يخلف ميلودي مخاريق نفسه على رأس الاتحاد المغربي للشغل، فقد كان المرشح الوحيد، في المؤتمر الثاني عشر، لتولي منصب الأمين العام الوطني لأكبر مركزية نقابية يعود تأسيسها إلى 64 سنة خلت.
إجماع برفع الأيدي
انتخب مخاريق، البالغ من العمر 69 عاما، ليلة السبت – الأحد، كي يتولى أمر الاتحاد المغربي للشغل لولاية ثالثة تدوم أربعة أعوام.
وانتدب مخاريق من قبل 1500 مندوب، شاركوا في المؤتمر الثاني عشر، حيث يمثلون 63 اتحادا، و45 فيدرالية مهنية ونقابة وطنية، وهيئة موازية.
يعتبر مصدر شارك في المؤتمر أنه لم يوجد بديل لمخاريق، ليس لأنه الزعيم الوحيد الذي لا غنى عنه، ولكن لأن ما حدث في العشرة أعوام الماضي، خلق نوعا من الفراغ على مستوى المنافسين المحتملين للأمين العام، الذي أحاط نفسه بمؤيدين يدينون له بالولاء.
كرس مخاريق أمينا عاما للمرة الثالثة بالإجماع، وهو ما يراه أحد المشاركين في المؤتمر، غير عاكس للإجماع الذي يمكن أن تكرسه صناديق الاقتراع، مادام التكريس جاء برفع الأيدي والهتاف. هتاف تضيع وسطه الأصوات المتحفظة، على قلتها.
تعديل في صالح مخاريق
لم تكن القوانين تسمح لمخاريق بالترشح لمنصب الأمين العام للنقابة، فقد استنفذ الولايتين اللتين يسمح له بهما القانون، غير أنه تمكن من تعديل القانون، ما سمح له بالترشح لولاية ثالثة.
وجاء التمديد لمخاريق، بعد تعديل القانون الأساسي، الذي يفرض تقديم مقترحات التعديلات، شهرين قبل المؤتمر الوطني، وهو المقتضي الذي استثمره مخاريق كي يتم الإعلان أثناء انعقاد المؤتمر عن تلقي مقترحات حول عدد الولايات من اتحادات جهوية.. ليفتح الباب أمام العهدة ثالثة.
لا شيء يمنع من تقديم تعديلات، حتى دون أن تطلع عليها اللجنة التحضيرية، إذ يسمح القانون بأن تعرض على المؤتمر، شريطة أن تقدم داخل أجل شهرين قبل انعقاده. هذا ما سمح بالإعلان عن عدم الاكتفاء بولايتين فقط للأمين العام، عبر الولاية الثالثة.
وكرس مخاريق أمينا عاما، وأخذ المؤتمر بعين الاعتبار القوة التي يتمتع بها " التوجه الديمقراطي" في النقابة عبر قطاعات وازنة، مثل التعليم والفلاحة والجماعات المحلية، ما استدعى ضم بعض ممثليه إلى الأمانة العامة، التي انتقل عدد أعضائها إلى 21، حيث جرى الاحتفاظ بالأعضاء السابقين، وأضيف إليهم 8 أعضاء جدد، مع انتداب 4 نواب للأمين العام. و بالإضافة إلى زيادة عدد أعضاء الأمانة العامة، انتقل عدد اللجنة الإدارية من 163 إلى 263 عضوا.
لم يكن المؤتمر الوطني الثاني عشر لنقابة المحجوب بن الصديق، ينطوي على رهان انتخابي، يمكن أن يغذي التشويق لدى المنتمين للمركزية، بل كان الفائز معروفا سلفا.
ويعتبر مخاريق ثاني أمين عام في تاريخ الاتحاد المغربي للشغل، بعد المحجوب بن الصديق، الذي تولى أمر المركزية خمسة وخمسين عام، حيث خلفه في 2010، قبل أن يعاد انتخابه في المؤتمر الوطني الحادي عشر في 2015.
من اليمين إلى يسار اليسار
أفهم قيادي نقابي، مثل عبد الحميد أمين، بأنه غير مرغوب به في جلسات المؤتمر. عبد الحميد أمين بعث برسالة إلى المؤتمر، الذي عرف احتجاج رفاقه على عدم مشاركته في المؤتمر.
غاب عبد الحميد أمين، وحضر رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، صلاح الدين مزوار، الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني لنقابة المحجوب بن الصديق. حضور مزوار يؤشر على الاعتبار الذي يحيط به رجال الأعمال، المركزية النقابية، فقد كانوا يقولون منذ الستينيات من القرن الماضي: "يمكن أن نقوم بكل شيء مع الاتحاد المغربي للشغل، ولا يمكن أن نقوم بأي شىء بدون الاتحاد المغربي للشغل".
وزن المركزية التاريخي، حذا بجميع ألوان الطيف السياسي، إلى الحرص على تسجيل الحضور في الجلسة الافتتاحية، فقد حضر عزيز أخنوش رئيس التجمع الوطني للأحرار وإدريس لشكر، الكاتب العام الأول للاتحاد الاشتراكي، بجانب محمد بنسعيد أيت إيدر ونبيلة منبيب، الأمينة للحزب الاشتراكي الموحد، و مصطفى البراهمة الكاتب العام للنهج الديمقراطي.
في ولايته السابقة، خرج ميلودي موخاريق عن تقليد أرساه الأمين العام السابق، المحجوب بن الصديق، والذي يتمثل في نوع من " الحياد" تجاه مسار الانتخابات التشريعية، فقد خرج، في الانتخابات التشريعية السابقة،كي يدعو بمعاقبة الفريق الذي كان يقوده رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران. كل المراقبين كانوا يدركون أن دعوة موخاريق كانت تستهدف حزب العدالة والتنمية.
ويعتبر مصدر أنه رغم تراجع جاذبية النقابات، إلا أن الاتحاد المغربي للشغل، تمتع، تاريخيا، بحضور وازن في العديد من القطاعات الاستراتيجية في الاقتصاد الوطني. فالنقابة بما تراكم لديها من رصيد في الموانئ أو نقل السلع أو الأبناك أوالماء والكهرباء، يمكن أن تكون أية حركة احتجاجية تقودها مؤلمة للفاعلين الاقتصاديين.
المال.. المال
لا يعرف عدد المنضوين تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، الذي كان في الستينيات من القرن الماضي، يستقطب العمال بكثرة، كأي مركزية نقابية في البلدان المتقدمة، غير أن الكثير من الغموض أضحى يحيط بعدد المشتركين النشيطين.
ولم يتمكن المشاركون في المؤتمر من التعرف على التفاصيل المالية المرتبطة بأدائها. فقد قدم عرض تقرير مالي، لم يجر التركيز فيه على المؤشرات الرقمية، بل ألقي فيه الضوء على النتائج التي وصفت ب"الجيدة"، على مستوى المداخيل والمصاريف دون تقديم تفاصيل شافية، مع التشديد على توفر الوثائق التي تثبت ذلك.
وقد ساهم في هذا الوضع، عدم توفر المغرب على قانون للنقابات، على غرار قانون الأحزاب، الذي يمكن أن يفضي إلى التعرف على حجم الدعم العمومي الذي تستفيد منه النقابات، خاصة عبر التقارير التي ينجزها مجلس الحسابات.
عدم التوفر على قانون للنقابات، يجعل التحقق من ماليتها صعبا، وتحديد عدد ولايات الأمناء العامين بالقانون متعذرا ، ما يفتح الباب أمام، أمين عام مثل، مخاريق كي يحلم بتحطيم الرقم القياسي للمحجوب بن الصديق على رأس النقابة، التي تولى أمرها على خمسة وخمسين عاما.
تكريس في ظل تعثر الحوار الاجتماعي
انتخب مخاريق لولاية ثالثة، في سياق متسم بتعثر الحوار الاجتماعي، حيث لم تتمكن المركزيات النقابية، منذ عام، من التوصل إلى اتفاق مع الحكومة والاتحاد العام لمقاولات المغرب.
لم تفلح نقابة المحجوب بن الصديق ،في الانخراط مع الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والفيدرالية الديمقراطية للشغل، في نوع من التحالف الاستراتيجي في عهد حكومة عبد الإله بنكيران، فالتنسيق انفرط عقده عندما تعلق الأمر بالتصويت على إصلاح التقاعد في الوظيفة العمومية.
وبعدما كانت النقابات تذهب إلى الحوار الاجتماعي موحدة، بعد التنسيق الذي انخرطت فيه، إلا أنها سرعان ما أضحت تفاوض الحكومة منفردة، حيث تجلى أنها لم تستطع الحفاظ على الحد الأدنى من التنسيق.
ووجدت المركزية النقابية صعوبة كبيرة في إقناع الحكومة بالتراجع عن عرض مشروع تنظيم الإضراب على البرلمان، بينما تعارض ما يدعو إليه الاتحاد لمقاولات المغرب من مرونة في سوق الشغل عبر مراجعة مدونة الشغل.. إنجاز واحد يمكن لمركزية المحجوب بن الصديق، أن تعتبر أنها حققته في عهد مخاريق، ويتمثل في احتلال المركز الأول في انتخابات المناديب، المؤهلة لاحتلال موقع وازن في الغرفة الثانية من البرلمان.