بن، رضا، وإسماعيل، ثلاثة شبان من بروكسيل، اعتبروا أنه لم يعد لهم مكان في بلجيكا، وقرروا باسم الدين مغادرة البلد إلى سوريا، للقتال إلى جانب الجهاديين الآخرين؛ إنها قصة مسرحية ''الجهاد''، لكاتبها ومخرجها المغربي-البلجيكي إسماعيل السعيدي. المسرحية، التي عرضت 360 مرة في مجموعة من دول العالم، وشاهدها أكثر من 200 ألف متفرج، شهدت، مساء يوم أمس السبت 14 أكتوبر، إقبالا كثيفا، من قبل متفرجين مغاربة وأجانب، على عرضها بمسرح محمد الخامس بالرباط.
في انتظار ''الجهاد''
إنها السابعة و45 دقيقة من مساء يوم أمس السبت. الساحة الأمامية لمسرح محمد الخامس بالرباط ممتلئة بأشخاص قَدِمُوا لمشاهدة عرض مسرحية، أُعْلِنَ في يناير من سنة 2015، في بلجيكا، أنها تخدم الصالح العام، وَأُوصِيَ بها في فرنسا، من طرف وزارة التربية والتعليم، لمواجهة التطرف داخل المدارس. القادمون لمشاهدة هذه المسرحية، كانوا مغاربة وأجانب، وتَوَزَّعُوا بين ذكور، وإناث، وأطفال، وشباب، وكهول، وشيوخ.
كراسي قاعة العرض، في الطابقين الأرضي والعلوي، امتلأت جَمِيعُهَا بالمتفرجين، قبل حتـَّى أن يَحِينَ وقت العرض، الذي حدد في الثامنة مساءً. وفي الخارج أشخاص، يحملون تذاكرا لحضور العرض، يَحْتَجُّونَ على موظفة أمن في المسرح، منعتهم من الدخول، وأخبرتهم بأنه لم تعد هناك أماكن فارغة داخل القاعة التي ستشهد عرض مسرحية المغربي-البلجيكي إسماعيل السعيدي.
تذاكر عرض المسرحية التي عنونت بـ ''الجهاد" بيعت، من طرف المعهد الفرنسي بالرباط، بـ 100 درهم للأشخاص الراشدين العاديين، و50 درهم للأشخاص الراشدين الأعضاء في المعهد الفرنسي بالرباط، و30 درهم للأطفال والطلبة.
السعيدي: ''بِعْنَا ملابسنا لعرض المسرحية''
''فكرة المسرحية مصدرها مشاهدتي فيديو، في سنة 2014، لمارين لوبان، رئيسة حزب الجبهة الوطنية في فرنسا، تقول فيه إنها لا تهتم بأولئك الذين يذهبون إلى داعش للجهاد، طالما أنهم لا يعودون. وهذا الأمر صدمني، ودفعني إلى التفكير في كتابة وإخراج مسرحية الجهاد''، يقول إسماعيل السعيدي، كاتب المسرحية ومخرجها، في تصريح لـ ''تيل كيل عربي''.
السعيدي أفاد، في نفس التصريح، أنه لا يعرف ما اصطلح عليه بـ ''الوصفة'' التي جعلت مسرحيته تنجح، وبأنه لن يعرفها بعد مرور ثلاث سنوات.
كاتب المسرحية ومخرجها أضاف، لـ ''تيل كيل عربي''، أن الأشخاص الذين شاهدوا المسرحية، في كل الأماكن التي عرضت فيها، بكوا. وفيما يخص حيثيات إعداد المسرحية للعرض، قال البلجيكي ذو الأصل المغربي ''كتبت السيناريو، ولم يكن لدينا المال لعرضها، وكافحنا، وَبِعْنَا ملابسنا، حتَّى نعرضها أمام العالم بأكمله".
مخرج فيلم ''رحيمو'' قال إن الهدف من المسرحية، في البداية، كان، فقط، الضحك على موضوع معقد، وجعل الجمهور يفكر ويبكي أيضا. وأبرز أن المسرحية تم عرضها بمدارس عديدة في فرنسا وبلجيكا، لأنها أصبحت جزءً من برنامجها التعليمي. وأوضح أن نهاية كل عرض للمسرحية تتميز بفتح نقاش مع الجمهور حول موضوع عادة لا نجرأ على التحدث فيه.
اليزمي: ''المسرحية تمثل فنّاً بمعنى الكلمة''
''جئت لمشاهدة عرض مسرحية ''الجهاد''، لأنني أحب المسرح''، يفيد إدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في تصريح لـ ''تيل كيل عربي''، ويضيف رئيس المجلس المذكور، مُتَّجِهاً بخطوات مسرعة نحو باب مغادرة المسرح، ''المسرحية تمثل فنا بمعنى الكلمة؛ فيها ذكاء، وحقيقة، وضحك، وأحاسيس قوية، والممثلين أدوا بشكل جيد، والمسرحية، بصفة عامة، كانت متقنة''. إلى جانب إدريس اليزمي، حضر عرض المسرحية، مساء يوم أمس، عبد المجيد فاضل، المدير العام للمعهد العالي للإعلام والاتصال. واعتبر هذا الأخير أن المسرحية عالجت موضوعا يمثل إشكالية في الوقت الراهن، وهو ''الجهاد في التنظيمات الإرهابية''.اضل قال، في تصريح لـ ''تيل كيل عربي''، إن مسرحية السعيدي تطرقت إلى موضوع مهم بأسلوب ساخر، مبرزة المشاكل التي يعاني منها هؤلاء الأشخاص ذَوُو الأصول العربية في البلدان الأجنبية التي يعيشون فيها، ومسلطة الضوء على أمور تلجأ إليها هذه التنظيمات المتطرفة لاستقطاب الشباب، ومن بينها استغلال الدين.
آراء الجمهور
''أتيت لمشاهدة هذه المسرحية لأن موضوعها أثارني. وانطباعي تجاهها هو الإعجاب؛ لأنها بينت أن الإسلام لا يتلخص في الجهاد في التنظيمات الإرهابية، وبأنه يمثل الحب ما بين الناس''، يقول شاب حضر العرض. ''جئت رفقة ابني الذي طلب مني أن أحضره لمشاهدة المسرحية. وهذه الأخيرة أعجبتني؛ ففي بدايتها كنت مترددة في إصدار حكم حولها، ولكن في الأخير أعجبت بإبرازها أن الإسلام ليس هو الجهاد والإرهاب''، تفيد سيدة كانت ضمن من شاهدوا، يوم أمس، مسرحية ''الجهاد''.
سيدة أخرى، من ضمن الجمهور، قالت إن المسرحية أعجبتها كثيرا. وأفادت أن لعب الأدوار كان مَكْسُوّاً بالصراحة. السيدة أضافت ''أعجبتني المسرحية لأننا كنا ننتظر عملا مسرحيا حول الجهاد في التنظيمات الإرهابية''، معتبرة أن المسرحية تطرقت إلى مسألة الهوية؛ إذ بينت من نحن، وأين نريد أن نكون. وأبرزت أن المسرحية تطرقت إلى موضوع الهجرة، وأنه كان لها طابع سكيزوفريني أحمق. من جهتها تقول سيدة ثالثة إن المسرحية والكوميديين الذين لعبوها وطريقة لعب الأدوار قد نالوا إعجابها. كما أفادت أن موضوع المسرحية مهم جدا، مبينة أن المخرج عرف جيدا كيف يجعله كوميديا.