حمل الجنرال أحمد قايد صالح إلى رئاسة أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري من قبل " جماعة الرئيس"، واستطاع على مدى خمسة عشرة عاما، من إبعاد منافسيه، وهو اليوم المتحكم في مقاليد الحكم، الذي يسعى إلى تأمين انتقال سلس للسلطة، بعد بوتفليقة.
إنها إحدى مفارقات نهاية حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. فالرجل الذي كان حذرا من الجنرالات، توارى إلى الخلف أمام أول واحد منهم. ولقد أصبح نائب وزير الدفاع الوطني ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، أحمد قايد صالح، منذ 2013، وجه وصوت السلطة.
يقول أكرم خريف، الصحفي المتخصص في قضايا الدفاع، إن قايد صالح عوض بوتفليقة في نشرات الأخبار التلفزية وفرض نفسه إعلاميا، أكثر من شخصيات النظام الأخرى.
الفرنسيون يعتبرون أنه إذا كان، سعيد بوتفليقة، المستشار الخاص للرئيس، يحوز شرعية صلة القرابة والدم، فإن قايد صالح هو الذي يمسك بمقاليد الحكم في مرحلة من حياة النظام، توصف في فرنسا على أنها ظاهرة على الطريقة الكاسترية، في إحالة إلى الرئيس الكوبي الراحل فيديل كاسترو.
ويعتبر قايد صالح، دون شك، رئيس الجيش، الذي يتحكم، اليوم، في شؤون البلد. هذا الرجل، هو الذي كان، يدعو، قبل فترة، لولاية خامسة لفائدة عبد العزيز بوتفليقة، مادامت مسألة الخلافة لم تكن مرتبة سلفا.
وتنظر باريس إلى قايد صالح، على أنه يمثل، بشكل عام، الخط المتشدد في محاربة الإرهاب، غير أنه مادام رفض مشاركة الجزائر في العمليات العسكرية بالساحل، فإنه يجسد سياسة الحذر تجاه الخارج.
من يكون هذا الرجل الذي يدين بكل شىء لجماعة الرئيس؟ فقد رفعته هذه الدائرة إلى قمة الجيش في 2004، على حساب سلفه محمد العماري، الذي كان حضوره طاغ على الرئيس الذي آل على نفسه بألا يصبح " لعبة" في يد العسكريين.
يشير الصحفي أكرم خرييف، إلى أنه في البداية لم يكن قايد صالح يحظى، بما يكفي، من الاعتبار، بالنظر لعدم توفره على رصيد ميداني مشهود له به، مقارنة بالضباط من جيله، فمساهمته في حرب التحرير لا شواهد كافية عليها. كما أن المناطق التي كانت خاضعة لقيادته لم يطلها الإرهاب في التسيعينيات من القرن الماضي، غير أنه عوض مكامن الضعف لديه بنشاطه الكبير في الميدان.
وتذهب المؤرخة، صفية أزركي، إلى أنه تدرج في مراتب الجيش خطوة خطوة، فقد كان رائدا في قطاع، ورائدا مساعدا في منطقة عسكرية، ثم رائدا في منطقة عسكرية.
مساره المهني ليس استثنائيا، لكن عرف عنه قربه من مرؤسيه. قدرته على القيادة، يمكن أن تفسر الكثير من الأشياء، ما دام أحد مفاتيح الشخص، يكمن في كون التصور الذي يحمله عنه مرؤسوه في الجيش تطور كثيرا، حسب أكرم خرييف.
فقد واصل الزيارات الميدانية لمرؤوسيه، وتجلى أنه يتمتع بقدرات تواصلية كبيرة، خاصة بعد تواري بوتفليقة. ويضيف خرييف، أنه إذا يمكن أن يؤاخذ عليه قربه من الرئيس، فإنه لا خوف عليه من التمرد عليه من داخل المؤسسة العسكرية، خاصة أن قايد صالح، عرف كيف يبعد المنافسين لفائدته ولصالح " الأخ المجاهد" بوتفليقة.
ففي عام 2015، جرى إبعاد رئيس المخابرات، محمد مدين، المعروف باسم " توفيق"، الذي كان يلق ب" رب الجزائر"، في عز قوته، غير أن عناصره كانت اقتربت قليلا من دائرة الرئيس خلال حملة محدودة في الزمن، أطلقت لمحاربة الفساد.
وكان قايد صالح وراء حمل العسكريين النشيطين والمتقاعدين على كظم مشاعرهم والتزام الصمت. وقد كان مصير الجنرال السابق حسين بنحديد، السجن تسعة أشهر في 2015 و2016، بعد ما تجرأ على مهاجمة قايد صالح.
ومنذ 2016، صدر قانون، بمثابة إذار للعسكريين المتقاعدين، حيث يفرض عليهم ذلك القانون الالتزام بواجب التحفظ.
يقول أكرم خرييف، إن قايد صالح اختار أن يرافق بوتفليقة إلى أن يسلم الروح، ثم يختار خلفه، غير أن الأحداث قلبت كل توقعاته. وها هو اليوم في الخط الأول، وبيده مفاتيح الانتقال. لم يتردد في التاسع عشر من مارس، في التعبير عن إعجابه بسلمية ووعي المحتجين. إنها رسالة تهدئة من جنرال في التاسعة والسعبين من العمر.
حذر، لكنه غامض حول نواياه دائما. صرح يوم الاثنين، بأن حسا عاليا بروح المسؤولية مطلوب من أجل الإتيان بالحل في الوقت المناسب، غير أنه لم يفه بصيغة ك معتادا على ترديدها، والتي تحيل في أحاديثه" توجيهات ودعم فخامة السيد رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني"، معلنا في ذات الوقت وضع نفسه في خدمة المجاهد بوتفليقة حتى الموت.
عن لوموند الفرنسية