تنسجم تصريحات ممثلي الكنيسة الكاثوليكية بالمغرب حول المهاجرين، مع انشغال مركزي لدى بابا الفاتيكان، الذي مافتىء يؤكد على ضرورة فتح الحدود أمامهم، في وقت تسعى دول متقدمة، إلى وقف الهجرة إليها. إلحاح الحبر الأعظم الأرجنتيني على الهجرة، هو الذي ينحدر من عائلة مهاجرة، يجر عليه انتقادات من يرون في المهاجرين خطرا من شأنه أن يغير المعطيات الديمغرافية في مجتمعات تزحف عليها الشيخوخة.
مهاجرون "ينعشون" الكنيسة بالمغرب
يرجح أن يكون موضوع المهاجرين على رأس المواضيع التي سيثيرها البابا فرانسوا، خلال مباحثاته مع الملك محمد السادس.
وسبق لرئيس أساقفة طنجة، المونسنيور سانتياغو أنجيلو مارتينيز، أن تحدث في الخامس من مارس الجاري، عن مسألة حقوق الأشخاص المهاجرين، حيث قال "انشغالي الكبير، هو احترام حقوق المهاجرين"، مضيفا "نفقد الأمل في بعض الأحيان، وأتمنى أن تأتي زيارة الباب ببعض التقدم في هذه القضية".
وتحدث أساقفة المغرب خلال اللقاء الصحفي الذي عقدوه يوم الخامس من مارس الجاري، عن الدعم الذي يقدم للمهاجرين بالمغرب، حيث اعتبروا أن الكنيسة تسعى إلى العناية بهم، على صعيد التطبيب والتمدرس والمأكل والمشرب، مؤكدين على أن المشكل يطرح في جميع بلدان العالم على مستوى الحقوق التي يفترض أن يتمتع بها المهاجرون.
وأشاروا إلى أن ظروف توقيف وترحيل المهاجرين غير مقبولة، متسائلين حول من يدافع عن حقوقهم، خاصة أنهم لا يتوفرون على الوسائل التي تتيح لهم ذلك.
ويقدر عدد المسيحيين بالمغرب بما بين 30 و35 ألفا، نصفهم من رعايا دول إفريقيا جنوب الصحراء، الذي حلوا بالمغرب من أجل العمل أو الدراسة أو يعتبرون المملكة أرض عبور إلى أوروبا.
وتنقل "فرانس برس" عن الأب دانيال المسؤول عن أبرشية الرباط منذ 13 سنة قوله إن المهاجرين من جنوب الصحراء "يعطون نفسا جديدا للكنيسية"، مضيفا "لم يسبق لي أن رأيت كنيسة شابة بمعدل سن بين 30 و35 عاما".
وتلاحظ الوكالة الفرنسية أن المهاجرين من جنوب الصحراء ساهموا في إنقاذ الكنائس الموجودة بالمغرب من الإهمال، والتي تراجع عددها منذ استقلال المملكة من 200 إلى 44 حاليا.
ورغم تأكيد المغرب على تبني مقاربة "إنسانية" في معالجته لقضية الهجرة، إلا أنه لا يسلم المغرب من انتقادات منظمات مدافعة عن المهاجرين، حيث تؤاخذ عليه اللجوء إلى اعتقال مهاجرين يسعون إل العبور إلى أوروبا.
الهجرة حاضرة في زيارة البابا
لن يكون موضوع المهاجرين غائبا عن أجندة البابا فرانسوا بالمغرب، ذلك من صميم المهمة التي انتدب نفسه لها في الأعوام الأخيرة. وسيلقي البابا الضوء على وضعية المهاجرين، عندما تستضيفه، كاريتاس، المنظمة المكلفة بالمهاجرين، حيث سيلتقي بهم، وبالأشخاص الذي يتكلفون بهم.
ويلاحظ السفير المغربي الأسبق بالفاتيكان، عبد الوهاب المعلمي، يلاحظ أن "اهتمام البابا بموضوع الهجرة، نابع أولا من كونه موضوعا إنسانيا، ثم لكون جزء من المهاجرين مسيحيين".
ويعتبر المعلمي، الذي كان أول سفير للمغرب بالفاتيكان بين 1997 و2001، أنه في مسألة المهاجرين لا يطرح مشكل بالنسبة للمغرب الذي "أصبح من المدافعين عن حقوق المهاجرين. وقد عقدت في مدينة، في شهر دجنبر الفائت، قمة دولية برعاية أممية تم فيها تبني "الميثاق العالمي لهجرة آمنة و منظمة و منتظمة".
ويرى في حوار مع " تيل كيل عربي" أن " المغرب يقوم بدوره في هذا الباب. لكنه قد يستعين بالبابا للضغط على البلدان الأوروبية لإيجاد حل لهذه المعضلة دون أن يكون ذلك على حساب بلدان الجنوب".
وكان البابا عبر عن نيته في الحلول في دجنبر الماضي بمراكش، بمناسبة اعتماد 150 بلدا لميثاق الأمم المتحدة العالمي حول الهجرة، وهو الميثاق الذي يراد من وراء تحقيق مبدأ " الهجرة الآمنة"
البابا فرانسوا في مواجهة دعاة الأسوار
وأذكىي تدفق المهاجرين واللاجئين على أوروبا في الأعوام الأخيرة، المخاوف في تلك القارة، حيث أفضى ذلك إلى السعي إلى تشديد تدابير المراقبة على الحدود، بل إن بلدان أوروبا شهدت صعود أحزاب معادية للأجانب والمهاجرين.
ويتصور البابا فرانسوا أن العداء الذي يبديه البعض تجاه المهاجرين يمليه خوف غير منطقي، مؤكدا على "نسيان مشكلة اللاجئين والمهاجرين اليوم"، فهي "المأساة الأكبر التي يشهدها العام في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية".
وفي خطاباته يؤكد على ضرورة مواصلة "الجهود من أجل استقبال واستضافة اللاجئين والمهاجرين، وتسهيل اندماجهم، مع الأخذ بعين الاعتبار الحقوق والالتزامات المبادلة للمستضيف نفسه وللضيف"، مشددا على أن المهاجرين لا يشكلون خطرا، بل إنهم في خطر.
ولم يكف البابا فرانسيس عن الدعوة إلى احتضان المهاجرين، فقد دأب على مواساتهم واحتضن لاجئين مسلمين في الفاتيكان، ويدعو إلى مد الجسور في مواجهة أولئك الذي يقيمون الأسوار في مواجهة المهاجرين.
وقبل عامين، طالب العالم الحبر الأعظم بأن يكون الأمن الشخصي للمهاجرين سابقا للأمن القوي، فهو يحدد دور الدول في استقبال المهاجرين وحمايتهم وإدماجهم. تلك قناعاته التي يعلن عنها، رغم الحرج الذي يحس به قادة دول بسببها.
ويرى منتقدو البابا أن يتجاهل الأوروبيين، الذين استقبلت أراضيهم الملايين من المهاجرين في الأعوام الأخيرة، مؤاخذين عليهم تأكيده على أنهم لا يشكلون خطرا على القارة العجوز.
وذهب البعض في انتقاده للبابا إلى درجة اعتباره خطابه، قريبا من أطروحات اليسار المتطرف والمدافعين عن المهاجرين السريين حول الهجرة.