مازال المغرب لم يستفد من الهبة الديمغرافية التي يوفرها ارتفاع نسبة الشباب في سن النشاط، بالنظر لمستوى البطالة المرتفع، الذي يأتي في ظل نمو اقتصادي ضعيف، ما يطرح في تصور المندوبية السامية للتخطيط إعادة النظر في البنيات الإنتاجية وتوفير تكوين يستجيب لسوق الشغل والانخراط في تقليص الفوارق.
400 ألف وافد على سوق الشغل
تعتبر المندوبية السامية للتخطيط، في تقرير السكان والتنمية، الذي عرض اليوم الأربعاء بالرباط، أنه يفترض أن يعرف الاقتصاد المغربي، تحولا هيكليا، حتى يتمكن من استيعاب الأعداد المتزايدة من السكان في سن النشاط، والتي ترتفع بحوالي 400 ألف شاب سنويا.
غير أن المندوبية، التي دأبت على إنجاز تقييم كل خمسة أعوام للإجراءات والاستراتيجيات المتعلقة بالسكان والتنمية، تسجل أن أقل من نصف تلك الساكنة هي التي تتمكن من الولوج إلى العمل، مما يحيل على مشكل النشاط، لا سيما لدى الشباب، والذي يجب أن يكون هاجسا من أجل الحفاظ على التماسك والاستقرار الاجتماعيين.
ويوضح أن معدل النشاط الذي لا يتجاوز 46 في المائة بعدما في حدود 54 في المائة في سنوات 2000، ومعدل التشغيل الذي انتقل من 46 إلى 42 في المائة، يبعث برسالة مقلقة في سياق اقتصادي يتسم بإكراه مزدوج، متمثل في تباطؤ النمو الاقتصادي الذي انتقل في المتوسط من 5 في المائة بين 2000 و2008 إلى 3,7 في المائة بين 2009 و2017، ما يفضي إلى انخفاض محتواه من فرص العمل التي انحدرت من 30 ألف منصب لكل نقطة نمو إلى 10500 منصب لكل نقطة نمو.
وتلاحظ المندوبية أنه على الرغم من انخفاض السكان دون سن الخامسة عشرة، التي انتقلت من 37 في المائة إلى 29 في المائة، فإن الساكنة في سن النشاط المتراوحة أعمارها بين 15 و59 عاما ترتفع بوتيرة كبيرة، حيث وصلت في المدن والبوادي على التوالي إلى 64,7 في المائة و59,6 في المائة، فيما ينتظر أن يبلغ السكان البالغين 60 عاما فما فوق 10,8 في المائة في العام الحالي، مقابل 7,1 في 1994.
هبة غير مستثمرة
وترى أن ضعف الانتفاع من الهبة الديمغرافية ينعكس على البطالة، خاصة بالنسبة لحاملي الشهادات، فقد وصل معدل البطالة لهذه الفئة إلى 18 في المائة، وتتجه هذه البطالة إلى أن تدوم مدة طويلة، حيث يتجلى أن 51,03 في المائة من الحاصلين على شهادة جامعية من الكليات لديهم معدل بطالة تتجاوز 12 شهرا، يليهم حاملو شهادة ثانوية بنسبة 42,65 في المائة، في حين 86,7 في المائة ممن لا يتوفرون على شهادات تدون بطالتهم مدة أقصر.
ويفيد تقرير المندوبية السامية للتخطيط أن التزايد الديمغرافي تباطأ في المغرب من 2,6 في المائة بين 1970 و1980 إلى 1,6 في المائة بين 1990 و2000، قبل أن يبلغ 1,25 في المائة حاليا، ملاحظا أن ذلك يترتب عنه تغيير في البنية العمرية للسكان، مما أفضى إلى بروز إشكاليات أساسية على مستوى التعليم والتشغيل والنفقات العمومية والصحة والحماية الاجتماعية وإعداد التراب.
ويتصور التقرير أن التحدي المستقبلي بالنسبة للمغرب يكمن في فهم محددات تطور معدل النشاط، الذي يشهد اتجاها نحو الانخفاض، وذلك بهدف إعادة الشباب والنساء إلى سوق العمل لخلق دينامية إيجابية لخلق فرص الشغل وخلق الثروة.
وفرة مفيدة للإقلاع
ويتصور التقرير أن فترة وفرة السكان النشيطين هي فترة مواتية لتحقيق الإقلاع الاقتصادي للمغرب، شريطة توفير الظروف اللازمة لهذا الإقلاع، حيث يؤكد على ضرورة الاستفادة من الهبة الديمغرافية عبر تنويع النسيج الإنتاجي، الذي يجب أن يترافق مع تكييف البينيات الإنتاجية والإطار المؤسساتي مع متطلبات الانفتاح في سياق العولمة.
وشدد على أن يكون ذلك الجهد على صعيد التنويع، لكن لن يكون له أي تأثير دون تثمين الرأسمال البشري، عبر تكوين يتماشى مع التشغيل وتحسين مستوى معيشة السكان والحد من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والمجالية، وذلك قبل تنامي التحديات المستقبلية التي ستطرحها الشيخوخة.
ويعتبر أنه يفترض في المغرب الاستفادة من نمو سكانه البالغين سن النشاط لدعم النمو وتحقيق الإقلاع الاقتصادي، عبر استغلال الفرصة الديمغرافية واستباق التحديات المستقبلية ووضع سياسات اجتماعية ملائمة في مجال التعليم والتكوين والتشغيل، مصحوبة باستثمارات في الأنشطة المحدثة لفرص الشغل للشباب.
وكان أحمد الحليمي، المندوب السامي في التجطيط، قد أكد في مناسبات سابقة، على أن المغرب يتوفر على فرص كبيرة لتنويع منتجاته، بشكل يستثمر الإمكانيات التي تتيحها البنيات الاقتصادية الحالية، والتي تتوفر على إمكانيات للتنافسية، خاصة في السلاسل المستندة على الحبوب والخضر والفواكه والنسيج الصناعي والكيماويات، وصناعة الآلات والتجهيزات. تلك إمكانيات تفتح الباب أمام استغلال حوالي 3500 منتج، حسب تقديرات المندوبية.
ويتصور الحليمي أن المقاولات الصغيرة والمتوسطة هي التي يجب أن يتاح لها التأطير والتمويل والتحفيزات الضرورية، من أجل الاستثمار في الفرص الكامنة في الاقتصاد الوطني، غير أنه، كما يتجلى من تحليلات سابقة للحليمي، لا تمثل المقاولات الصغرى والمتوسطة سوى 4,7 في المائة من الاستثمار الشامل، بينما تشكل 95 في المائة من النسيج الإنتاجي الوطني.
ويراهن الحليمي أكثر على المقاولات الصغرى والمتوسطة، لأنه يعتقد أنها ستساهم في تسريع النمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل، والاستجابة للطلب الداخلي، الذي يستجاب له حاليا عبر الواردات، في الوقت نفسه، الذي ستتمكن من التصدير، بما يساعد على تقليص عجز الميزان التجاري وحاجيات تمويل الاقتصاد.