استقال رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري، المرفوض من النواب ومن المحتجين في الشارع الثلاثاء، في سياق أزمة مؤسسية تلوح في الأفق، حيث لم يتم انتخاب خليفة لعبد العزيز بوتفليقة ضمن المهلة التي شارفت على الانتهاء.
وتم انتخاب معاذ بوشارب، في نهاية أكتوبر رئيسا للغرفة الأولى في البرلمان (مجلس الأمة هو الغرفة الثانية) بعد أسابيع من الصراع داخل كتلة حزب جبهة التحرير الوطني بزعامة بوتفليقة.
كما تم الانتخاب رغم رفض الرئيس السابق للمجلس السعيد بوحجة، وهو نفسه ينتمي إلى حزب جبهة التحرير، وترك منصبه، استنادا إلى الدستور الذي لا ينص على أي إجراء لإقالته قبل نهاية ولايته النيابية أي خمس سنوات (2017-2022).
ثم فرضه بوتفليقة بعد شهر من ذلك على رأس "قيادة جديدة" لحزب جبهة التحرير بعد إزاحة الأمين العام جمال ولد عباس. وكان ذلك ضمن خطة تحضير ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة للانتخابات التي كانت مقررة في 18 أبريل.
ثم اندلعت موجة الاحتجاجات غير المسبوقة في 22 فبراير دفعت بوتفليقة في مرحلة أولى إلى التخلي عن الترشح ثم الاستقالة في 2 أبريل ونهاية 20 عاما من الحكم.
وأدت الظروف الجديدة إلى ظهور الخلافات داخل الحزب الحاكم المهيمن على الحياة السياسية منذ استقلال البلاد عن الاحتلال الفرنسي في 1962.
وبعد استقالة بوتفليقة لم يعد لبوشارب أي وزن في الحزب، حيث تم انتخاب النائب ورجل الأعمال محمد جميعي أمينا عاما للحزب. هذا الأخير جعل أول مهمة له التخلص من رئيس مجلس النواب بدعم من كتلة الحزب وأحزاب أخرى.
والأحد، طالب سبعة رؤساء كتل برلمانية وخمسة نواب لرئيس المجلس وستة رؤساء لجان دائمة بـ"استقالة بوشارب فورا" بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية. وفي اليوم التالي منع نواب انعقاد جلسة عادية "وتجميد أشغال المجلس" حتى استقالة رئيسه.
وهي نفس الطريقة التي وصل بها بوشارب إلى رئاسة الغرفة الأولى للبرلمان وبها أزيح الرئيس السابق السعيد بوحجة.
وكان بوشارب مع الرئيس بالوكالة عبد القادر بن صالح ورئيس الوزراء نور الدين بدوي والرئيس السابق للمجلس الدستوري الطيب بلعيز من الشخصيات الأربع التي طالب المحتجون برحيلها بعد استقالة بوتفليقة.
فهو بين أكبر الداعمين لبقاء بوتفليقة في الحكم ووقف ضد الاحتجاجات، حيث رد على مطالب التغيير بقوله "يمكنكم أن تحلموا وأتمنى لكم أحلاما سعيدة".
وصرح عبد الحميد سي عفيف رئيس لجنة الشؤون الخارجية في المجلس لفرانس برس أن "معاذ بوشارب استقال صباحا من منصبه كرئيس للمجلس الشعبي الوطني".
وأضاف أن "تقريرا بشغور المنصب" سيرفع خلال جلسة موسعة للمصادقة عليه "خلال مهلة 15 يوما".
وتضيف هذه الاستقالة مزيدا من الغموض على وضع مؤسسات الدولة في الجزائر خاصة مع نهاية الفترة الانتقالية (90 يوما) لرئيس الدولة بالوكالة في التاسع من يوليوز.
وأمام استحالة تنظيم الانتخابات في الرابع من يوليوز كما أعلن عنها الرئيس الانتقالي بن صالح، سيبقى هذا الأخير في منصبه بعد انتهاء الفترة حتى تسليم السلطة للرئيس المنتخب.
وترفض الحركة الاحتجاجية تنظيم الانتخابات بإشراف رموز "النظام" الموروث من حكم بوتفليقة وتطالب برحيلهم وإنشاء مؤسسات انتقالية تكون مهمتها القيام بإصلاحات وتغيير الدستور قبل إجراء انتخابات رئاسية.
ويبدو أن الوضع يبقى على حاله. "لقد دخلنا في مواجهة متوترة لا أحد يريد التنازل فيها" كما قالت كريمة ديرش مديرة أبحاث بالمركز الفرنسي للأبحاث العلمية.
لكن السلطة مصرة على المضي قدما في تنظيم الانتخابات كما أعلن بيان لرئاسة الجمهورية مساء الثلاثاء إثر لقاء بين الرئيس الانتقالي ورئيس الوزراء، جرى خلاله "تقييم شامل للأوضاع السياسية تحسبا لإعادة إطلاق المسار الانتخابي".
وأضاف البيان الذي نشرته وكالة الانباء الرسمية أنه تم خلال اللقاء "استعراض مجمل التدابير التي ستوضع قريبا لأجل إطلاق الحوار الشامل الذي سيتناول كل الانشغالات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية المقبلة".
وأوضح البيان أن الرئيس بن صالح سيعلن "في الساعات القليلة اللاحقة مقاربة سياسية جديدة من شأنها أن تمكن من تنظيم الاقتراع الرئاسي القادم في جو من التوافق و السكينة".
وسيكون يوم الجمعة القادم يوم احتجاج يحمل رمزية خاصة إذ يصادف الذكرى الـ57 للاستقلال (5 يوليوز 1962).
والثلاثاء، تظاهر الطلاب كما اعتادوا للأسبوع التاسع عشر على التوالي ضد النظام، مطالبين بالإفراج عن المحتجين الذين تم اعتقالهم مؤخرا.
كما طالب الطلاب أيضا بإطلاق سراح لخضر بورقعة (86 عاما)، أحد أبطال حرب الاستقلال الموقوف أيضا بعدما و جهت إليه الأحد تهمتا "إهانة هيئة نظامية وإضعاف الروح المعنوية للجيش"، بعد تصريحات انتقد فيها رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح الرجل القوي في الدولة منذ استقالة بوتفليقة.
إلى ذلك، مثل الثلاثاء 10 اشخاص آخرين أمام محكمة سيدي امحمد بوسط العاصمة حيث أمرت النيابة العامة بحبس أربعة منهم ووضع 6 تحت نظام الرقابة القضائية بتهم "المساس بوحدة الوطن وبيع وتوزيع المنشورات" بحسب التلفزيون الحكومي.