كشف رئيس ساحل العاج الحسن وتارا والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم السبت 21 دجنبر 2019، عن لجوء 8 بلدان في غرب إفريقيا إلى الانخراط في إصلاح للفرنك الفرنسي، الذي سيحمل مستقبلا اسم "الإيكو". قرار يفتح مسارا قد يطول، من أجل بلوغ تلك العملة الموحدة، بينما كان المغرب فك الارتباط مع الفرنك الفرنسي قبل ستين عاما ويتحول إلى الدرهم. قرار حاربته فرنسا آنذاك واعتبره المغرب كأحد عناوين "الجهاد الأكبر" الذي يركز على الاستقلال الاقتصادي والنقدي.
للدرهم جذور في المملكة
عاش المغرب تحت الوصاية الفرنسية على الصعيد النقدي والاقتصادي بعد الاستقلال، ما دفع الملك محمد الخامس إلى اعتبار أن الاستقلال الاقتصادي والنقدي بمثابة "الجهاد الأكبر"، بعد الاستقلال السياسي الذي عد بمثابة "الجهاد الأصغر".
كان فك الارتباط مع الفرنك الفرنسي، أحد عناوين الجهاد الأكبر. تلك نية مغربية زجت بالعلاقة بين البلدين في أزمة حقيقية، قبل أن تكرس على شكل قرار ضمن في ظهر في السابع عشر من أكتوبر من عام 1959، حيث جرى اعتماد الدرهم باعتباره الوحدة النقدية الرسمية للمملكة.
يتحدث رشدي برنوصي، الخبير في الأركيولوجيا والمسؤول بالنيابة عن متحف بنك المغرب بالرباط، في لقاء مع "تيلكيل عربي"، عن تاريخ الدرهم، فلم تأت تلك العملة من العدم؛ إذ تجد جذورها في "الدراخما" اليونانية، ويحيل على النقود التي سكت في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، قبل أن يصبح رمزا للأمة الناشئة بالمغرب في عهد مولاي الحسن الأول، الذي عمل، في سعيه لمواجهة العملات الأوروبية القوية التي كانت تهمين على المعاملات التجارية، على سك عملة وطنية قوية، حيث أن الريال الحسني أضحى يساوي 10 دراهم فضية. كانت تلك العملة تسك بأوروبا وتمكن الريال الحسني من مواجهة العملة الإسبانية "البسيطة"، التي كانت تستفيد من قوة إسبانيا التجارية.
وقد جاء التحول نحو الفرنك الفرنسي، في 1920، في سياق أزمة حادة من سماتها انفلات التضخم وانهيار التجارة الخارجية في خضم الحرب العالمية الأولى، حيث تراجع الفرنك الفرنسي بنسبة 25 في المائة، بينما ارتفع سعر المعادن، خاصة الفضة، ما دفع التجار الأوروبيين إلى المضاربة على الريال الحسني.
قرار يعاني من كبرياء المستعمر
ووجب الانتظار 29 عاما، كي ينفض الغبار عن الدرهم، ويصبح العملة الرسمية للمغرب بعد الاستقلال، ما أفضى إلى أزمة حاد بين المملكة وفرنسا، فقد طلب وزير المالية الفرنسي أنطوان بيني من السلطات المغرب ربط قيمة الفرنك المغربي بالفرنك الفرنسي، الذي خفضت قيمته بنسبة 17,5 في المائة، وهو طلب جوبه برفض السلطات المغربية.
تحكي الصحفية والكاتبة، زكية داوود، في كتابها الصادر في العام الماضي حول سيرة رئيس الحكومة آنذاك عبد الله إبراهيم، أنه بفعل القرار المغربي، وقع فك الارتباط، وبالتالي الخروج من منطقة الفرنك، بما لذلك من تداعيات، اتخذت شكل تضييق مالي وهروب للرساميل التي وصلت إلى 40 مليار فرنك، وتدابير انتقامية وانتقادات، بالإضافة إلى غضب ولي العهد الأمير مولاي الحسن.
وتتحدث الكاتبة التي عرفت بالمغرب بمجلة "لاماليف" التي كانت تصدرها إلى غاية التسعينيات من القرن الماضي، عن السفير الفرنسي الذي انتظر عبد الله إبراهيم أمام منزله مساء، كي يبلغه رسالة غير رسمية، حيث أخبره بأنه اعتبارا من تلك اللحظة، تتوقف كل المساعدات والقروض والدعم وتعاون البنوك الفرنسية، في الوقت نفسه، تم وقف كل الحسابات المغربية، بينما كانت المالية العمومية في وضعية كارثية.
تلك تحديات واجهتها حكومة عبد الله إبراهيم، بمراقبة الصرف وتحويل الرساميل واستعادة إيرادات الصادرات، ورسم بنسبة 10 في المائة على التسويات المالية، وإعفاء بعض المنتجات من الضريبة، كما لجأت الحكومة إلى إنجاز تعاملاتها بعملات البلدان الشريكة في المبادلات التجارية.
وكانت عائدات الفوسفاط ملاذا للمغرب من أجل التخفيف من آثار الأزمة. فقد تم ذلك عبر أموال المعدن المباع بباريس وبالاستفادة من خدمات كريم العمراني، الذي تعرف عليه عبد الله إبراهيم بفضل عبد الرحيم بوعبيد. هكذا وظفت تلك الأموال من أجل شراء البترول.
لم يكتف المغرب بذلك، بل عمد إلى إلغاء الوضع التفضيلي لطنجة الذي كان يتيح خروج الرساميل، كما لجأ إلى الحد من ارتفاع الأسعار وقرر زيادة في الأجور.
بالموازاة مع ذلك، انخرط عبد الرحيم بوعبيد، نائب رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد والمالية، في مفاوضات من أجل استعادة بنك الدولة، الذي كان بنك فرنسا باريس والأراضي المنخفضة يملك أغلبية أسهمه. تلك المفاوضات دامت إلى غاية يونيو 1959، وهو التاريخ الذي شهد إحداث بنك المغرب.
وقد أكد عبد الرحيم بوعبيد في خطابه، بمناسبة افتتاح البنك المركزي الجديد، بحضور الملك محمد الخامس، أن إحداث معهد الإصدار تعبير أولي عن الاستقلال السياسي والاقتصادي للدولة الحديثة، وهو تعبير لا محيد عنه للسيادة، ومكون للدولة الحديثة.
سيتخلى المغرب في الخامس عشر من أكتوبر من عام 1959، عن الفرنك الفرنسي، ويعود الدرهم للتداول، بينما كانت تونس تحولت إلى الدينار في 1958، وهو القرار ذاته الذي نفذته الجزائر في 1964، غير أن بلدانا أخرى ظلت تحت وصاية البنك المركزي الفرنسي عبر الفرنك الفرنسي.
نحو دار السكة
لم يتخلص المغرب من إرث الحماية تماما على مستوى عملته بعد قرار الانفصال، فقد واصل بنك المغرب في طرح درهم تحمل آثار الفرنك، ففي ورقات من فئة 5000 و10000 فرنك فرنسي، كان يشار إلى قيمتها بالدرهم بالحبر الأحمر. ولم يشرع المغرب سوى في 1960 في إصدار أوراق نقدية مطبوعة ببنك فرنسا. كانت تلك الأوراق من فئة خمسة وعشرة دراهم وتحمل صورة الملك محمد الخامس.
في 1965 ستظهر صورة الملك الحسن الثاني لأول مرة على ورقة نقدية، التي كانت من فئة خمسين درهما. وقد كانت ضمن سلسلة من الإصدارات التي همت قطعة من فئة 5 دراهم، بالإضافة إلى 50 و20 و10 و5 وسنتيم واحد.
عندما أراد المغرب طبع الورقة النقدية من فئة 100 درهم، اختار فك الارتباط مع بنك فرنسا واللجوء إلى خدمات فاعل إنجليزي في مجال الطباعة، حيث جرى التوجه نحو Thomas de la Rue، ما طبع الأوراق النقدية، التي رسمها الرسام الرسمي للملكة إليزابيث، بطابع الجنية الإسترليني.
في الخامس من مارس 1987، سيخطو المغرب خطوة جبارة في مسار التحكم في صناعة عملته، حيث دشنت دار السكة بالقرب من غابة المعمورة، التي خرجت منها جميع أوراقه النقدية بعد ذلك.