كيف يمكن للسياسة الجبائية أن تساهم معالجة مشكلة التشغيل والفوارق بالمغرب؟ هذا هو السؤال الذي يراد أن تجيب عنه المناظرة الوطنية للجباية التي ينتظر تنظيمها بين الثالث والخامس من ماي المقبل بالصخيرات.
وينتظر أن يضع المغرب تصورا للإصلاح الجبائي، يترجم إلى قانون إطار، يضع المبادىء والتوجهات العامة المتعددة السنوات التي يمكن أن تترجم إلى تدابير سنوية عبر قانون المالية.
ويشدد وزير المالية السابق محمد برادة، رئيس اللجنة العلمية التي تتولى الإعداد للمناظرة الوطنية حول الجباية، إلى أن الإدارة الضريبة لا تشكل سوى إحدى الأدوات التي تساهم في النمو، مشددا على ضرورة التمييز بين النمو والتنمية، التي ينتظر أن يبلور نموذجا جديدا للتنمية، يوازيه نظام جبائي يعبر عنه.
وتعتبر تلك المناظرة الثالثة بعد تلك التي نظمها المغرب في الثمانينات من القرن الماضي، عندما كان يطبق توصيات صندوق النقد الدولي، حيث عمدت المملكة إلى تبني نظام جبائي حديث عماده الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة.
ويرى برادة، الذي كان وزيرا للمالية عند تطبيق برنامج التقويم الهيكلي، برعاية من صندوق النقد الدولي أن ذلك النظام غلبت عليه عند التطبيق النظرة القطاعية والفئوية، فغابت المقاربة الشمولية.
ويفترض برادة، خلال مشاركته في "صباحيات لوماتان" حول المناظرة الوطنية للجباية اليوم الجمعة، أن الضريبة ليست سوى أداة في السياسة الاقتصادية، حيث يجب أن تكون عنصرا ضمن الكل الذي يمثله النموذج التنموي، الذي يسترشد به البلد.
في البدء كانت اختلالات النموذج
ويؤكد برادة على أن النموذج الاقتصادي المغربي يعاني على ضعف الرأسمال البشري، وهو ما ينعكس على الإنتاجية، التي لا ترتفع سوى بـ0,1 في المائة في العام، مشيرا إلى عدم وجود تناغم بين الرأسمال والعمل في النموذج الحالي للتنمية.
ويذهب إلى أن النظام التعليمي يرسخ أمراض البطالة، فالحاصلون على شهادات من الشباب يعانون من البطالة بنسبة 26 في المائة، بينما الذين لم ينالوا شهادات لا تتعدى البطالة بينهم نسبة 4 في المائة، معتبرا أن مشاكل التعليم يجب أن تحل على مستوى التعليم الأولي، فالهدر المدرسي يرتفع كلما تأخر الطفل في الالتحاق بالمدرسة، خاصة قبل سن الخامسة.
ويعتبر أن الاقتصاد المغربي لم يتطور ولا تساعد القطاعات الاقتصادية على خلق الشغل، معتبرا أن الصناعة هي التي يفترض أن تساهم في توفير فرص العمل.
ويتصور أنه بما أن النمو الاقتصادي لا يخلق فرص العمل، فإن ذلك يفضي إلى توسيع دائرة الفوارق الاجتماعية، ما ينعكس سلبا على الانسجام الاجتماعي.
ويسجل أن النمو السيء ينعكس على الجباية بالمغرب. تلك خاصية أولى تأتي من كونه يرتهن للطب الداخلي، خاصة العمومي منه، والذي تؤشر عليه الاستثمارات العمومية التي تمثل 32 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
ويضيف أن النمو السىء يأتي من ارتهانه، كذلك، للتساقطات المطرية، على اعتبار أن الفلاحة تمثل 15 في المائة من الناتج الداخلي الخام، مقابل 85 في المائة للقطاعات غير الفلاحية.
ويلاحظ أن الخاصة الثانية للنمو تكمن في غياب البعد الإدماجي، بسبب انتفاء العلاقة بين السياسات العمومية، حيث يضرب مثلا بقطاع العقار، الذي منح المستثمرون فيه إعفاءات من الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الشركات من أجل إنجاز السكن الاجتماعي، غير أن ذلك لم تكن له تأثيرات على القطاعات الأخرى.
ويشير إلى أن الخاصة الثالثة للنمو في المغرب، تتجلى في كون ثماره موزعة بشكل سىء، حيث لا يساهم في خلق فرص العمل وتقليص التفاوتات الاجتماعية، وهو ما يؤشر على خلل على مستوى توزيع المنافع بين الرأسمال والعمل.
توسيع الوعاء ومحاربة الريع
ويؤكد برادة على أن مبادىء الإصلاح الجبائي يجب أن تتجه نحو منح الدعم للقطاعات والاستثمارات المنتجة التي تخلق فرص العمل، وتفادي تلك التي يمكن أن تساهم في توسيع دائرة الريع.
ويعتبر أنه يفترض أن يكون التوجه الذي يقوم عليه الإصلاح مركزا على توسيع وعاء الضريبة، بما يساعد على ترسيخ مبدأ العدالة الجبائية، مشدا على أن التوسيع سيفضي إلى خفض المعدلات الجبائية، وحمل الملزمين على المساهمة، ما يفضي إلى تعظيم موارد الدولة.
ويشدد على أن معالجة الاختلالات التي يعرفها النظام الجبائي يفترض ضمان حياد الضريبة على القيمة المضافة، التي تصبح في النظام الحالي تحملات تثقل كاهل الشركات، بينما يقوم مبدأ تلك الضريبة على أدائها من قبل المستهلك النهائي.
واستغرب لما تشير إليه بنية الضريبة على القيمة المضافة، التي تأتي مواردها من الضريبة على الواردات أكبر من الضريبة على القيمة المضافة المحلية، مايؤشر في تصوره على وجود مشكل على مستوى الإنتاجية، ما دامت تلك الضريبة تصيب القيمة المضافة.
وعند تناوله للضريبة على الشركات، يلاحظ تنامي الضغط على عدد قليل من الملزمين بها، حيث أن 0,8 في المائة من الشركات توفر 80 في المائة من إيرادات تلك الضريبة.
ويسجل أن المشكل الذي تطرحه هذه الضريبة يتجلى أكثر عندما تتم ملاحظة أن 385 شركة، تمثل 80 في المائة من رقم المعاملات المصرح به من قبل مجمل الشركات في المملكة.
وذهب إلى المساهمة الدنيا التي تفرض على الشركات التي تعلن عن خسارة والتي انتقلت من 0,5 في المائة إلى 0,75 في المائة في العام الحالي، كان ينتظر عند سنها أن تستغرق مدة خمسة أعوام فقط، معتبرا أنه يجب حذفها لأنها تضر بشركات تتكبد خسائر حقيقية بسبب ظرفية اقتصادية خاصة أو مرتبطة بالقطاع الذي تعمل فيه.
ولا تشذ الضريبة التي تصيب الدخل عما تمت ملاحظته على مستوى الضريبة على الشركات، حيث أن 60 في المائة من الإيرادات تأتي عبر الحجز عند المنبع، الذي يهم الموظفين والأجراء، وهو ما يؤشر على وجود رصيد كبير من الإيرادات لا تحيط بها الإدارة الضريبة بسبب الغش الممارس من قبل ملزمن من فئات أخرى مثل المهن الحرة.
وألح على ضرورة ضمان تطبيق الضريبة، فلايمكن للدولة أن تتراجع عن تطبيق قانون بعد سنه، هذا ما يجعل من التفكير في قابلية تطبيق الضريبة مسألة حاسمة، في تصوره.
تلك مهمة تقتضي دعم الموارد البشرية للإدارة الجبائية، في تصور برادة، الذي يعتقد بأن المواطنين لايتخوفون من الضريبة، بل من الإدارة الجبائية، ما يستدعي إضفاء طابع إنساني على هذه الإدارة.