يعتبر موضوع إفلاس المقاولات من الإشكالات التي تحظى باهتمام المختصين والفاعلين والمتابعين للشأن الاقتصادي بالمغرب، إلا أن المعلومات التي يتم ترويجها بهذا الصدد لا تكون دائما على درجة كافية من الدقة التي تسمح بتحليل الوضع بشكل منهجي/علمي، ومن ثم الخروج بخلاصات واستنتاجات واقعية. ومن ذلك ما تم نشره مؤخرا في أحد المقالات التي تطرقت لهذا الموضوع، فكان من الضروري توضيح مجموعة من المعطيات التي تستحق التدقيق، أوردها كما يلي :
أولا، تظهر الأرقام المتداولة ارتفاع عدد المقاولات المفلسة بالمغرب بما يناهز 8088 مقاولة في 2018 بزيادة نسبتها 8,6 في المائة مقارنة بسنة 2016.
قبل مناقشة هذا المعطى، ينبغي التأكيد على ضرورة الاستعانة بالمعطيات الصادرة عن المؤسسات المختصة تفاديا لأي لبس أو مغالطة، فقد سجلت الأرقام المتعلقة بمعدل إفلاس المقاولات - حسب السجل التجاري المركزي - 5587 مقاولة في 2018، و5690 في 2017، و5196 في 2016، وذلك خلافا للأرقام المتداولة الصادر أغلبها عن مؤسسة أنفو ريسك التي تحتسب الشركات التي دخلت مرحلة التقويم أيضا على اعتبار أن جلها سيعلن إفلاسه بعد هذه المرحلة. كما ينبغي التأكيد على أن هذه الأرقام تخص حصرا المقاولات ذات الشخصية المعنوية والتي تمثل 50 في المائة فقط من مجموع المقاولات المحدثة سنويا، إذ يجب احتساب المقاولات ذات الشخصية الفردية، التي تعرف نسبة إفلاس مرتفعة مقارنة بالمقاولات (المعنوية) - وهذا أمر طبيعي - نظرا لحجمها وطريقة اشتغالها.
ومن أجل رسم صورة متكاملة، تساعد على تحليل الوضع بشكل منهجي، لا ينبغي التوقف عند هذه الأرقام بدون استحضار سياق الدينامية المقاولاتية الذي عرفت تحولا مهما بالمغرب، حيث شهد معدل إنشاء المقاولات خلال السنتين الأخيرتين ارتفاعا ملحوظا، بلغ 16,5% في 2018 مقارنة بسنة 2017، وبذلك يكون اقتصادنا الوطني قد خلق حوالي 5 مقاولات لكل مقاولة مفلسة، مما سيمكنه - حسب توقعات المؤسسة الدولية للتأمين أويلر هيرميس لسنة 2019 - من الالتحاق بمجموعة دول تركيا وفرنسا وبلغاريا وغيرها بعد أن كان ضمن أسوإ مجموعة مع الصين.
ثانيا، كشفت إحدى الدراسات التي أنجزت مؤخرا من طرف المركز الجهوي للاستثمار بجهة الدار البيضاء – سطات عن رقم مخيف، يرصد إفلاس نصف المقاولات (64 ألف مقاولة) التي شملتها الدراسة في الفترة الممتدة ما بين 2003 و2015.
للتذكير، فإن هذه الدراسة تهدف إلى تسليط الضوء على وضعية المقاولات التي تم إحداثها في الفترة الممتدة ما الفترة بين 2003 و2015 والمشاكل والإكراهات التي تعيق تطورها، وليس الغرض منها رصد ظاهرة إفلاس المقاولات من الناحية الكمية، لأن هذه الأخيرة لن تكون ذات معنى دون ربطها بالمعطيات المتعلقة بدينامية إحداث المقاولات بعين الاعتبار، إذ لا يمكن اعتبار نسبة 49 في المائة من المقاولات التى أعلنت إفلاسها ما بين 2003 و2015 رقما مقلقا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم هذه المقاولات من جهة، حيث تكون في أغلبها جد صغيرة ولا تؤثر على الاقتصاد الوطني من الناحية الماكرو-اقتصادية، بالإضافة إلى وزنها من جهة أخرى بالنسبة إلى عدد المقاولات المحدثة في نفس الفترة، حيث يبلغ عددها في السنوات الأخيرة بهذه الجهة حوالي 8 مقاولة مقابل كل مقاولة مفلسة. بالإضافة إلى أمر آخر مهم يتم إغفاله في هذا الباب، وهو خلفيات بعض حالات الإفلاس، حيث تلجأ بعض الشركات إلى إعلان إفلاسها حتى يتمكن أصحابها من خلق شركات أخرى، للاستفادة من جديد من الإعفاءات الضريبية نظرا للامتيازات الضريبية التي تستفيد منها الشركات الحديثة النشأة (5 سنوات من الإعفاء الضريبي).
من خلال ما سبق، يتبين - في تقديري - أن النهوض بواقع المقاولات بالمغرب يتطلب العمل أولا على إحداث مؤسسة أو هيئة مختصة تعنى بمراقبة الدينامية المقاولاتية بالمغرب وتتبعها، منذ نشأة المقاولة إلى وفاتها، نظرا للنقص الكبير في المعطيات والإحصائيات المتوفرة والمتعلقة بهذا المجال. كما يكمن التحدي الثاني - إضافة إلى الجهود المبذولة في تحسين مناخ الأعمال - في ابتكار حلول تمكن من مقاربة هذه الإشكالية بشكل هيكلي، ونذكر منها على سبيل المثال: ﺗﻨﻤﻴﺔ وتطوير الثقافة المقاولاتية لدى الشباب من خلال وضع سياسات استراتيجية بعيدة المدى، ومحاربة ثقافة الريع المعيقة لتنافسية المقاولات.
عادل خالص
مستشار متخصص في القضايا الاقتصادية