ألغت مهرجانات بيبلوس الدولية اليوم الثلاثاء حفلة لفرقة "مشروع ليلى"، "منعا لإراقة الدماء" بعد جدل عنيف وصل إلى حد التهديد بالقتل، في خطوة أثارت التساؤلات إزاء تقلص هامش الحريات في بلد طالما تغنى بأنه منبر لحرية التعبير في المنطقة.
وردا على القرار والتطورات الأخيرة، نددت الفرقة في بيان اليوم الثلاثاء بما وصفته بـ"حملة مبرمجة وصلت إلى حد التهديد المباشر وإهدار الدم"، معربة في الوقت ذاته عن "أسفها" تجاه أي شخص "استشعر مسا بمعتقداته".
واتهمت الفرقة اللبنانية التي يجاهر قائدها حامد سنو بمثليته الجنسية، في الأيام الأخيرة بالإساءة إلى الديانة المسيحية، وسط مطالبات بإلغاء حفلتها.
وأعلنت مهرجانات بيبلوس التي تقام في مدينة جبيل (شمال بيروت) في بيان "في خطوة غير مسبوقة، ونتيجة التطورات المتتالية، أجبرت اللجنة على إيقاف حفلة مشروع ليلى (...)، منعا لإراقة الدماء وحفاظا على الأمن والاستقرار، خلافا لممارسات البعض".
وأضاف البيان "نأسف لما حصل، ونعتذر من الجمهور".
وكانت إدارة المهرجان أعلنت الأسبوع الماضي أنها توصلت إلى اتفاق مع السلطات الكنسية لإبقاء الحفل في موعده شرط أن تعتذر الفرقة ممن قد تكون "أساءت إلى مشاعرهم الدينية". إلا أن الفرقة لم تصدر أي اعتذار، ما فاقم الانتقادات التي وصلت حد التهديد بالقتل.
وفي بيانها الثلاثاء، أبدت أسفها "حقيقة وبصدق تجاه أي شخص استشعر مسا بمعتقداته في أي من أغانينا".
وأضافت "نؤكد له هذه الأغاني لا تمس بأي من المقدسات والمعتقدات، وأن المس بمشاعره إنما حصل بالدرجة الأولى نتيجة حملات تلفيقية وتشهيرية واتهامات باطلة، كنا نحن أول ضحاياها ومن غير العدل تحميلنا مسؤوليتها".
ووصفت الفرقة الظروف التي مرت بها مؤخرا وانتهت بإلغاء الحفل بأنها "قاسية وضاغطة جدا، وقد شعرنا فيها بهشاشة الوضع في لبنان".
وواجهت الفرقة حملة انتقادات استهدفت أولا قائدها حامد سنو نتيجة صورة تضمنها مقال نشره على صفحته على "فيسبوك"، تظهر أيقونة تم فيها استبدال وجه السيدة العذراء بوجه المغنية الأميركية مادونا. إلا أن الفرقة قالت في بيانها إن الصورة نشرت في العام 2015 وتم حذفها في العام 2016.
وتعرضت الفرقة وإدارة مهرجان بيبلوس لحملة عنيفة على مواقع التواصل الاجتماعي ودعوات طالبت بإلغاء الحفلة ولا سيما من قبل الكنيسة المارونية.
في المقابل تظاهر الأحد عشرات الأشخاص في وسط بيروت دعما للفرقة وحرية التعبير.
واعتبر رجال دين أن أغنيتين للفرقة هما "أصنام" و"جن" تسيئان لمشاعر المسيحيين.
وطالبت اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام التابعة للكنيسة الكاثوليكية في لبنان الاثنين المسؤولين والأجهزة المختصة باتخاذ "الإجراءات اللازمة لمنع أي فرصة تعطى لأي كان بالمس بالأديان ووقف هذه الحفلة".
وعمد جهاز أمن الدولة إلى التحقيق مع بعض أفراد الفرقة قبل إخلاء سبيلهم.
وتعليقا على قرار إلغاء الحفل الذي كان من المتوقع أن يستقطب أربعة آلاف شخص، أوضح المدير الفني لمهرجانات بيبلوس ناجي باز لفرانس برس أن "الوضع أصبح هستيريا بوجود تهديدات مباشرة لأمن الجمهور والفنانين وسلامتهم".
وقال إن "القرار فرض نفسه لأننا في اللجنة المنظمة أشخاص مسؤولون (...) حاولنا قدر المستطاع التوصل إلى حل"، واصفا القرار بـ"المريع".
ورغم تمتع لبنان إجمالا بهامش كبير من حرية التعبير بالمقارنة مع دول عربية أخرى، تكررت في السنوات الأخيرة عمليات استجواب وتوقيف ناشطين على خلفية تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي أو مواقف وصفت بأنها مسيئة للمرجعيات السياسية أو الدينية.
وتتمتع المرجعيات الدينية بنفوذ كبير على الساحة السياسية في لبنان، حيث توجد 18 طائفة، ويعود للمحاكم الدينية التابعة لها تنظيم الأحوال الشخصية في غياب أي قانون مدني.
وقالت الباحثة المتخصصة في الشأن اللبناني في منظمة العفو الدولية سحر مندور لفرانس برس إن لجنة مهرجان بيبلوس "خضعت لإرادة فئة من المجتمع هددت باستخدام العنف لإلغاء حفل ثقافي فني ونجحت".
وأضافت "هذه سابقة فيها خطر على حرية التعبير للمستقبل" إذ أنها المرة الأولى التي يتم فيها الغاء حفل "على مستوى مهرجانات دولية وعلى مستوى مدينة جبيل" حسب قولها.
وكان المهرجان استضاف الفرقة ذاتها في العام 2016.
ورأت في القرار "مؤشرا خطيرا الى قدرة الجماعات على فرض إرادتها على الدولة وعلى المساحة العامة".
ودعت مندور السلطات اللبنانية إلى استعادة دورها وفتح تحقيق بالتهديدات التي طالت الفرقة و"محاسبة" المسؤولين عنها.
واعتبرت آية مجذوب الباحثة في المنظمة في لبنان لفرانس برس الثلاثاء أنه "من المؤسف فعلا أن ترضخ إدارة مهرجان بيبلوس الدولية للضغوط (...) إنها خطوة إلى الوراء بالنسبة للبنان الذي لطالما فاخر بكونه حاضنا للتنوع ومركزا للموسيقى والفن والثقافة".
وتتألف فرقة الروك اللبنانية من أربعة أعضاء انطلقوا في عملهم الفني العام 2008 من الجامعة الأميركية في بيروت.
وتلقى أغنياتهم غير التقليدية التي تتناول مواضيع اجتماعية وقضايا الحريات رواجا في بعض الأوساط الشبابية.
وكانت فرقة "مشروع ليلى" أثارت جدلا في مصر في العام 2017 على خلفية إقامتها حفلة في القاهرة رفع خلالها عدد من الجمهور رايات المثليين.
وقد أوقفت السلطات المصرية عددا من الأشخاص في إطار هذه القضية. كما ألغت السلطات الأردنية في 2016 و2017 حفلتين للفرقة.