مع تصاعد سحابة الدخان الأسود فوق السطوح الجريحة لنوتردام، فإن قلب باريس هو الذي انهار مساء الاثنين حيث أن الكاتدرائية التي استلهم منها فيكتور هوغو رائعته الادبية، إحدى أكبر الكاتدرائيات في الغرب، تعتبر أحد أبرز المعالم الأثرية في المدينة ومعروفة في العالم بأسره.
ويكشف التأثر الذي ظهر على الباريسيين ودموع البعض واحتشادهم على الجسور التي تصل بين ضفتي نهر السين، ما يكفي حول الأهمية في القلب الفرنسي وبما يتخطى المسيحية، لهذه الكاتدرائية الألفية التي تعد بين الاشهر في العالم والمدرجة في التراث العالمي للاونيسكو، ويزورها سنويا حوالى 14 مليون سائح ومؤمن.
والشعور بالخسارة كان كبيرا أمام ألسنة اللهب فيما كانت تلتهم المبنى القوطي ذا التماثيل الهائلة والذي بدأ بناؤه في القرون الوسطى، في نهاية القرن الثاني عشر، كما هو معروف في الوقت الراهن، وعلى امتداد قرنين حتى 1345.
وترتبط نوتردام الشامخة في سماء باريس، والمحفورة في قلب الباريسيين وذاكرتهم وعواطفهم، ارتباطا وثيقا بتاريخهم: الجرس الذي قرع في غشت 1944 إيذانا بالتحرر من نير النازية، والتي استقبلت بعد 26 عاما جنازة الجنرال شارل ديغول.
عام 1832 كتب جيرار دو نيرفال في قصيدة "نوتردام دو باري": "نوتردام قديمة للغاية: قد نراها/ تدفن برغم ذلك باريس التي شهدت ولادتها".
وقبل ذلك بعام، كرس لها فيكتور هوغو رواية تحمل الاسم نفسه. وتشكل الكاتدرائية شخصية كاملة بين كازيمودو، قارع الجرس الأحدب، وازميرالدا، الفاتنة الغجرية والكاهن فرولو. وفيما يتهدد المبنى مشروع هدم بسبب الحالة السيئة، تشكل الرواية صدى شبيها بدعوة من الكاتب الشاعر، الى ضمير الأمة، من أجل ترميمها.
وكتب الشاعر والروائي تيوفيل غوتييه "الرسام والشاعر/ يجددان هنا ألوانا لتحميل لوحاتهم/ولوحات متحمسة لتحرق عينيك".
ومع مرور الوقت، أراد الجميع المساهمة في بناء الكاتدرائية الضخمة: وبني القسم الأول في حوالى 1250 ، وهدم بعد خمسة قرون.
ولكن البرج المستدق الذي انهار مساء الاثنين يعود الى عمل اوجين فيولي-لو-دوك، المهندس المعماري من القرن التاسع عشر الذي كرس حياته لتجديد آثار القرون الوسطى، لكنه اختفى من ذاكرة الباريسيين تماما بعد الحريق.
بعد الأدب، استحوذت السينما بدورها على هذا "المعلم" الذي يستحق أكثر من أي معلم آخر، هذا المصطلح: ففي 1956، جعل منه المخرج الفرنسي جان ديلانوي عنوان فيلم روائي طويل مع أنطوني كوين، في دور كازيمودو المفتون بمزايا جينا لولوبريجيدا في دور ازميرالدا.
وأخيرا، وفي ما يؤشر الى الامتداد العالمي للكاتدرائية، حتى استديوهات والت ديزني وضعتها في قلب رسوماتها الكرتونية، "أحدب نوتردام" (1996)، أو المسرحية الغنائية التي تحمل الاسم نفسه وكتبها الكندي لوك بلاموندون، الظاهرة الحقيقية في العالم الناطق بالفرنسية في 1998.
وقال المؤرخ فابريس دي ألميدا على قناة فرانس 2 "إنها ذاكرة باريس، إنها سفينة من حجر اجتازت التاريخ".
وذكر ستيفان بيرن مؤرخ القرون الوسطى والمدافع القوي عن التراث، "إنها روح الأمة الفرنسية التي اختفت، انها حتى نبض قلب باريس وفرنسا المتأثران اليوم".