تواصل اليوم الخميس البحث عن أحد المفقودين، بينما جرت مراسيم دفن الضحيايا السبعة، بعد الفيضانات التي عرفها أحد الوديان التي تغذي وادي سوس بتارودانت، في الوقت الذي تطرح تساؤلات حول دواعي إقامة ملعب في مجرى واد في منطقة يعلم ساكنتها ومسؤولوها أن الوادي لا ينسى مجراه، فالحكايات في تارودانت تتحدث عن الخراب الذي يخلفه وادي سوس والواد الواعر، عندما "يريدان" التذكير بأن المجرى ملك لهما.
استنفار وبحث عن مفقود
السلطات المحلية لتارودانت كشفت أن 7 أشخاص لقوا مصرهم جراء الفيضان، من بينهم شاب في السابعة عشرة من العمر و6 مسنين كانوا يتابعون المباراة التي كانت تجري أطوارها بتراب جماعة إيمي نتيارت بدائرة إغرم.
وأفاد بلاغ السلطات المحلية، مساء أمس الخميس، أنه تم فتح تحقيق تحت إشراف النيابة العامة حول ظروف وملابسات الفاجعة ولتحديد المسؤوليات.
غير أن البحث مازال جاريا في الوادي وضفتيه حول أحد المفقودين، حيث يؤكد نجيب عثمان، رئيس المجلس البلدي لـ"إغرم"، أنه حل بمكان الحادث إلى غاية الرابعة من صباح يومه الخميس، وأن عملية التمشيط جارية منذ أمس من أجل قطع الشك باليقين حول احتمال جرف السيول لجثت ضحايا.
ويضيف، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، أنه تم استنفار حوالي 100 من عناصر القوات المساعدة ورجال الدرك والوقاية المدنية، من أجل القيام بعملية التمشيط على مسافة سبعين كيلومترا، انطلاقا من تيزرت إلى غاية أرغن.
ذلك من أكدته عمالة تارودانت في بلاغ لها، اليوم الخميس، حيث أضافت أنه تم تسخير مروحية وطائرة من نوع "Defender" وفرقة التأنيس التابعة للدرك الملكي، لمواصلة البحث عن شخص مفقود.
ملعب بـ30 مليون سنتيم
بعد الحديث عن الضحايا ومشاعر الصدمة، التي استبدت بمن علموا بوفاة سبعة أشخاص كانوا يحضرون مباراة لكرة القدم، جراء فيضانات نجمت عن أمطار غزيرة أمس بقرية تيزرت، يطفو على السطح التساؤل حول معايير وظروف بناء الملعب الذي كان يحتضن تلك المباراة.
فقد تدوولت بقوة عبر وسائط التواصل الاجتماعي صور تدشين الملعب في التاسع عشر من غشت الجاري، في مجرى الواد بقرية تيزرت التي تبعد بحوالي ستين كيلومترا عن مدينة تارودانت، كي يطرحوا التساؤل: من سمح ببناء ذلك الملعب هناك؟
عندما نشر النائب البرلماني محمد أوريش عن إقليم تارودانت، الحصيلة الأولية للفاجعة بالأرقام، عبر حسابه على "فيسبوك"، أمس الخميس، تساءل أحد متابعيه: "هل كنتم على اطلاع ببناء ملعب القرب في وسط الوادي؟ من قام بالدراسة لبناء هذا القبر الجماعي؟".
لم يجب النائب البرلماني، فقد اكتفى بالدعاء بالرحمة للضحايا، غير أن الجواب سيأتي من المدير الإقليمي لوزارة الشباب والرياضة بتارودانت، توفيق عبد الناصر، الذي حرص على توضيح أن "الملعب ليس من ملاعب القرب المبرمجة بالإقليم".
يوضح عبد الناصر، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، أن تاريخ الملعب بدوار تيزرت، يعود إلى ثلاثين عاما، حيث هيأه أبناء المنطقة، وخضع للتأهيل في 2015، برعاية من جمعية تيزرت.
وأشار إلى عملية التأهيل، اقتضت اكتتابا من قبل أبناء المنطقة، حيث تم جمع 30 مليون سنتيم من أجل ذلك.
وأكد على أن الملعب غير تابع لشبكة ملاعب وزارة الشباب والرياضة، وغير تابع للجماعة المحلية، رغم وجوده في ترابها، مشددا على أنه "لاتوجد أية جهة رسمية تتبنى ذلك الملعب، بما فيها الجماعة المحلية، باستثناء جمعية تيزرت للتنمية والتعاون التي سهرت عليه".
ويشدد على أن جماعة إيمي نتيارت التي وقعت بترابها الفاجعة، موعودة بملعب للقرب، في إطار برنامج لتوفير 55 ملعبا بإقليم تارودانت، مؤكدا على أن الوزارة أنجزت الدراسات الخاصة بها ورصدت التمويل الواجب، حيث لم يبق سوى توقيع الاتفاقيات الخاصة بتلك الملاعب.
وأشار إلى أن الدوري الذي نظم بالملعب كان يفترض أن تعطى رخصة خاص به للمنظمين، الذين يرجح أن يكونوا قد نسقوا في ما بينهم ونظموا تلك التظاهرة.
التدشين الذين تم تداول صور حوله، بعد الفاجعة، لا يتعلق بملعب جديد، حسب نجيب عثمان، الذي يؤكد ما جاء على لسان المدير الإقليمي للشباب والرياضة، بل يتعلق بغرفتين لتبديل الملابس جديدتين. لكن من رخص بذلك؟ لكن هل حضر التدشين مسؤولون رسميون بالمنطقة؟ يجيب نجيب عثمان بنفي حدوث ذلك، مشددا على أن التدشين أملاه توافد أبناء القرية عليها بمناسبة عيد الأضحى، ما شكل فرصة لتنظيم دوري وتدشينه من قبل ساكنتها.
وهذا لا ينفي، حسب مصدر من المنطقة، أن السلطات كانت على علم بتدشين الملعب في حلته الجديدة في الوادي، حيث يظهر عناصر من القوات العمومية في صورة التدشين (أسفله).
عندما سألت "تيلكيل عربي"، مجيد تيزرت، عضو جمعية تيزرت للتنمية والتعاون، التي تولت تهيئة الملعب، حول حكايته، أكد أن أبناء القرية شرعوا في اللعب في تلك الرقعة منذ أكثر من ثلاثة عقود.
ويضيف مجيد الذي كان شاهدا على ماحدث أمس أنه، في عيد الأضحى في العام الماضي، اتفق أبناء القرية على تأهيل الملعب وبناء مكان لتغيير الملابس وتوفير رشاشات للاستحمام، حيث ساهم من ساهم وانطلقت الأشغال قبل أربعة أشهر، قبل أن يدشن في غشت الجاري بحضور مسؤولين محليين وممثلين عن فيدرالية الجمعيات في المنطقة.
الوادي غيور على مجراه
نور الدين صادق، الباحث في تاريخ تارودانت، يتستغرب، في تصريح لـ"تيل كيل عربي"، بناء الملعب في مجرى الوادي، مؤكدا على أنه بحكم سوابق تاريخية مرتبطة بالفيضانات، التي عرفها واد الواعر وواد سوس، ترسخت مقولة مفادها أن الواد لا ينسى مجراه.
لم يغب ذلك عن فطنة بعض من وقفوا على عملية تهيئة الملعب من أجل تدشينه مرافقه الجديدة في التاسع عشر من غشت الماضي، حيث تساءل أحد رواد التواصل الاجتماعي على صفحته على الفيسبوك:"واش هاد الناس اللي بناو هاد الملعب فالواد ربما واش فكرو مليح خدمو عقلهم ولا".
كان ذلك في الخامس عشر من يوليوز الماضي، عندما نشر ذلك الشخص تدوينته، حيث تحدث عن العواصف الرعدية التي تنشط في الصيف، حيث تأتي، كما يقول، على الأخضر واليابس، وتهدد المنازل والمشاريع التي تبنى بجانب الوادي.
غير أن مجيد تيزرت، عضو جمعية تيزرت للتنمية والتعاون، يؤكد ألا أحد فكر في احتمال حدوث ما شهدوه أمس الأربعاء، فهم اعتادوا على ممارسة شغفهم بالكرة هناك، وظنوا أن الوادي لن يخذلهم في يوم من الأيام، فقد سعوا، بالكثير من الحماس والفرح، إلى تنظيم دوري بمشاركة ثمانية فرق من المنطقة، قبل أن تباغثهم السيول وتحول فرحهم إلى حزن سيبقى يسكن القرية وأهلها.. والمغاربة إلى الأبد.