لا يشكل الجمود والموات الاقتصادي الذي يجثم على مدينة وجدة الاستثناء بالنسبة للوضع الثقافي والسينمائي تحديدا، فأول مدينة فتحت فيها دائرة الفنون الجميلة بالمغرب، سنة 1924، وكان بمقر سينما فوكس، تكاد لا تتوفر على قاعة واحدة.
فوكس" تراث في الخراب"
.البحث عن قاعة سينما في وجدة لن يقود إلى نتيجة، فوجدة مدينة بلا قاعات، وعلى من يزورها أن ينسى الفن السابع
لم يخف من حضروا في الدورة الثامنة من المهرجان المغاربي للفيلم بوجدة أسفهم على وضع دور السينما في عاصمة الشرق.
يقول المخرج المغربي سعد الشرايبي إن الوضع كارثي. في وجدة لم تعد هناك قاعة عرض واحدة، كلها أغلقت، وأنا حاليا أساند جمعية مدنية تصارع من أجل إنقاذ القاعة الوحيدة في مدينة بركان، هي سينما الأندلس".
قبل سنوات كانت تضم المدينة قرابة عشر قاعات سينمائية، هي "الفتح" في حي بودير و"المغرب" في الحي الغربي و"النصر"، التي كانت متخصصة في عرض الأفلام الهندية بالمدينة العتيقة، و"كوليزي" وسط المدينة و"ميراج" بطريق فاس و"باريس" بوسط المدينة، و"فوكس" التي نجحت وزارة الثقافة والاتصال في تصنيفها تراثا ثقافيا وطنيا، على اعتبارها من أوائل القاعات السينمائية بالمغرب، وأول دائرة للفنون الجميلة بالمغرب، وتعتبر "سينما" روايال" آخر قاعة توصد أبوابها في المدينة.
يتشبث بوشعيب، الرجل الطاعن في السن، بالعيش تحت منصة قاعة فوكس، وهو الذي اشتغل بها منذ ستينات القرن الماضي كتقني عرض الأفلام. فرغم الخراب الذي أصاب كراسي القاعة، يقول إنه يتوصل بأجر شهري من مالك القاعة لا يتعدى مائتي درهم في الشهر، وأن تصنيف وزارة الثقافة لها كإرث وطني، قد يمنع بيعها وهدمها، لكنه في الوقت ذاته لم يجد لها حلا لتنبعث من جديد.
ويوضح محمد كراي، وهو سينمائي متخصص في الصوت، أن سبب اندثار كل القاعات السينمائية في وجدة يعود لامتلاكها من طرف أسرة واحدة، وعندما توفي المالكون تصرف الورثة في العقار ونسوا إرث القاعات الفني والتاريخي. ويقول كراي إنه كان توصل إلى اتفاق مع مالك سينما من أجل كرائها وتحويلها إلى مسرح أدبي أو "كافيه تياتر"، لكن المالك غير رأيه في آخر لحظة، ويريد بيعها.
موت السينما.. موت الثقافة
بالنسبة لأحمد فقير، رئيس جمعية زرياب للطرب الغرناطي، فإن موت صالات السينما يعني موت الثقافة عموما، ويقول "في الماضي كانت قاعات السينما هي المحرك الأول للثقافة بالمدينة، إذ إلى جانب عرض الأفلام السينمائية، كانت تستقبل أحداثا فنية أخرى، كسهرات الطرب الغرناطي، وتنظيم الندوات ومناقشة الأفلام بعد العرض، كل هذا اختفى من المدينة".
يتحدث فقير بمرارة عن الوضع السينمائي والثقافي، ويرى أن الموات الذي تعيشه المدينة، يتجسد في اندثار قاعات السينما بالمدينة، ويقول "لقد تعرضت المدينة لعملية سطو تراثي كبير، ضاعت بسببه معالم تاريخية كثيرة، فمثلا فرقة الغرناطي في المدينة تشتغل أكثر مع جمعية رباط الفتح في الرباط، لتسجيل 14 نوبة غرناطية، كما نعمل في مناسبات كثيرة مع الجالية اليهودية المغربية، إما في الصويرة أو مدن أخرى، أما في وجدة، فالعطالة والجمود هو الطاغي على الفنانين والموسيقيين".
يقر فقير بأن افتتاح مسرح محمد السادس بالمدينة، شكل نقطة ضوء قوية في المشهد الثقافي والفني، ولولاه لانقرضت الثقافة بمرة في المدينة، ويلقي باللائمة في ما وصلت إليه عاصمة الشرق من شلل وفقدان لتوهجها الثقافي والفني، إلى جشع السياسيين والمنتخبين، الذين فضلوا هدم المعالم وإغلاق قاعات سينما تاريخية وتمرير صفقات لتشييد عمارات أو تبليط الساحات، ويقول "سور متحف للا مريم في عمره قرون، هدم وعوض بسياجات حديدية، والأمر ذاته بالنسبة لسينما "باريس" وغيرها".
مدينة بلا قاعات.. هل تحتاج للمهرجان؟
في مدينة احتضرت فيها القاعات السينمائية، يطرح السؤال حول الجدوى من تنظيم مهرجان سينمائي. يجيب خالد السلي، مدير المهرجان المغاربي للفيلم بوجدة، بأن الوضع المأساوي للقاعات يقوي الحاجة إلى تنظيم مهرجان مماثل، لأنها الفرصة التي ينتظرها الجميع في المدينة لمشاهدة أفلام سينمائية، سواء من المغرب أو من المنطقة المغاربية.
يرى سلي أن المهرجان وعمل جمعية "سيني ماغ" يتجلى في إعادة حقن الوجديين بفيروس السينما، من خلال فتح 14 ناديا سينمائيا في الثانويات بالمدينة، يقول "إن المهرجان يعمد، كل سنة، إلى تنظيم ورشات في السيناريو والإخراج والقراءة السينمائية، الهدف منه وضع الشباب المهتم على السكة الصحيحة، وإعطاؤهم الفرصة لملاقاة المهنيين، وربما دفعهم إلى إتمام دراساتهم العليا في مهن سينمائية".
يرى سلي أن الرهان على الشأن الثقافي كمحرك للتنمية، خاصة في الوضع الاقتصادي الحالي للمدينة، يبقى حلا مهما وبارزا، خاصة إذا جرى الاستثمار في العنصر البشري.
ويوضح سلي بأن هناك مستثمرين خواص يبحثون مع السلطات في المدينة افتتاح سينما معاصرة، كما أن المجلس الجماعي للمدينة، جهز قاعة سينمائية تضم مائتي مقعد، في منتزه "بارك"، والذي هو في الأصل أول محطة قطار في المغرب، والتي كانت تربط المغرب بالجزائر عبر السكة الحديدية.
صور: فهد مرون