ظلت الأمور متأزمة بالمغرب منذ رحيل حكومة عبد الله إبراهيم إلى أن حلت سنة 1965 وما حملته في طياتها من مآسي للمغرب والمغاربة.
... وحلت سنة 1965، وكانت "واحد من أكثر السنوات مأساوية في تاريخ المغرب. حلت على البلاد بينما كان نظام عتيق وبال جدا يثبت أقدامه، وكانت كل النخب السياسية والاقتصادية تحت الهيمنة المباشرة أو غير المباشرة للقصر، وكان القطاع الاجتماعي فريسة للإهمال التام. باختصار، لم يكن النظام يخفي أنه يسعى إلى التحكم في كل شيء (...)
في ظل هذا المناخ، انفجرت فجأة – بعد إضرابات ومظاهرات طلابية يوم 22 مارس- مواجهات عنيفة سببها الرئيسي مذكرة لوزارة التربية الوطنية تنص على إقصاء عدد من التلاميذ بسبب سنهم المتقدمة، وتوجيههم نحو تعليم تقني لا وجود له بعد، فنزل القمع على البلاد برمتها.
وفي الوقت الذي انتقد فيه الحسن الثاني المدرسين ووصفهم بـ"المثقفين المزيفين"، انضم العاطلون والغاضبون إلى الطلبة والتلاميذ. فنزل الجيش لمواجهة المتظاهرين ووقفت الطبقة السياسية على عجزها البين(...)
سيكتب عبد الله إبراهيم، المنشغل كثيرا بقضية التعليم، فيما بعد في مقال نشره في صحيفة "الاتحاد الوطني" في 22 دجنبر 1972، أن فشل الشعوب ليس سببه الكسل، بل سببه سوء التدبير... سببه إرساء توجه عام يتناقض تماما مع مصلحة الجماهير... إن ضمان مقعد لكل طفل في المدرسة غير كاف لتجنيب أبناء المغاربة الشارع... والحق أن الشارع هو الذي ينتظر 'الأغلبية المطلقة' من الجيل الحالي... وهذه الحقيقة المخيفة هي التي رسمها أكثر من ألف من أبنائنا، ذكورا وإناثا، بدمائهم الساخنة إبان القمع الوحشي ... في 'مارس الأحمر' 1965... إن مشكل التعليم لا حل له... إنه مرتبط بالإشكالات الأساسية الأخرى المتعلقة بالتوجه السياسي العام.
بعد أن هدأت النفوس وانخفضت حدة الغضب، انخرط الحسن الثاني في مشاورات مع الأحزاب (وسيتوحل هذا الأمر إلى تقليد فيما بعد). واعترف في مذكرة بأسباب هذا السخط الشعبي، وقدم بعض المقترحات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي بالأساس. ولكن الأحزاب أعادت برمتها النقاش إلى الحلبة السياسية. فحزب الاستقلال يريد انتخابات جديدة، والاتحاد الوطني للقوات الشعبية يطالب بدستور جديد، وتعاقد عمومي مع الحكومة، و"وضع المؤسسات التي تعوزها المصداقية جانبا" كما يقول عبد الله إبراهيم..
وسيكتب فيما بعد أنه يجب إصلاح الجهاز الحكومي، وإحداث تغيير جذري وإقامة حكومة ديمقراطية على أسس شعبية سليمة، تتمتع بسلطات حقيقية، من خلال مؤسسات قوية ومبدأ الشفافية في الانتخابات، مع الحياد المطلق للإدارة وكل هيآت الدولة.
من جهته، حظي وفد من "الاتحاد المغربي للشغل" باستقبال في 21 أبريل، وتقدم بمذكرة في 27 من الشهر ذاته إلى رئيس الدولة ردا على دعوته إلى "وحدة وطنية" حول برنامج محدد(...) وتؤكد الوثيقة التي تحمل بصمات عبد الله إبراهيم على ضرورة إحداث تغييرات عميقة في التوجهات والبنيات، وعلى الحاجة إلى توجه نحو الدمقرطة الحقة. كما طالبت المذكرة من جديد بالإصلاح الزراعي وإرساء أسس التصنيع...