استنفر حديث الملك محمد السادس عن انتظاراته من البنوك من يهمهم أمر ذلك القطاع بالمغرب، حيث طرحت فكرة إحداث آلية لضمان القروض، بينما ينتظر أن تقبل البنوك بتقليص هوامشها التي تساهم في تغذية أرباحها.
لم ينتظر من يهمهم الأمر طويلا من أجل الانكباب على بحث سبل تحفيز البنوك على المساهمة في تمويل الاقتصاد، بعدما حث الملك محمد السادس الحكومة وبنك المغرب والتجمع المهني للبنوك بالمغرب على تسهيل عمليات التمويل البنكي للمقاولات الصغرى والمتوسطة، ودعم الخريجين الشباب، لتسهيل إدماجهم المهني والاجتماعي، معتبرا أن القطاع البنكي يعطي انطباعا سيئا، وكأنه يبحث فقط عن الربح.
آلية ضمان مرتقبة
وأوصى الملك، في خطاب افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية، يوم الجمعة الماضي، الحكومة والمهنيين وبنك المغرب، بالانكباب على ثلاث نقاط؛ تتمثل في تمكين أكبر عدد من الشباب المقاول حاملي المشاريع المنتمين لمختلف الفئات الاجتماعية، ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة خاصة المصدرة نحو إفريقيا، وتسهيل ولوج المواطنين إلى الخدمات البنكية خاصة العاملين في القطاع غير المهيكل.
الملك اعتبر أن جهود الدولة لا تكفي وحدها وأن على القطاع البنكي تحمل مسؤولياته.
واستحضرت الاجتماعات التي عقدت بين والي بنك المغرب ووزير الاقتصاد والمالية من جهة، وبين هذا الأخير ورئيس المجموعة المهنية للبنوك بالمغرب، بين يومي الاثنين والثلاثاء، توصيات الخطاب الملكي، خاصة في ما يتصل بالفئات المستهدفة، حيث أفضت المشاورات إلى تصور آلية أو صندوق للضمان، يتيح، في ظل ضرورة التقيد بالقواعد الاحترازية للمصارف، تمويل زبناء تقدر الأبناك أن التعاطي مع انتظاراتهم ينطوي على مخاطر.
عندما تثار مسألة التمويل في علاقة بالقطاع البنكي، تؤكد الحكومة على الضمانات التي توفرها عبر صندوق الضمان المركزي، حيث شددت على التوجه الذي انخرطت فيه في العام الحالي من أجل تسهيل قراءة المنتجات المتاحة للمقاولات الصغرى والمتوسطة، ورفع سقف التمويلات.
وتشير وزارة الاقتصاد والمالية إلى أنه تم تقليص المنتجات المقترحة من 12 منتوجا إلى اثنين؛ منتوج يتيح ضمان الاستثمار وآخر يخول ضمان دورة الاستغلال، حيث يؤكد وزير الاقتصاد والمالية محمد بنشعبون أن هذين المنتوجين شرعا في إعطاء نتائج، وذلك أن عدد الشركات التي استفادت من ضمان صندوق الضمان المركزي ارتفعت بنسبة 180 في المائة في يوليوز الماضي.
ويؤكد وزير الاقتصاد والمالية أن الهدف كان يتمثل في الانتقال من 11 ألفا إلى 22 ألف شركة، غير أنه يشدد على أنه سيتم بلوغ 35 ألف شركة في العام الحالي.
غير أن عدد الشركات التي يجري ضمان ديونها غير كاف بالنظر لحجم الانتظارات. هذا يدفع محمد العربي، عضو الجامعة الوطنية لحقوق المستهلك، إلى الدعوة إلى توضيح مهام صندوق الضمان المركزي.
هوامش الأبناك
ينتظر أن يواكب توفير آلية للضمان، بذل مجهود من قبل الأبناك، عبر تقليص هوامش الوساطة، حسب ما نقلته Médias 24.
ويأتي الحديث عن هوامش الوساطة البنكية، في ظل إثارة مسألة أرباح الأبناك، التي يسود انطباع سيئ حولها، كما لاحظ ذلك الملك في خطابه أمام البرلمان، فقد وصلت تلك الأرباح إلى 14 مليار درهم، مسجلة زيادة بنسبة 4,4 في المائة، من بينها 11 مليار درهم تأتت من أنشطتها في المغرب.
ويعتبر مصطفى ملكو، الذي عمل في القطاع البنكي في مجال تدبير المخاطر على مدى ثلاثة عقود، أنه يفترض في الأبناك التخفيف من تعظيم أرباحها وعائدات المساهمين، أيا كانت الظرفية الاقتصادية في المغرب، فهو يلاحظ أن كل درهم يودع لدى الأبناك يدر عليها 4,5 درهم؛ أي عوائد تصل إلى 3,5 درهم، متسائلا حول السر وراء تحقيق أرباح كبيرة، رغم ضعف النمو الاقتصادي الذي لم يتعد 3 في المائة في العام الماضي.
ويتساءل الاقتصادي محمد بنموسى، بدوره، حول الطريقة التي تنجح فيها الأبناك في زيادة ناتجها الخام البنكي وصيانة أرباحها، رغم ضعف استهلاك الأسر، وتزايد إفلاس المقاولات، وتدهور عجز الميزان التجاري وارتفاع المديونية العمومية والوضعية المالية للشركات العمومية.
ويرد ذلك إلى تحكم ثلاثة أبناك في ثلثي السوق، وتحصين هوامش الوساطة البنكية، حيث وصلت إلى مستويات مرتفعة بالنظر لقدرات السداد لدى الشركات والأفراد، وعدم كفاية التشريع حول فوترة العمولات البنكية التي تمثل في العام الماضي 7,3 ملايير درهم؛ أي ما يمثل 15 في المائة من الناتج الخام البنكي، حيث أن التعريفات المطبقة لا تؤمن ضمانات الشفافية لفائدة الزبناء، خاصة المقاولات الصغيرة والمتوسط والصغيرة جدا، والمستوى المبالغ فيه للوساطة البنكية لتمويل الاقتصاد، ما يمنح سلطة مبالغ فيها للبنكيين ويهمش الفاعلين الآخرين للسوق المالي.
غير أن مصدرا بنكيا يرى أن مسألة توزيع القروض للمقاولات في المغرب تبقى محكومة بالقواعد الاحترازية التي يفترض في البنوك التقيد بها، خاصة إذا ما أرادت تفادي توسيع مساحة القروض التي تجد صعوبة في استردادها، معتبرا أنه يجب استحضار أن المشاريع، التي تعرض على البنوك من أجل توفير التمويلات، قد لا تكون كلها متضمنة للشروط الميسرة، ما يستدعي في تصورها الانكباب على وضع بنية كفيلة بأن تواكب أصحاب المشاريع وتجعلها قابلة للتمويل.
ويشير إلى هذه المسألة تطرح في تراجع ودائع الشركات بحوالي 17 مليار درهم إلى غاية غشت الماضي، مؤكدا أن قدرة البنك على التمويل لا ترتهن فقط للأموال الذاتية، بل تتعلق بحجم الودائع التي تتلقاها. فهل يساهم التدبير المتوقع في مشروع قانون المالية، والقاضي بإعفاء الأشخاص الذين يودعون "الكاش" غير المصرح به لدى البنوك من أي آثار جبائية، في دعم الودائع لدى المؤسسات البنكية؟
هل يتخذ البنك المركزي القرار؟
هل يمكن أن يتخذ البنك المركزي قرارا يخفض معدل الفائدة الرئيسي؟ يتصور مصطفى ملكو، الخبير في القطاع البنكي، أنه يفترض في البنك المركزي، اتخاذ ذلك القرار بما ينعكس على معدلات الفائدة على القروض التي توزعها البنوك، مشيرا إلى أن مطلب خفض معدل الفائدة الرئيسي يبرره معدل التضخم المنخفض، والذي ينتظر أن يستقر في العام الحالي في حدود 0,4 في المائة، قبل أن يرتفع في العام المقبل إلى 1,2 في المائة.
ويرى أن خفض معدل الفائدة الرئيسي سيساعد على التخفيف من الضغط الذي تمثله الفوائد المرتفعة على القروض التي يتحملها المقترضون من البنوك، والتي تصل إلى مستويات جد مرتفعة، لا يبررها قانون المنافسة الحر في تحديد الفائدة.
وتشتكي المقاولات، خاصة الصغيرة منها، من ارتفاع كلفة القروض البنكية، وهو ما يرده محمد العربي، الخبير في القطاع البنكي، إلى كون البنوك، تتبني قواعد احترازية متشددة عندما يتعلق الأمر بالشركات الصغيرة، ما يحرم هذه الأخير من تمويلات يمكن أن تساعدها على التوفر السيولة التي تسهل عليها تنفيذ مشاريعها.
ويتصور ملكو أنه في حال لجوء بنك المغرب إلى خفض معدل الفائدة فإن ذلك يفترض أن ينعكس على الحركية الاقتصادية، خاصة أن والي بنك المغرب كان لاحظ أن خفض معدل الفائدة الرئيسي ينعكس سلبا على المدخرين دون أن يستفيد منه الزبناء المقترضون، على اعتبار أن البنك يخفض معدل الفائدة على الودائع دون أن يعيد النظر في المعدلات المطبقة على القروض، ما يطرح تساؤلات حول تأثير ذلك على تمويل الاقتصاد.
وقد عبر والي بنك المغرب في سياق سعيه إلى تبرير قرار الحفاظ على معدل الفائدة الرئيسي، في حدود 2,25 في المائة، عن استعداد البنك المركزي لـ"توفير كل السيولة اللازمة التي تحتاجها البنوك من أجل تمويل الاقتصاد"، مشيرا إلى أنه حال ارتفاع الطلب على القروض بنسبة 10 في المائة مثلا، دون أن يواكبه نمو الودائع، فإن البنك المركزي سيضع السيولة اللازمة رهن إشارة البنوك، مشددا على أن البنك المركزي المغربي يتوفر على العديد من وسائل التدخل.
ويعتبر محمد العبودي، عضو المركز المغربي للظرفية أن الانخراط في مسار استرداد الديون المتعثرة، عبر إسنادها لشركات متخصصة في التحصيل (Défaisance)، يمكن أن يضخ سيولة جديدة في البنوك، على اعتبار أن الديون المتعثرة تمثل حوالي 7 في المائة من القروض البنكية؛ أي حوالي 70 مليار درهم.