فقط الملاذ الآمن، إنما أيضا حصل على عمل لدى الدولة الأمريكية نفسها، يجعله على احتكاك مرة أخرى باليافعين، إذ، حسب الصحيفة الأمريكية، استطاع العمل مدرسا للغة الإنجيليزية لدى المركز اللغوي الأمريكي بطنجة، وهو هيأة تابعة رسميا لسفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالرباط.
المعطيات نفسها، أكدها لـ"تيل كيل – عربي"، مصدر في الشرطة القضائية بطنجة، بقوله إن البلاغ الصادر عن المديرية العامة للأمن الوطني، يتعلق بـ"قس مطلوب للولايات المتحدة الأمريكية بموجب مذكرة بحث للشرطة الفدرالية، وتبين أنه كان يشتغل لدى المركز الثقافي الأمريكي، ولما تبين أن السلطات الأمريكية حددت مكانه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، استقال من المركز، واختفى عن الأنظار لمدة سنة".
وبالنسبة إلى المصدر نفسه، "بقاء المطلوب للسلطات الأمريكية بالمغرب 25 سنة، لا يعني بالمطلق أنه أفلت من السلطات المحلية، وكان ممكنا اعتقاله قبل اليوم، لكن الذي وقع، أنه بالنسبة إلى المغرب، لم يكن مطلوبا إلا بتاريخ 6 أكتوبر الجاري، اليوم الذي تم فيه التوصل بمذكرة البحث عنه من قبل منظمة الشرطة الدولية (الأنتربول)".
وأضافت المتحدث ذاته، أن بلاغ المديرية العامة للأمن الوطني كان واضحا في ذلك، بقوله إن "المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (أنتربول)، كانت قد عممت على الدول الأعضاء نشرة حمراء في مواجهة المشتبه فيه بتاريخ 6 أكتوبر الجاري، بطلب من القضاء الأمريكي ، وذلك قبل أن تسفر الأبحاث والتحريات الأمنية التي باشرتها مصالح الشرطة القضائية عن تحديد مكان وجوده وتوقيفه بمدينة طنجة".
70 ضحية اغتصاب
في الضفة الأخرى، أي "نيو-ميكسوكو"، لم ينشر بعد شيء عن الاعتقال الذي تم في المغرب، رغم مرور 24 ساعة عن صدور بلاغ الأمن الوطني الذي أوردته كذلك صحف أوربية، لكن في المقابل، يشير "البوكيرك جورنال"، في مقال صدر في 17 فبراير الماضي، أن قاضيا أصدر حكما غيابيا يغرم القس الهارب 17 مليون دولار.
وفي 12 أكتوبر الجاري، أضافت الصحيفة ذاتها، في مقال جديد، أن قاضيا أمريكيا وقع على قرار رفع السرية عن عدد من الوثائق المتعلقة بالاعتداءات الجنسية في أبرشية "سانتا في"، بطلب من تلفزيون محلي، والتي تضم معطيات عن الاعتداءات الجنسية، التي ارتكبها ثلاثة من رجال الدين التابعين للكنيسة، أبرزهم "أرثور بيرو"، في حق عدد من الأطفال من كلا الجنسين خلال التسعينيات.
وفيما برر القاضي قرار رفع السرية، بأن "البابا فرانسوا" نفسه أقر بالاعتداءات الجنسية في الكنائس علنا، ودعا الكنيسة إلى الاعتراف بالأخطاء وتحمل المسؤولية"، أضافت الصحيفة الأمريكية، أن الملفات، تضم معلومات مهمة، بينها معلومات خاصة حول سلوكات القساوسة المتهمين تجاه الأطفال، والطريقة التي تفجر بها ذلك، والكيفية التي تم بها التغطية على الفضييحة من قبل كبار مسؤولي الكنيسة.
وفي المجموع تم تقديم 70 شكاية جديدة منذ 2011، ضد أبرشية "سانتا في" في "نيوميكسيكو" من قبل ضحايا الاغتصاب في طفولتهم على يد القساوسة الثلاثة، بينهم الذين تعرضوا له بشكل متكرر، إذ تشير معلومات الصحيفة ذاتها، أن الشاب "كينيث وولتر"، ضحية القس الذي اختبأ في طنجة، تعرض على يده لاعتداءات جنسية 39 مرة.
جدير بالذكر، أن قضية الاعتداءات الجنسية للرهبان والقساوسة على الأطفال، محط جدل كبير في السنوات الأخيرة لدى المسيحيين عبر العالم، لكن لما جاء البابا فرنسيس، وتحت ضغط الإعلام، قرر فتح تلك الصفحة المحرجة، وآخر ما صرح به، قوله في 21 شتنبر الماضي، إن "الكنيسة تأخرت بعض الشيء في مواجهة قضية الاعتداءات الجنسية على الأطفال من قبل الكهنة".