أبدى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني ووزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة عبد الأحد الفاسي الفهري سعادتهما بارتفاع مبيعات الإسمنت في الأشهر الأولى من العام الجاري. فأداء مبيعات الإسمنت يؤشر بالمغرب على مدى الركود أو الانتعاش الذي يعرفه قطاع البناء والأشغال العمومية، خاصة في ظل الاعتقاد السائد بأن الأداء الجيد للبناء ينعكس على الاقتصاد ككل.
وقد سجلت مديرية الدراسات الدراسات والتوقعات الاقتصادية، في نشرتها الأخيرة حول الظرفية الاقتصادية، ارتفاع مبيعات الإسمنت في متم أبريل الماضي بـ5,9 في المائة، مقابل انخفاض بـ5,5 في متم أبريل من العام الماضي و5,3 في المائة في العام الذي قبله.
ويتصور محللون أن انتعاش المبيعات التي زادت بنسبة 1,89 في المائة في متم ماي على مدى عام كامل، كي تقترب من 6 ملايين طن، يمكن أن تنعكس إيجابا على مختلف الفاعلين في القطاع، علما أن البناء، وخاصة السكن، يمثل ما بين 75 و80 في المائة من استهلاك الإسمنت.
ولا حظ وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، في تصريح له، على هامش معرض "سماب إيمو" بباريس، يوم الجمعة الماضية، أن "قطاع العقار في المغرب حقق خلال الفترة ما بين 2011 و2012، قفزة مهمة تلاها تراجع طفيف ولكن حاليا ومنذ خمسة أشهر يشهد القطاع منحا تصاعديا وهو الوقت المناسب للاستثمار في قطاع العقار بالمغرب".
وأكد في تصريح نقلته عنه وكالة المغرب العربي للأنباء، على أن "مبيعات الأسمنت سجلت زيادة مهمة كما ارتفع إنتاج الوحدات الصناعية وكذا القروض وبالتالي فإن كل العناصر قد اجتمعت من جديد" للدفع بهذا القطا.
غير أن الاقتصادي إدريس الفينا يؤكد على أن "الارتفاع المسجل في مبيعات الإسمنت طفيف في الخمسة أشهر الأولى من العام الجاري"، معتبرا أن ذلك الارتفاع لا يؤشر على استعادة القطاع لعافيته، خاصة أن المقارنة تتم مع ما سجل في الفترة نفسها من العام الماضي والتي تميزت بضعف المبيعات.
ويشدد على أن الأمر لا يتعلق بدفعة جديدة لقطاع الإسمنت لأن تلك المبيعات تحققت في فترة شهدت تراجع التساقطات المطرية، ما أعطى فرصة لاستمرار الأشغال على مستوى مشاريع البناء والأشغال العمومية.
وينبه إلى أن المستثمرين في البناء والأشغال العمومية لم يعمدوا إلى إرجاء عمليات البناء إلى حين انحباس الأمطار في شهر ماي بسبب انحباس الغيث، مشيرا إلى أن الخمسة أشهر الأولى من العام الماضي عرف تساقطات مطرية مهمة أفضت إلى انخفاض استهلاك الإسمنت بسبب توقف أو تعثر الأشغال في مواقع البناء والأشغال العمومية.
ويشدد على أن المقارنة بين الخمسة أشهر الأولى من العام الجاري والخمسة أشهر من العام الماضي، هي مقارنة بين فترتين غير متشابهتين من حيث الظروف المناخية، مؤكدا على أن القول بارتفاع المبيعات، وبالتالي انتعاش قطاع العقارات، لا يدعمه مستوى القروض الموزعة.
وتفيد بيانات البنك المركزي أن القروض العقارية ارتفعت في أبريل بـ3,8 في المائة، غير أنه يتجلى أن قروض السكن زادت بنسبة 5,3 في المائة، بينما انخفضت قروض الإنعاش العقاري بـ1,1 في المائة.
ويرى الفينا أنه إذا ما أريد الوقوف على حقيقة المبيعات يتوجب العودة لعامي 2011 و2013، حين سجلت مبيعات الإسمنت ارتفاعا ملحوظا، قبل أن تتراجع في الأعوام الأخيرة، معتبرا أن مبيعات الإسمنت مازالت في مستويات جد منخفضة.
ويؤكد على أن مبيعات الإسمنت بالمغرب واصلت الانخفاض منذ الربيع العربي، ففي 2011، تجاوزت المبيعات 16 مليون طن، قبل أن تنحدر إلى حوالي 13,3 مليون طن في العام الماضي.
ويلاحظ أن الانخفاض المتراكم منذ 2011 وصل 18 في المائة، "ما يعني أننا فقدنا حوالي ثلاثة ملايين طن خلال هذه الفترة، الشيء الذي يترجم بخسارة على مستوى الاستثمار في قطاع البناء والأشغال العمومية بـ510 مليار درهم وما يقابله من مناصب شغل. وهذا رقم كبير جدا يسائل الجميع للتأمل فيه".
ويشدد على أن "فقدان ثلاثة ملايين طن من الإسمنت على مستوى استهلاك الإسمنت منذ 2011، يعني عدم إنجاز استثمارات في حدود 510 ملايير درهم في قطاع البناء والأشغال العمومية، ما يستدعي دق ناقوس الخطر حول وضعية هذا القطاع، الذي يمر بمرحلة صعبة. وهذا التراجع مس خصوصا قطاع بناء المساكن، الذي يتوزع بين نشاط بناء المساكن الجديدة، ونشاط صيانة المساكن المأهولة، الذي يستهلك أكثر مما يستوعبه بناء المساكن الجديدة بالمغرب".
ويعتبر أن انخفاض المبيعات أفضى إلى ظهور قدرات إنتاجية نائمة لدى المصنعين، يمكن استعمالها عندما يعود الطلب، موضحا أن شركات صناعة الإسمنت، اعتمدت منذ 2008، على وتيرة ارتفاع الطلب، في اتخاذ قرار توسيع قدرات الإنتاج.
وتتوقع المحللة فاطمة شرفي، في تصريح لها لـ"ليزيكو ، ارتفاع الطلب على الإسمنت في العام الحالي بـ1 في المائة والعام المقبل بـ2 في المائة، غير أن ذلك يبقى غير كاف من أجل تصريف فائض الإنتاج الذي يصل إلى 6 ملايين طن.
ويتصور الفينا أن الإنعاش العقاري الذي يستوعب جزءا مهما من الإسمنت، يوجد الفاعلون فيه في حالة من الانتظارية، حيث لا يتوفرون على رؤية واضحة حول ما يجب أن يكون عليه ذلك القطاع، معتبرا أن الحكومة لم يتتخذ أي إجراء لإخراج القطاع من الأزمة التي تخترقه منذ حكومة عبد الإله بنكيران.