يرابضن في الموقف بمنطقة "الكرسي" بأولاد تايمة لأيام بجهة سوس- ماس، من أجل الفوز بفرصة عمل بالضيعات، يغطين وجوههن لأنهن يشعرن بأنهن يستجدين عملا مادم الوسطاء يتحكمون في اختيار من منهم أصلح للعمل باعتماد معايير لا تستند في غالب الأحيان على الخبرة.
من النساء اللائي يعرضن قوة عملهم بموقف أولاد تيمة من ينتظرن أياما طوال من أجل الفوز بفرصة عمل لثلاث أيام، كما يوضح حسن الحويجب، الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، المنضوية تحت لواء الاتحاد المغرب للشغل بأولاد تايمة.
عندما تسأل الحويجب عن وضعية النساء العاملات، يؤكد أنهم يعاني النظرة التي تكرس وضعيتهم الدونية، لمجرد أن قصر ذات اليد قادهن للعمل في الضيعات، التي يتعرضن فيها لممارسات حاطة من الكرامة، مثل التحرش الجنسي.
لاتخوض الأرقام التي توردها المندوبية السامية للتخطيط حول وضعية النساء القرويات العاملات في يومين العالمي، الذي يوافق الخامس عشر من أكتوبر الجاري، في تفاصيل حياتهن اليومية، وإن كانت المندوبية تتحدث عن تفشي الأمية وسط 60 في المائة من النساء القروي وشيوع الشغل غير المؤدى عنه.
بلغ عدد النساء القرويات في العام الحالي بالمغرب 6,5 مليون نسمة، وهو ما يمثل حوالي نصف الساكنة القروية، ويصل عدد النساء القرويات في سن الإنجاب 3,3 مليون نسمة، مقابل 6,2 مليون نسمة في المدن. ويقدر أمل الحياة عند الولادة لدى أولئك النساء 75,3 سنة.
وتعاني الفتاة القروية من ضعف في مستوى الولوج للتعليم، فمعدل التحاقهن بالتعليم الأولى في 2017-2018، لم يتجاوز 25,4 في المائة، مقابل 53,9 في المائة في العالم الحضري.
وبلغ المعدل الصادي لتمدرس الفتات في السلك الإعدادي 39,73 في المائة، مقابل 80,15 في المائة عند الفتيات الحضريات، بينما يصل ذلك المعدل في السلك الثانوي التأهيلي إلى 12,48 في المائة، مقابل 57,39 في المائة.
وإذا كان معدل وفيات الأمهات على الصعيد الوطني لا يتعدى 72,6 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية، و44,6 بالوسط الحضري، فإن مستواه بالوسط القروي يقفز إلى 111,1 حالة وفاة.
لاتفضي الأنشطة التي تمارسها النساء في العالم القروي في تحسن وضعيهن الاعتبار، رغم بلوغ معدل النشاط بينهم نسبة 29,6 في المائة، مقابل 18,4 في المائة في المدن، وحصر معدل البطالة بينهم في حدود 3,1 في المائة، مقارنة بنسبة 25 في المائة بين النساء الحضريات.
ويعود عدم تثمين نشاط النساء القرويات المشتغلات، إلى كون الأغلبية الساحقة منهم، يزاولن أنشطتهن في القطاع الزراعي بنسبة 93,6 في المائة، مع العالم أن 90 في المائة منهم لا يتوفرن على أي شهادة، بينما تشتغل نسبة 70,4 في المائة من النساء في المدن في قطاع الخدمات.
وتصنف 60,3 في المائة من النشيطات المشتغلات بالعالم القروي ضمن فئة مساعد عائلي، وهو شغل، يعتبر غير مؤدى عنه، فنسبة 70,5 في المائة من أولئك النساء لا يتلقين أي أجر مقابل عملهن.
وتعتبر ظاهرة الفقر، في شكلها النقدي، أكثر انتشارا في صفوف النساء القرويات، مقارنة بالنساء الحضريات، فقد انتقل من 25,3 في المائة في 2001 إلى 7,5 في المائة، بينما انتقل وسط النساء في المدن من 9,5 في المائة إلى 1,7 في المائة.
ورغم تراجع دائرة الهشاشة بالمغرب بين 2001 و2014، إلا أن المرأة القروية مازالت تعاني منها أكثر، حيث يبلغ معدل الهشاشة في صفوفهن 19,4 في المائة، مقابل 7,8 في المائة بين نساء المدن.
تلك الأرقام التي تسوقها المندوبية السامية للتخطيط، تخفي تفاصيل في الحياة اليومية للنساء القرويات، خاصة العاملات منهن، اللائي تعمل الأغلبية الساحقة منهن بدون أجر، بل إن اللواتي يفزن بأجر من عملهن يقبلن بنصف ما يعود للرجال مع أنهن يشتغلن نفس ساعات العمل، علما أنه لا يتم التصريح بأغلبهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
ويذهب محمد الهاكش، الكاتب العام السابق للاتحاد الوطني للقطاع الفلاحي، أن مسألة التصريح بالنساء لم تتطور كثيرا في الأعوام الأخيرة، مشيرا إلى أنه حتى في حالة التصريح، لا يتعلق الأمر بأجور في مستوى تلك التي يتلقاها الرجال، مادام التصور السائد يقوم على اعتبار أن أجور النساء مكملة لأجور الرجال في العالم القروي.
ويعتبر الحويجب أن الوسطاء الذي يتحكمون في سوق الشغل في العام القروي، يستغلون حاجة النساء من أجل فرض قواعد لعبهم في تشغليهن والأجور التي يقترحونها عليهن، مادامت أغلبيتهن مطلقات وأرامل وأمهات وشابات تقبلن بشروط الوسيط من أجل الفوز بأجر تغادرن بيوتهن من أجله من الرابعة صباحا إلى السادسة مساء.