لماذا تراجعت وتيرة نمو ودائع المغاربة في البنوك؟

المصطفى أزوكاح

يؤشر تراجع وتيرة نمو الودائع لدى البنوك بالمغرب، على صعوبات ستجدها تلك المؤسسات في تمويل الاقتصاد وتوفير القروض للأسر، غير أن تفسير ذلك يختلف بين من يرجح أن يكون الأمر عائدا إلى ضعف النمو الذي ينعكس على إيرادات الأسر، ما يؤثر على مدخراتها، و بين قائل بأن يكون مرد ذلك إلى خروج " الكاش" من المصارف، وبين متحدث عن اهتزاز في الثقة بفعل الخوف مما يمكن أن يمنحه حجم ودائع الشخص من مؤشرات يمكن أن تنعكس على التزامات الضريبية.

قراءة الجواهري

وقد أثيرت مسألة تباطؤ وتيرة الودائع لدى البنوك بمناسبة الندوة الصحفية التي عقدها والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، إثر اجتماع مجلس البنك، خاصة بعد قرار مجلس البنك المركزي عدم خفض سعر الفائدة الرئيسي، غير أنه ارتأى خفض معدل الاحتياطي الإجباري ما سيساعد على ضخ سيولة دائمة تفوق بقليل 11 مليار درهم في البنوك.

واعتبر المجلس أن سعر الفائدة الرئيسي، المحدد في 2,25 في المائة، لا يزال ملائما وقرر إبقاءه دون تغيير،غير أن المجلس ارتأى، بالنظر لاستمرار المستوى المرتفع لحاجيات السيولة البنكية، تقليص نسبة الاحتياطي الإلزامي من 4 في المائة إلى 2 في المائة، ما سيمكن، حسب بلاغ للبنك، من ضخ سيولة دائمة تقوق بقليل 11 مليار درهم.

غير أن الجواهري عبر عن انشغاله بمسألة تباطؤ وتيرة نمو الودائع لدى البنوك، في مقابل إقبال كبير على "الكاش"، مؤكدا على أنه أثار الموضوع مع المجموعة المهنية للبنوك بالمغرب.

وسجل أن وتيرة نمو الودائع البنكية انتقلت من 6 في المائة سنويا إلى 3,5 في المائة، بينما ما فتئت مساحة "الكاش"، الذي يخرج من البنوك، تتسع، حيث ارتفع من 10 ملايير إلى 17 مليارا حاليا.

وأكد على أن تراجع وتيرة نمو الودائع هم المقيمين بالمغرب والمغاربة المقيمين بالخارج، مؤكدا على أنه طلب من المجموعة المهنية لبنوك المغرب تتبع ذلك في ما يتعلق بالمغاربة المقيمين بالخارج.

وذهب إلى أن انخفاض الودائع في البنوك بالمغرب يمكن أن يجد تفسيره في التشريعات والمراقبة ذات الصلة بغسيل الأموال ومحاربة الإرهاب، خاصة في بلدان الاستقبال التي أضحت أكثر تشددا في الإجراءات ذات الصلة بمصدر الأموال ووجهتها.

غير أن الوالي عبر عن مراهنته على  الاستراتيجية الوطنية للإدماج المالي، والتي تروم، في جزء منها، تقليص تداول "الكاش"، معتبرا في الوقت نفسه أن تقدما يحدث على مستوى الأداء الإلكتروني.

نمو اقتصادي وادخار

ويتصور  الاقتصادي  محمد العبودي، من المركز المغربي للظرفية، أن تباطؤ وتيرة نمو الودائع له، هو نتيجة موضوعية لتواضع النمو الاقتصادي، الذي ينتظر أن يصل في العام الحالي إلى 2,6 في المائة، مقابل 3 في المائة في العام الماضي، مشيرا إلى أن هذا الوضع ينعكس على ادخار الأسر، كما الادخار الوطني الذي انتقل من 30 في المائة إلى حوالي 27 في المائة.

وأشار  في تصريح ل" تيكليل عربي"، إلى أنه في ظل متوسط دخل في حدود 3000 درهم، تجد الأسر صعوبات كبيرة في الادخار، وهو ما يتجلى من البحوث حول ثقة الأسر التي تنجزها المندوبية السامية للتخطيط.

هذا الرأي يشاطره مديح وديع، من جمعية المستهلكين المتحدين، الذي يرى في تصريح لـ" تيلكيل عربي"، أن مسألة تباطؤ وتيرة نمو الودائع لدى المصارف له علاقة بقدرة الأسر على الادخار، مشيرا إلى أن الطبقة الوسطى التي تحرص على تكوين ادخار تنوعت منافذ إنفاقها مع حرصها، في ظل تراجع جود الخدمات العمومية، على بذل جهد كبير من أجل ليس فقط تأمين المأكل والسكن، بل توجه إيراداتها أكثر نحو تأمين تمدرس الأبناء وتوفير وسائل النقل الخاصة.

وقد كشف البحث حول مؤشر ثقة الأسر الذي عممت المندوبية السامية للتخطيط نتائجه في منتصف يوليوز الماضي، عن نتائج تؤكد على الصعوبات التي تجدها الأسر في الادخار في الظرفية الحالية

فقد صرحت 62,4 في المائة من الأسر  أن مداخيلها تغطي مصاريفها، فيما استنزفت 34,2 في المائة من مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض.  ولا يتجاوز معدل الأسر التي تمكنت من ادخار جزء من مداخيلها 3,4 في المائة  .

وعبرت 83,3 في المائة من الأسر، خلال الفصل الثاني من العام الحالي، عن عدم قدرتها على الادخار خلال 12 شهرا المقبلة، مقابل 16,7 في المائة، ترى أن ذلك متاح لها.

ومن  جانبه، يتصور، محمد العربي، عضو الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، إلى أن دخل الأسر لا يفسر لوحده تراجع وتيرة نمو الودائع البنكية، فهو يتصور أن هناك سيولة نقدية يسعى أصحابها، حتى في القطاع غير المهيكل، إلى عدم ظهورها في المسارات الرسمية خوفا مما يمكن أن يترتب عن ذلك من التزامات جبائية.

ويتساءل في تصريح لـ" تيلكيل عربي"، حول عدم مساهمة المصارف التشاركية في جذب الادخار، رغم ما راج حول وجود فئات خارج النظام البنكي التقليدي تتطلع إلى التعامل مع البنوك التي تخضع معاملاتها لقواعد الشريعة، علما أن التمويلات التي وفرتها تلك البنوك تضاعفت بثلاث مرات، مقارنة بالودائع التي تلقتها والتي وصلت إلى حدود يونيو الماضي إلى 1,7 مليار درهم.

هامش مناورة

تلك تفسيرات مختلفة لخلفيات تراجع وتيرة الودائع البنكية، ما دفع إلى طرح السؤال حول أسباب عدم خفض معدل الفائدة الرئيسي والاكتفاء بخفض معدل الاحتياطي الأجباري.

يذهب الجواهري إلى أن البنك المركزي يقوم ببحوث حول الطلب على القروض، مشيرا إلى أنه يجرى التعرف على مستوى العرض والطلب، غير أنه أكد على أنه عندما جرى خفض معدل الفائدة الرئيسي في 2016 إلى 2,25 في المائة، لم ترتفع القروض.

وشدد على أنه عندما يجري خفض معدل الفائدة الرئيسي، تعمد البنوك إلى خفض معدلات الفائدة المطبقة على الودائع، بينما تتريث قبل عكس ذلك الخفض على معدلات الفائدة المدينة، وهذا يضر بالمدخرين.

وعبر عن الاستعداد لـ"توفير كل السيولة اللازمة التي تحتاجها البنوك من أجل تمويل الاقتصاد"، مشيرا إلى أنه حال ارتفاع الطلب على القروض بنسبة 10 في المائة مثلا، دون أن يواكبه نمو الودائع، فإن البنك المركزي سيضع السيولة اللازمة رهن إشارة البنوك، مشددا على أن البنك المركزي المغربي يتوفر على العديد من وسائل التدخل.

ويتصور محمد العبودي، أن الانخراط في مسار استرداد الديون المتعثرة، عبر إسنادها لشركات متخصصة في التحصيل، يمكن أن يضخ سيولة جديدة في البنوك، على اعتبار أن الديون المتعثرة تمثل حوالي 7 في المائة من القروض البنكية أي حوالي 70 مليار درهم.