تزامن مقتل "الخليفة" المزعوم لتنظيم "داعش" الإرهابي، مع تفكيك خلية جديدة من طرف المكتب المركزي للأبحاث القضائية "موالية" لتنظيم "داعش"، كانت تعزم الإعلان عن "إمارة" في جبال وزان. ما تداعيات موت زعيم "داعش" على "الدواعش" المغاربة؟
بغير قليل من الزهو، تحدث الرئيس الأمريكي، يوم الأحد 28 أكتوبر، عن تفاصيل مقتل زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي خلال هجوم القوات الخاصة لبلاده على القتيل في مخبئه. ووصف كيف مات "الخليفة" المزعوم وهو "وهو يبكي ويصرخ"، بعد أن أكد أن أبا بكر البغدادي قتل نفسه أثناء غارة بتفجير سترة ناسفة بعد فراره داخل نفق مسدود.
من طماريس إلى إدلب
يأتي الخبر اليقين بمقتل زعيم "داعش"، والمغاربة يتابعون، يوم الجمعة الأخير، خبر تفكيك خلية "طماريس"، التي أعلنت ولاءها لتنظيم "داعش"، والتي كانت تنوي الإعلان عن إمارة في جبال وزان، ليطرح السؤال حول أثر مقتل البغدادي على "الدواعش" المغاربة.
وكشف بوبكر سبيك، الناطق الرسمي باسم المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، أن عدد المغاربة الذين التحقوا بمناطق التوتر في سوريا والعراق بلغ 1659 من بينهم 1060 التحقوا بـ"داعش".
وأشار سابيك، في ندوة صحفية، الاثنين 28 أكتوبر، إلى أن 260 من الذين التحقوا بأماكن التوتر عادوا وتم إلقاء القبض عليهم، فيما قتل 742 عنصرا منهم، من بينهم 657 في سوريا و85 في العراق.
وبحسب عبد الحق الخيام، رئيس المكتب المركزي للأبحاث القضائية، في الندوة الصحافية ذاتها، فإن 280 من النساء رافقن أزواجهن إلى سوريا والعراق، فضلا عن وجود 391 قاصرا.
ويميز عبد الله الرامي، الباحث في الجماعات الجهادية، بين "الدواعش" وأنصار "داعش" في المغرب. وأكد أن "الدواعش" المغاربة المرتبطون تنظيميا يوجدون في السجون ولكن لا يظهرون خارجها نهائيا، والذين يعتقلون هم من الأنصار يبايعون "عن بُعد" وليس في إطار "بيعة تنظيمية".
"تأثير معنوي هائل"
وشدد الرامي، في حديثه لـ"تيلكيل عربي"، على أن مقتل البغدادي سيكون له "تأثير معنوي هائل" على هؤلاء "الأنصار "، موضحا أن "ذلك له تأثير على الأعضاء، فكيف بمن هم أنصار؟".
وقال الباحث، لتوضيح فكرته حول الأثر على الأعضاء، إن "'داعش' يضم تيارات، والمتوقع هو أن هذه التيارات ستتشرذم وتتشظى لأنه ليس الزعيم وحده من قُتل، فقد قتل نائبه أيضا، وحتى الهيكلة كانت مهترئة ولم تكن صلبة. فقد كان البغدادي مطاردا والجميع كان مطاردا حتى من طرف السلطات العراقية، خصوصا النواة الصلبة التي يشكلها أساسا العراقيون والمحسوبة على رقعة جغرافية معينة".
وذكر أن الأجانب لم يكن لهم تأثير في "داعش" ومعظمهم معتقل، وأضاف "وهذا كله له طبعا تأثير لأنه كان في الأخير كله مرتبطا برمزية الزعيم فقط، كما الحال في أيام أسامة بن لادن. وعندما رحل الزعيم ونائبه انتهى الأمر. كل المقاربات تقول بأن التشتت تحصيل حاصل. واستدرك بأن العراقيين الذين كان أغلبهم ضباط في جيش صدام حسين، سيبقون لأنهم فعلا هم 'الإداريون' فعلا للتنظيم، أما الجسم الكبير، وحتى الفروع كلها، والتي كانت مرتبطة بالبغدادي، فستعيد، في نهاية المطاف، حساباتها".
وإذا كان الأعضاء ستسير خياراتهم خارج التنظيم، حسبه، "فما بالك بالأنصار؟"، يتساءل الرامي. ويرد بأن هؤلاء الأنصار والمتعاطفين ستهتز معنوياتهم لأنهم مرتبطون أساسا بشخصية ورمزية البغدادي.
ومقارنة بتنظيم "القاعدة" الذي قال إن قوته في فروعها، شدد على أن "أنصار" تنظيم "القاعدة" "حافظوا على وجودهم، حتى في المغرب، والمحسوبون على السلفية الجهادية ظلوا مرتبطين مبدئيا وإيديولويجيا بأيمن الظواهري وقليل منهم انتسب إلى 'داعش'"، لكن المنتسبين إلى "داعش" ليست لهم مكانة داخل التيار السلفي الجهادي في المغرب، والذين التحقوا بـ"داعش" أغلبهم كانوا في سوريا والعراق، يوضح الباحث.
هل سيتم تغيير الاتجاه من "داعش" إلى "القاعدة"؟ يجيب الرامي بأن هناك خلافات إيديولوجية بين "القاعدة" و"داعش"، ولكن الخلافات ليست كبيرة، وهذا السيناريو ممكن، مع تشديده على أن الحديث هنا عن الأعضاء دائما، أما الأنصار فهم دائما مرتبطون بعامل "الانتصار" و"العمليات"، مثل 11 شتنبر بالنسبة لـ"القاعدة" وهذه العمليات، يستطرد الرامي، قد انحسرت وتراجعت في الأخير بالنسبة لـ"داعش" و"التأثير سيكون معنويا اليوم". ويضيف أن "مَن أمامه خيارات سيحتفظ بها وسيراقب الأوضاع وسيكون هناك نوع من الهدوء والكمون، وسيتابعون ما يجري كما يفعلون، دائما عبر المواقع والمنتديات والحافزية عنهم منبعها المتابعة والمراقبة والمشاركة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمعنويات ضعيفة. وستكون خياراتهم مرتبطة بما بعد تداعيات مقتل البغدادي".
"لا تأثير سلبي"
وعلى خلاف الرامي، لا يعتقد محمد ضريف الباحث في الجماعات الإسلامية، أن مقتل البغدادي سيكون له تأثير سلبي على الخلايا المنعزلة المرتبطة إيديولوجيا أو عقديا بتنظيم "داعش". وأوضح الباحث، في حديثه لـ"تيلكيل عربي"، في هذا الصدد، "بأن هذه التنظيمات التي تؤمن بالسلفية الجهادية، وفق تصور معين يتم استقطابها ليس لأسباب تنظيمية، بل غالبا ما يكون لأسباب عقدية؛ بمعنى أن الاستقطاب، سواء كان بشكل مباشر من خلايا مكلفة بالاستقطاب داخل المغرب أو بشكل غير مباشر عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، يتم على أساس عقدي؛ أي دعوة الناس أو تحريض بعض الشباب في أعمال ضد النظام القائم وضد المؤسسات داخل الدولة التي تقدم على أنها مؤسسات غير ملتزمة عن الدين أو خارجة عن الإسلام إلى غير ذلك".
ولاحظ ضريف بأن الخلايا، التي فككت في المغرب منذ 2002، كانت مرتبطة بإيديولوجيا ولم تكن مرتبطة بتنظيمات، "لذلك تم إعلان الولاء لأسامة بن لادن في البداية، ولكن عندما اختفى بن لادن في 2011 وضعفت 'القاعدة' نسبيا، تغير الولاء إلى 'داعش' و'البغدادي'". وزاد "أكيد أنه في زمن 'القاعدة' كانت هناك اعتداءات كثيرة طالت مختلف دول العالم، لأن 'القاعدة' كانت متفرغة لتوفير كافة الشروط اللوجيستيكية للقيام بعمليات في مختلف الدول، ولكن العمليات خارج سوريا والعراق بالنسبة لـ'داعش' تضاءلت لأن تنظيم 'داعش' اهتم أساسا بإقامة دولته في المنطقة، ضمن العراق التي كانت عاصمتها الموصل وفي الأراضي السورية التي كانت عاصمتها الرقة؛ بمعنى أن خطر 'داعش' خارج هذه المنطقة أو خارج ما سمي بـ'دولة الخلافة' تضاءل".
ويعتقد أن الخوف الآن أنه بعد فقدان 'داعش' لدولتها وبعد أن اضطر زعيمها للاختباء في إدلب الآن، قبل مقتله، ربما تحاول القيادات الجديدة أو خلفاء البغدادي إثارة الانتباه، خاصة أنهم يتوفرون على أتباع أصبحوا الآن منتشرين في مختلف أنحاء العالم، في سوريا، العراق، أفغانستان، وحتى في الدول الأوروبية وأكيد أن هناك بعض الأتباع في منطقة المغرب العربي، بما في ذلك المغرب".
ويوضح أنه عندما يقول "الأتباع" لا يتحدث عن "أتباع مرتبطين بـ'داعش' ولكن عن أتباع مرتبطين إيديولوجيا بـ'داعش'، فهؤلاء الأتباع الذين يؤمنون بالسلفية الجهادية والذين يتم استقطابهم على أساس عقدي لا يهمهم من سيقود التنظيم. ما يهمهم هو محاولة تنزيل تلك الأفكار على أرض للواقع، من خلال القيام بمحاولات لزعزعة النظام. والآن أكيد أن 'داعش' سيصبح، بعد مقتل البغدادي، أكثر حرصا على القيام بعمليات خارج ماكان يسمى بـ'دولة الخلافة'، ومن هنا ينبغي أن ننتبه إلى أن القول بأن مقتل البغدادي سيؤدي إلى إضعاف التنظيم، قول خاطئ".
ويعتقد أن "التنظيم قد يضعف ولكن الإيديولوجيا، لن تضعف وبالتالي، هؤلاء الذين ينتمون للخلايا التي تفكك في المغرب هم مرتبطون إيديولوجيا بالأساس بهذه التنظيمات الجهادية".
وعن سيناريوهات لما قد يؤول إليه الوضع، يقول الباحث إن الكل يتحدث عن إمكانية حدوث انشقاق داخل 'داعش' بحكم أن هناك خلافات حول الزعامة أو الخلافة. وأضاف أنه قد يعاد بناء التنظيم من جديد، ويمكن أن يكون هناك شخص آخر متوفرا على مواصفات تمنحه هذه الزعامة.
ولتعضيد فكرته، يذكّر بأن "هذه التنظيمات الجهادية غير مرتبطة بأشخاص. فقد قتل أبو مصعب الزرقاوي في 2006 ولكن لم تختف إيديولوجيته، وهي نفس الإيديولوجيا التي ترجمها أبو عمر البغدادي وقتل في 2010 وخلفه أبو بكر البغدادي؛ بمعنى أنه يمكن أن يأتي شخص آخر أو قيادة جديدة تحيي هذا التنظيم وقد يفضي الأمر إلى ظهور تنظيم جديد ربما أكثر قوة".
ويزيد "طبعا بعد القاعدة، ظهرت 'داعش' والآن هناك بالنسبة للمتتبعين لما يجري داخل التنظيمات الجهادية، هناك من يتحدث ربما عن تأسيس أو عن إعلان ولادة تنظيم جديد باسم 'حراس الدين' وربما يكون هذا التنظيم هو الوريث لـ'داعش'"، وهو ما يخالفه فيه الرأي الرامي، الذي يذهب إلى أن المعطيات الآن تقول إن "حراس الدين" هم الذين كانوا يحمون البغدادي وبإدلب وهؤلاء جزء من "القاعدة" رسميا، "وهذا التفصيل يمكن أن يؤثر ويدف أعضاء 'داعش' إلى العودة إلى 'القاعدة'"، يقول الرامي.
من جهته، يعتبر ضريف أن هذه الخلايا التي تفكك، منذ 2002، في المغرب لم تكن في الأصل مرتبطة بأشخاص بل بإيديولوجيا. ولاحظ أن عبد المالك دروكدال في الجزائر كان قد غيّر ولاءه؛ في البداية أعلن ولاءه لـ"القاعدة" وبعد ذلك تحول إلى "داعش". وتوقع أن تحوّل هذه التنظيمات الموجودة في مجموعة من البلدان ولاءها إلى تنظيم جديد، إذا ما أثبت قدرته على تجسيد مضامين إيديولوجيا السلفية الجهادية.
حلم "دولة الإسلام" في المغرب
وحول ما إذا كان هناك تحوّل عند "الدواعش" المغاربة الذين سعوا إلى خلق بؤرة ترابية في وزان؟ يجيب ضريف أنه "من الصعب أن نتحدث عن 'دواعش' مغاربة، يمكن أن نقول إن هناك سلفيين جهاديين يتبنون إيديولوجيا السلفية الجهادية دون أن يكون لهم ارتباط تنظيمي لا بـ'داعش' ولا بـ'القاعدة'".
ويؤكد الباحث في الجماعات الإسلامية أنه ليست هذه المرأة الأولى التي يعلن فيها المغرب عن تفكيك خلية كانت تعتزم الإعلان عن منطقة تقيم فيها "دولة الإسلام" أو "دولة الخلافة"، وذكر أن كثيرا من الخلايا من بين التهم التي وجهت إليها أنها كانت تعتزم اتخاذ بعض المناطق كأنها 'أراض محررة' تقيم فيها 'دولة الإسلام'، خاصة في الشمال في بعض المناطق الجبلية. وقال جازما "نحن لسنا أمام تكتيك جديد"، معبرا عن اعتقاده أن "إعلان بعض الأشخاص عن محاولات تأسيس 'إمارة إسلامية' مجرد ادعاء من هؤلاء الأشخاص الذين لا يتوفرون على الإمكانيات اللوجيستية، ولا على الوسائل التي تساعدهم على ذلك، لأن حلم إقامة 'دولة إسلامية' أو 'إمارة إسلامية' راود كثيرا من السلفيين الجهاديين في الجزائر وانخرطوا في حرب ضد السلطة الجزائرية وكانوا يتوفرون على إمكانيات كبيرة واستفادوا من دعم من قبل 'القاعدة' والسلفيين الجهاديين من مختلف دول العالم، ولكن رغم ذلك النتيجة التي نعرفها"، لذلك يخلص إلى أن "الرغبة في إقامة إمارة في جبال وزان نوع من ذلك الحلم الذي يراود بعض الشباب المغاربة، وبالتالي ففهم يضعون مخططات ويدركون مسبقا أنهم غير قادرين على تنزيلها على أرض الواقع"، على حد تعبيره.