هل يمكن للمغرب التخلي عن الفحم، أو على الأقل تقليص تدخله في إنتاج الكهرباء، بعدما تجلى أن المملكة تتبوأ المرتبة الخامسة والعشرين ضمن البلدان الملوثة عبر انبعاثات ثاني أوكسيد الكبريت الذي يلحق أضرارا كبيرة بالصحة؟
مرتبة متقدمة عبر الفحم
فقد جاءت تقرير صادر عن منظمة "Greenpeace" الدولية في الفترة الأخيرة، بالاعتماد على معطيات وفرتها وكالة الفضاء الأمريكية، أن محطتي الكهرباء بالجرف الأصفر والمحمدية، من الأكثر إنتاجا لثاني أوكسيد الكبريت.
وقامت المنظمة، التي تدافع عن البيئة، بتصنيف المغرب في المرتبة 25 عالميا بإنتاج 216 كيلو طن من ثاني أوكسيد الكبريت في كل عام.
وبدا من التقرير أن محطة الجرف الأصفر تنتج 113 كيلو طن في العام من ثاني أوكسيد الكبريت، بينما تنفث محطة المحمدية 73 كيلو طن وآسفي 30 كيلو طن.
ويذهب مصدر من المكتب الوطني للكهرباء والماء إلى أن النقاش حول الفحم وما ينفثه من ملوثات مطروح على الصعيد العالمي، فألمانيا تعتمد عليه بنسبة 40 في المائة، مشيرا إلى أن ما ينبعث من ثاني أوكسيد الكبريت بالمغرب في عالم، يساوي ما ينبعث بالصين في 12 ساعة.
عندما يفسد أكسيد الكبريت الهواء..والصحة
وينبعث ثاني أوكسيد الكبريت من احتراق الفحم الحجري، وهو من أهم عناصر تلويث الهواء، ويعتبر من الغازات المزعجة ويمتد تأثيره مسافات طويلة عن مصدره تصل إلى 40 كلم.
ويتكون ثاني أكسيد الكبريت عبر عمليات احتراق الفحم أو البترول، حيث أن عنصر الكبريت الكامن فيهما بنسبة تتراوح بين 0,5 و4 في المائة، يتحد مع الأكسجين مكونا ثاني أوكسيد الكبريب.
وعندما يلتبس ثاني أوكسيد الكبريب بأوكسجين الهواء، ينتج ثالث أوكسيد الكبريث، الذي يفضي ذوبانه في بخار الماء الموجود في الهواد، ويفرز حامضا قويا ويتخذ شكل رذاذ، يؤدي بعد تساقط الأمطار إلى تلوث التربة في الأراضي الصالحة للزراعة ومياه الأنهار والبحيرات العذبة.
وترشح من ثاني أوكسيد الكبريت رائحة نفاذة مزعجة، ويعتبر أعلى كثافة من الهواء الجوي، وهو لا يحترق ولا يساعد على الاحتراق، حسب بعض التقارير.
وتشير تقارير إلى أن استشاق هواء ملوث بغاز ثاني أكسيد الكبير، يتسبب في الإصابة بالعديد من الأمراض التنفسية مثل السعار والربو والالتهاب الشعبي وضيف التنفس.
ويعتبر غاز ثاني أوكسيد الكبريت، أحد أكثر ملوثات الهواء في العالم، حيث يتسبب، حسب "Greenpeace" في وفاة 7,4 ملايين شخص في العام.
سعر إنتاج الكهرباء يحمي الفحم
هذه الحقائق تدفع المدافعين عن البيئة بالمغرب إلى الدعوة إلى الكف عن استعمال الفحم من أجل إنتاج الكهرباء، حيث أن ذلك يساهم في الإضرار بالصحة العامة، خاصة في المناطق المعنية، علما أن محطة مثل المحمدية، توجد في منطقة آهلة، ما يدفعهم إلى تغيير النموذج الطاقي، عبر الانخراط أكثر في الطاقات المتجددة.
غير أن خبراء يتصورون أن المغرب مازال بعيدا عن تقليص استعمال الفحم في إنتاج الكهرباء، ويذهب الخبير في مجال الطاقة، المهدي الداودي، إلى أن الفحم يتدخل بنسبة 70 في المائة في توفير الكهرباء بالمغرب عبر محطات مثل تلك المتواجدة بالجرف والمحمدية وآسفي.
ويتصور مصدر من المكتب الوطني للكهرباء والماء أن استعمال مصدر آخر غير الفحم، سيفضي إلى رفع كلفة إنتاج الكهرباء، وبالتالي سعر استهلاكه من قبل الصناعيين والأسر، وهو ما يؤكده المهدي الداودي الذي يعتبر أن سعر الطاقة المتجددة مرتفع بنسبة 50 في المائة حاليا مقارنة بالفحم، معتبرا أن التعويل على الطاقات المتجددة بنسبة كبيرة لن يكون في مسقبل قريب.
ويؤكد مصدر من المكتبأنه في المرحلة الحالية للتنمية، يصعب التخلي عن الفحم عند استحضار كلفة إنتاج واستهلاك الكهرباء، مشيرا إلى أن محطتي إنتاج الكهرباء بآسفي وجرادة لإنتاج الكهرباء أضحتا تتوفران على تكنولوجيا حديثة تساعد على التخفيف من انبعاث العناصر الملوثة.
رهان مؤجل على الطاقات المتجددة
ومافتىء استهلاك الكهرباء يرتفع بوتيرة سنوية تصل إلى 5,5 في المائة، تحت تأثير الولوج للكهرباء، وتطوير المشاريع المهيكلة وتحسن مستوى معيشة الساكنة، وارتفاع الطلب يطرح التساؤل بالنسبة للخبراء حول احتمال الانفتاح أكثر على الطاقات المتجددة.
ويتصور الخبير مصطفى جامع، الذي كانت يتحدث مؤخرا في ندوة عقدتها جمعية " طاقات" حول الحق في الطاقة، أنه يمكن تشجيع استعمال الطاقات المتجددة في إنتاج الطاقة الكهربائية، سيرا على النهج الذي سارت عليه بلدان مثل النمسا وألمانيا، مؤكدا على أهمية توضيح المزايا والفوائد التي يمكن جنيها من استعمال تلك الطاقات، خاصة في ظل فتح الباب أمام المواطنين لجني أرباح من وراء مشاريع الطاقة المتجددة.
غير أن الخبير عدنان بلحسن يرى أن المراهنة على مساهمة الطاقة الريحية في مزيج استهلاك الكهرباء مازال بعيدا، بالنظر لارتفاع تكلفة الإنتاج، خاصة في ما يتصل بتكنولوجيا نقل وتخزين تلك الطاقة، ما سيؤثر على السعر النهائي الذي يشتري به المستهلك.
ويتجلى أن المغرب مازال لم ينخرط بقوة في إنتاج الكهرباء عبر الطاقات المتجددة، غير أن سلوك ذلك السبيل، يدفع الخبراء إلى طرح تساؤلات حول كلفتها والسعر الذي سيؤديه المستهلكون، ما يفتح المجال أمام استمرار الاعتماد على الفحم، الذي يستورده المغرب من بلدان مثل جنوب إفريقيا.