تعمقت الأزمة السياسية الكبيرة التي تعيشها إسبانيا بسبب انفصال كاتالونيا، اليوم (الجمعة)، بسبب إعلان برلمان الإقليم استقلال المنطقة، ردا على شروع السلطات المركزية بمدريد، في تطبيق الفصل 155 من الدستور الذي يلغي الحكم الذاتي لبرشلونة ويقيل حكومتها المحلية، ما فتح الباب أمام بروز أسئلة عدة حول مستقبل عدة قطاعات، إذا قامت جمهورية كاتالونيا المستقلة، أبرزها كرة القدم، إذ يعتري مستقبلها غموض كبير في ظل التطورات السياسية الجارية.
إذا كان الفرنسي زين الدين زيدان، مدرب "ريال مدريد"، قد عبر عن تشاؤمه قبل أسابيع، بقوله إنه "لا يمكن تخيل الليغا الإسبانية بدون برشلونة"، فإن جمهور المستديرة الإسبانية عبر العالم يستبد به سؤال مؤرق حول كيف سيبدو المشهد الكروي الإسباني بدون نادي برشلونة؟ هل سيكون هناك "كلاسيكو"؟ وهل يمكن تخيل جيرارد بيكيه عميدا لفريق وطني أوربي جديد قادر على المنافسة في كأس الأبطال؟ ماذا عن البطولة الوطنية الكاطلانية؟ هل ستكون أفضل من "الليغا"؟
الاستقلال يعني الخروج من الدوري
فجر خافيير تيباس، رئيس رابطة الدوري الإسباني، قنبلة من العيار الثقيل في جريدة "إلبايس" الإسبانية، قبل أيام، عندما أكد أن استقلال كاطلونيا يعني أن أندية الإقليم، وأبرزها "إف سي برشلونة"، لن يبقى لها وجود في الدوري الوطني، فقال "الأندية الكاتالونية لن تستطيع اللعب في الليغا الإسبانية، إذا تحقق مطلب الاستقلال".
وحسم رئيس الرابطة موقفه، رغم أنه يدرك حجم الخسارة الكبيرة التي ستحلق بـ"الليغا" في غياب برشلونة، فهو الذي قال بعد حصوله على منصب رئاسة الرابطة في 2013 إنه من "على المستوى الاقتصادي، من المهم بالنسبة إلى الليغا أن يبقى ريال مدريد وبرشلونة دائما في المقدمة".
ولخافيير تيباس، مواقف سياسية، إذ سبق أن صرح لجريدة "إلموندو" في 2016 أن "هناك الكثير من المشاغبين في اليمين الإسباني، لكنه لطالما كان جبانا (...) ولكن إذا كان اليمين يعمل من أجل الوحدة الإسبانية، والأسرة، والدفاع عن الحياة والشعور الديني، فأنا إذن أنتمي إليه".
ويعد رئيس الرابطة الإسبانية لكرة القدم بذلك، من أشد المعارضين لاستقلال كاطلونيا، بحكم مرجعيته اليمينية، إذ لم يتردد في القول إن المشهد السياسي الإسباني ينقصه "لوبن" خاص به، في إشارة إلى منه إلى جون ماري لوبان، مؤسس حزب الجبهة الوطنية الفرنسية (يمين متطرف).
وأضاف رئيس الرابطة، تعليقا منه على مقاربة الحكومة المركزية الإسبانية لإجهاض استفتاء فاتح أكتوبر بكاطلونيا، "إذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من الأيادي لحجز صناديق الاقتراع في برشلونة، فأستطيع بكل سهولة، تعديل مذكرة مواعدي بتأجيل موعدين أو ثلاثة من أجل تلبية الطلب".
عواقب كثيرة
وفي الوقت الذي ينادي فيه رئيس الرابطة الإسبانية لكرة القدم بالوحدة الوطنية، يرتبط نادي برشلونة جوهريا وتاريخيا بالنزوات الإنفصالية، فلم يتردد في 20 شتنبر الماضي، في إصدار بلاغ رسمي، يدعم القادة السياسيين من منظمي التصويت على خلفية اعتقالهم من قبل الشرطة الوطنية الإسبانية.
وقال النادي: "على ضوء أحداث الأيام الأخيرة، فإن إف سي برشلونة، وفاء منه لارتباطه التاريخي بالدفاع عن الأمة، والديمقراطية، وحرية التعبير، وتقرير المصير، يدين كل فعل يرمي إلى التضييق على ممارسة الحقوق المذكورة".
تلك هي مواقف النادي والرابطة الإسبانية، أما الآثار المحتملة، فبدايتها ستكون من حقوق النقل التلفزي، إذ ستتهاوى قيمتها بالنسبة إلى "الليغا" برمتها، وبالنسبة إلى نادي برشلونة نفسه، علاوة على حظوظ ضعيفة بالتألق أوروبيا.
كيف ستبدو بطولة كاتالونيا؟
فريق "اف سي برشلونة" من بين أكبر أربع فرق في العالم، والأول في إقليم كاتالونيا ثم يليه فريق اسبانيول، الذي يحقق نتائج ايجابية، حيث سبق له أن بلغ نهائي الدوري الأروبي في 2007، و أقصي أمام برشلونة حامل لقب كأسي 2000 و2001، لكن الفريق الأزرق والأبيض لم يسبق له أن تحصل على أفضل من المركز الخامس منذ عشرين سنة.
ويعج إقليم كاتالونيا بفرق رياضية أخرى، لكنها أقل حضورا، مثل "اف سي خيرونا" و"جيمناستيك تاراكونا"، لكن يبقى السؤال المطروح، هل بإمكان هذه الفرق إحداث بطولة تنافسية في دوري محلي يجذب إليه انظار المتابعين والقنوات التلفزية؟
إعدام "الكلاسيكو"
تضع "الليغا" الإسبانية كل نهاية أسبوع، ملصقات مباريات جديرة بالمتابعة إلى جانب مباريات "البارصا" و"الريال"، من قبيل مباريات نوادي "فالنسيا" و"ديبورتيفو لاكورونيا" و"إشبيلية"، لكن المعضلة الأكبر هي أن ألقاب 12 بطولة إسبانية من أصل 13 الأخيرة لم تخرج عن دائرة برشلونة وريال مدريد ( 4 للريال و8 للبارصا، وبطولة يتيمة لنادي العاصمة الثاني أتلتيكو مدريد)، مما لا يدع أي مجال للشك أن الناديين يتربعان على عرش البطولة الإسبانية.
لكن أصعب محطة ستمر منها البطولة الإسبانية هي اختفاء "كلاسيكو الأرض" بين "البارصا" و"الريال"، الذي يحظى بنسب متابعة كبيرة في كل بقاع العالم، ويشكل هدفا لكبريات شركات التسويق والإشهار، إذ أن حقوق البث التلفزيوني التي كانت تدر أرباحا طائلة على الناديين ستسجل انخفاضا كبيرا في المواسم الثالثة القادمة، مع إمكانية خفض العقد الذي ينص على دفع 2.65 مليار أورو، تذهب حصة الأسد منها لخزائن الناديين الأكثر متابعة في إسبانيا.
وكحل مبدئي، إقترح الاتحاد البرتغالي في بدايات شتنبر على نوادي كاتالونيا، الاندماج في البطولة البرتغالية، لكن يبقى المشكل هو تفاوت المستويات المالية بين الأندية، مما يعقد تنزيل المقترح، إذ من المستحيل تخيل بطولة تجمع أندية كـ"بورتو" و"بنفيكا" بميزانيات عادية، وأخرى إسبانية باعتمادات مالية ضخمة.
هل سيموت المنتخب الإسباني؟
بعد اعتزال "تشافي" والقائد "بويول"، تبدو تشكيلة منتخب "لاروخا"، ناقصة من دون نجوم إقليم كاتالونيا، رغم وجود بعض من دعامات الفريق أمثال "جيرارد بيكيه" و"سيرجيو بوسكيتس" و"جوردي ألبا" و"إنيستا"، وبدرجة أقل الشاب "سيرجيو روبيرتو"، لكن إذا ما عاد مركز تكوين اللاعبين لنادي برشلونة "لاماسيا"، إلى تفريخ مواهب مثل سنوات التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، فقد يفقد "منتخب الماتادور" الكثير من ركائزه.
وعلى الطرف الآخر، توجد منذ الآن تشكيلة منتخب وطني كاطلوني، وينظم مرة أو مرتين في السنة مباريات ودية ضد منتخبي الرأس الأخضر وإقليم "الباسك"، وإذا تخيلنا "جيرارد بيكيه"، وهو من أكثر اللاعبين الكاطلونيين اهتماما بالسياسة، عميدا لمنتخب وطني كاطلوني، فمن المستبعد أن نراه يحصل على أفضل من الرتبة الثانية أو الثالثة لمجموعة مؤهلة لدوري دولي.
التأثير على البطولات الأوروبية؟
استحوذ ناديي "ريال مدريد" و"برشلونة" على سبع نسخ من دوري أبطال أوروبا في المواسم الاثني عشر الأخيرة، إذ فاز نادي "ريال مدريد" بثلاثة ألقاب، في حين كانت حصة "برشلونة" منها أربع بطولات. فمنذ عقد من الزمن حصلت طفرة نوعية في "الليغا" الإسبانية، ورسخت عرفا كرويا بضرورة تواجد قطبي إسبانيا ضمن الأندية الثلاثة أو الأربعة المرشحة للظفر بأعرق البطولات الأوروبية.
ومادام نادي "برشلونة" يشكل قاطرة أساسية لكرة القدم الإسبانية، من دونه ستفقد "الليغا" بدون شك مركزها الأول في ترتيب الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لكن ومع ذلك ستحافظ إسبانيا على مقاعدها الأربعة في دوري أبطال أوروبا.
بيد أن السؤال العميق الذي يُطرح هو أي مكانة لبطولة "كاتالونيا" المفترضة؟ خصوصا وأن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ليس مساندا لقضية الإقليم، بل يمنع حضور الرسائل السياسية في مسابقاته، فقد سبق للاتحاد الأوروبي لكرة القدم أن فرض عقوبات على نادي برشلونة عدة مرات نظرا لرفعه شعارات موالية لاستقلال "كاتالونيا" في "الكامب نو".
وعموما يتوقع أغلب المتتبعين أنه في حال استقلال إقليم كاتالونيا، فإن الدوري الكاتالوني لكرة القدم بإمكانه تحقيق إشعاع كبير في الموسم الكروي الأول، وقد يتمكن من المشاركة في البطولات الأوروبية بأربعة أو خمسة أندية مؤهلة بفضل ترتيب نادي برشلونة المتقدم في تصنيف الاتحاد الأوروبي لكرة القدم.
ولكن لو أسقطت القرعة، مثلا نادي "خيرونا" الكاتالوني في مواجهة العملاق البافاري، فإن الهوة ستتضح، ويبدأ الدوري الكاتالوني تدريجيا في فقدان مكانته الأوروبية لصالح دوريات أضعف كالنمساوي والبولندي، ويمكن حينها الحديث عن ضريبة للحرية.
بتصرف عن "ليبيراسيون" الفرنسية