كلما صدر تقرير، أو تصنيف، أو مؤشر دولي، حول الجامعات في العالم، يتلقى المغاربة صدمة بسبب عدم ورود اسم أي جامعة مغربية، أو تصنيف جامعات مغربية، في حالة ورود أسمائها، في مراتب متأخرة. فهل أصبحت الجامعة المغربية عاقراً، لا تنجب كفاءات طلابية، وبحوثا علمية، تجعلها تحظى بمراتب متقدمة في التصنيفات الدولية؟ وهل تذهب الجهود المبذولة في قطاع التعليم العالي في المغرب، والأموال المصروفة على الاستراتيجيات الإصلاحية لهذا القطاع سدى؟ ''تيلكيل عربي'' حاور مجموعة من الأكاديميين المغاربة، حول أسباب ''فشل'' الجامعات المغربية في أعين التصنيفات الدولية.
مؤشرا "كيو إس" و"ويبو ميتركس"
في 16 أكتوبر الجاري، صدرت نتائج موسم 2017-2018 من مؤشر ''كيو إس'' الخاص بالجامعات. هذا الأخير صنف جامعة الأخوين في إفران في المرتبة 44، وجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء في المرتبة 66، بينما حلت جامعة محمد الخامس في الرباط في المرتبة 79.
الترتيب المذكور للجامعات المغربية الثلاث، يخص التصنيف على مستوى الدول العربية، والذي شمل 100 جامعة عربية، أما فيما يتعلق بالتصنيف العالمي للجامعات، الذي شمل 1000 جامعة، والذي صدر، أيضا، عن ''كيو إس''، فقد شمل فقط جامعة محمد الخامس، وصنفها في المرتبة 924 من أصل 1000 جامعة. وأفاد التصنيف ذاته أن البحث في جامعتي الأخوين والحسن الثاني متوسط، بينما اعتبره عاليا في جامعة محمد الخامس.
ليس ''كيو إس'' المؤشر الوحيد الذي وضع الجامعات المغربية في مراتب متأخرة عربيا ودوليا، بحيث كشف مؤشر ''ويبوميتركس'' العالمي للجامعات، الصادر في شهر غشت المنصرم، والذي صنف أزيد من 20 ألف جامعة، عن عدم وجود أي جامعة مغربية في الـ 1000 مرتبة الأولى. كما صنف مجموعة من الجامعات المغربية في مراتب متأخرة عربيا ودوليا، بحيث صنفت جامعة القاضي عياض بمراكش، الأحسن بين الجامعات المغربية حسب المؤشر، في المرتبة 28 عربيا، و1994 عالميا.
عطب اللغة
الأستاذ الجامعي تاج الدين الحسيني يرى أن اللغة الفرنسية أصبحت عاجزة عن تلبية الحاجيات العلمية داخل الجامعة المغربية.الحسيني تحدث، أيضا،عن البحث العلمي في الجامعات المغربية، مبرزا أن الاهتمام به جد ضعيف، مقارنة مع بلدان عربية كالأردن، ودول الخليج، وإسرائيل. كما اعتبر أن الثانويات المغربية تنتج تلاميذا غير مؤهلين ومكونين بشكل جيد، من أجل الالتحاق بالجامعة.
وانتقد الحسيني جامعة الأخوين، إذ قال بشأنها ''جامعة الأخوين، رغم الأموال التي أنفقت عليها، وتكاليفها الباهظة، تصنف في التقارير الدولية الخاصة بالجامعات في مراتب متأخرة''. كما أبر أن الجامعات الدولية الموجودة في المغرب، رغم علاقات التعاون التي تربطها بدول أجنبية، فهي ليست في المستوى المطلوب، لأن علاقاتها مع الجامعات الدولية مطبوعة بالمجاملة، وليس بالصرامة.
الحسيني يرى أن جعل الجامعة المغربية العمومية محدودة الولوج، من بين الحلول التي من شأنها جعل الجامعة المغربية تتطور، معتبرا أن المدارس والمعاهد المغربية المحدودة الولوج، تخرج طلبة لديهم كفاءات أكثر من الطلبة خريجي الجامعات العمومية. واعتبر نفس المتحدث أن إصلاح التعليم العالي في المغرب، غير مرتبط بـ ''روتوشات'' أو إصلاحات وصفها بـ ''الوقتية''، وإنما بابتعاد الاستراتيجيات الإصلاحية عن ما أسماه بـ ''السياسات السياسوية''، التي يعتمدها الوزراء المتناوبون على القطاع، كل حسب الانتماء السياسي الخاص به.
معايير قاسية
حسن طارق، الأستاذ الجامعي في جامعة محمد الخامس بالرباط، أرجع سبب تأخر المغرب في التصنيفات الدولية الخاصة بالجامعات، إلى كون عدد الطلبة المتخرجين، سنويا، من الجامعات المغربية ضعيف جدا، مبرزا أن معايير التقييم في التصنيفات الدولية المذكورة قاسية جدا.
طارق قال إنه لا يمكن أن يكون التعليم العالي في المغرب ناجحا، وأن ينتج ويغذي سوق الشغل بكفاءات، دون أن تكون هناك مدرسة ناجحة، موضحا أن جميع الإجراءات الإصلاحية التي همت قطاع التعليم العالي في المغرب، كانت تقنية وإجرائية، ولذلك فشلت. كما أفاد طارق أن هناك توجها لإعطاء أفضلية لجامعات خاصة، وجامعات وصفها بـ ''صاحبة الوضع الغامض''، تختار طلبتها من خلال الانتقاء، ولديها قدرات على تدبير التنافسية مع باقي الجامعات، ولديها مؤهلات، مبرزا أنه يجب خلق تساوي بين مختلف الجامعات المغربية.
الأستاذ مشغول عن البحث العلمي
عبد الوهاب الرامي، أستاذ باحث بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، تحدث عن الجانب المتعلق بالبحثين التكنولوجي والعلمي الدقيق داخل الجامعة المغربية، معتبرا إياهما متأخران، مقارنة مع نظيريهما في الجامعات العالمية الكبرى. ويرجع سبب هذا التأخر، حسب الرامي، إلى عدم اهتمام الجامعة المغربية بالأستاذ الجامعي باعتباره إطارا، الأمر الذي يدفعه إلى مزاولة أشغال هامشية إلى جانب مهمته الأصلية.
الخبير الإعلامي المعتمد لدى منظمة ''اليونسكو'' انتقد مسألة عدم ارتباط الجامعة المغربية بجامعات لها وزن على المستوى العالمي، فيما يخص إعداد البحوث العلمية، مبرزا أن طاقم التدريسي والطلبة في الجامعة المغربية، يجب أن يكونوا ملمين باللغة الإنجليزية، من أجل استعمالها في البحث العلمي، وعقد لقاءات وشراكات مع باحثين دوليين، معتبرا أن الجامعة المغربية تعاني من خصاص على هذا المستوى.
البرامج الإصلاحية الفاشلة
الأكاديمية رشيدة بنمسعود تعود بالمشكل إلى أصله، والمتمثل بنظرها في البرامج الإصلاحية التي اعتمدت في مجال التعليم العالي في المغرب. وذكرت منها، بشكل خاص، الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والقانون رقم 01.00 المنظم للتعليم العالي، والبرنامج الاستعجالي، بحيث اعتبرت أن هذه البرامج الإصلاحية رأت في التعليم العالي في المغرب مختبرا للتجريب، مما جعلها تخفق، رغم تكاليفها المالية الباهظة.
البرنامج الاستعجالي قالت عنه بنمسعود إنه لم يقيم لوحده، لكي يعرف المغاربة ماذا فُعِلَ بميزانيته الضخمة، التي قدرتها بـ 45 مليار سنتيم، منتقدة إدماج هذا البرنامج في التقييم الذي قام به المجلس الأعلى للتربية والتكوين، مؤخرا، حول البرامج الإصلاحية المعتمدة في قطاع التعليم العالي في المغرب، من سنة 2000 إلى الآن، معتبرة أن البرنامج الاستعجالي يجب أن يقيم لوحده، لأنه رصدت له ميزانية ضخمة خاصة به.
بنمسعود أفادت أن المادة 100 من القانون 01.00، الخاصة بتوحيد مؤسسات التعليم العالي العمومية والخاصة في المغرب، وجعلها، جميعها، تابعة لوزارة التعليم العالي، لم تطبق، الشيء الذي يجعل مؤسسات التعليم العالي المغربية مشتتة على مجموعة من القطاعات الوزارية، حسب نفس المتحدثة.
البرلمانية السابقة عن حزب الاتحاد الاشتراكي اعتبرت عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة، وعدم وجود آلية للمراقبة والتتبع، من بين أسباب إخفاق التعليم العالي بالمغرب، إضافة، إلى مسألة تعدد الوزراء المشرفين على التربية والوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر في الحكومات المغربية السابقة، بحيث قالت في هذا الجانب ''مسألة تعدد الوزراء المشرفين على المجالات المذكورة، تجعل وجهات النظر والاجتهادات الشخصية مختلفة، بسبب اختلاف الانتماءات السياسية لهؤلاء الوزراء''، مبرزة أن إشراف وزير واحد على جميع القطاعات المذكورة، يعد من حسنات الحكومة الحالية.
بنمسعود قالت، كذلك، إن التقارير الدولية الخاصة بالتعليم العالي، تعتمد على علاقة التكوين بسوق الشغل، إذ بينت، في هذا الإطار، أن الجامعة المغربية تنتج البطالة، وتزرع الفشل والإحباط في نفوس الطلبة. كما ذكرت أن التقارير المذكورة تعتمد، في تصنيفاتها، على مسألة تدريس اللغات، بحيث أبرزت أن هذه الأخيرة، في الجامعة المغربية، محدودة وفي تراجع، معتبرة أن وضع اللغة العربية في تراجع مقلق، وأن اللغة الأمازيغية لا يهتم بها من طرف جامعات المملكة.