اعتبر المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، يوم أمس الأحد، أن "المغرب يعيش على إيقاع استمرار مظاهر أزمة مركبة تعود لأسباب متعددة، على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي".
وسجل المكتب، في اجتماع المجلس الوطني المنعقد في الذكرى الـ46 لتأسيس الكونفدرالية، أن إشكالية الديمقراطية في المغرب هي "إشكالية بنيوية تتعلق بتوزيع السلطة؛ مما يعوق تطور الديمقراطية".
وتابع المصدر نفسه أن "التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية تساهم في تعزيز تهميش شرائح واسعة من الشعب المغربي عن الحياة السياسية؛ مما يحد من قدرة المؤسسات على تمثيل جميع المواطنين، بشكل فعّال وحقيقي".
وأضاف أن "المشهد السياسي في بلادنا وصل إلى حالة غير مسبوقة من التردي وفقدان الثقة في المؤسسات، نتيجة فساد النخب، وتعدد مظاهر الرشوة، واختلاس المال العام؛ حيث تعددت المتابعات وقرارات العزل في حق برلمانيين ورؤساء جماعات ومؤسسات أفرزتها انتخابات عرفت كل أشكال الفساد والإفساد، وحجما غير مسبوق من استعمال المال وشراء الذمم، وأفرزت أغلبية فاقدة لأي امتداد مجتمعي، وبدون أي تصور استراتيجي لتدبير الشأن العام، وعاجزة عن تقديم أجوبة عن انتظارات المواطنات والمواطنين، بل تكتفي فقط بتشخيص الوضع، دون ابتكار حلول للتخفيف من حدة ضغط الأزمة على الفئات التي تعاني اجتماعيا، وتعمل جاهدة من خلال قوانين المالية والسياسات العمومية، على خدمة مصالح الرأسمال الريعي، مقابل ضرب المكتسبات الحقوقية والاجتماعية؛ مما أدى إلى تمركز الثروة، بشكل غير مسبوق، واتساع دائرة الفقر والتفاوتات الاجتماعية والمجالية".
كما سجل المكتب التنفيذي أن "عددا محدودا من الأغنياء راكموا ثروات هائلة، خلال 10 سنوات، بينما انضاف 3 ملايين و200 ألف مغربي إلى دائرة الفقر، سنة 2022، وارتفعت مديونية الأسر إلى أرقام غير مسبوقة، وبلغ معدل البطالة 14 في المائة، هذه السنة، وفاق 17 في المائة في المجال الحضري، كما أن 8.5 مليون مغربي لا يستفيدون من أي تغطية صحية".
وجدد المكتب تأكيده على "ضرورة مطلب سن ضريبة على الثروة، الذي عاد بقوة خلال نقاشات مجموعة العشرين، باقتراح من رئيس البرازيل"، مضيفا: "فإذا ساهم من راكم الثروات بالمغرب بـ2 في المائة من ثرواتهم، سنتمكن من تغطية جزء مهم من إجمالي كلفة تعميم الحماية الاجتماعية".
واعتبر المصدر نفسه أن "الأزمة الاجتماعية التي تعيشها بلادنا هي نتاج طبيعة نسيجنا الاقتصادي، الذي يسوده الريع والاحتكارات والتفاهمات بين الفاعلين، في ظل التواطؤ وضعف ومحدودية آليات المراقبة"، لافتا إلى أن "اختلالات نظامنا الاقتصادي تعود، في جزء كبير منها، إلى إشكالية زواج المال بالسلطة، وانتشار الفساد وتغوله، واستمرار الاستبداد، وغياب الديمقراطية الحقيقية، والتضييق الممنهج على الحريات في التعبير والاحتجاج، ومحاربة الحريات النقابية بتوظيف السلطات المحلية والقضاء".
وأبرز أن "أخطر ما تعيشه بلادنا، اليوم، هو العجز عن ضمان الأمن الغذائي والأمن المائي والأمن الطاقي (استمرار تعطيل تشغيل مصفاة "سامير"، رغم نضالات النقابة الوطنية للبترول والغاز، ومراسلات المكتب التنفيذي لرئيس الحكومة في الموضوع)؛ مما يشكل تهديدا حقيقيا في المستقبل، خاصة في ظل توالي الأزمات على الصعيد الدولي، والتي من المؤكد أن حدتها ستزداد، خاصة في ظل تصاعد الخصاص في المواد الغذائية، نتيجة التغيرات المناخية، وارتفاع معدلات التضخم، بشكل غير مسبوق، وعدم استقرار معدلات الفائدة من طرف البنوك المركزية؛ مما سيؤثر على مديونية الدول الفقيرة وعلى أوضاعها الاقتصادية، بشكل عام".
وأضاف المكتب التنفيذي، في كلمته: "نعتقد جازمين، وليس خطابا شعبويا، كما يدعون، أو مبالغة في القول، بأن بلادنا في وضع اجتماعي صعب ومأزوم، وأن الوطن والمواطنين في محنة (البطالة، الفقر والهشاشة، القدرة الشرائية ومديونية الأسر، إغلاق المقاولات وتسريح العمال، ارتفاع حجم الفساد والتهرب الضريبي، التفاوتات الاجتماعية والمجالية...). وإذا كانت الحكومة والمستفيدون من الأزمات، كما وقع خلال مرحلة "كوفيد"، وأيضا من الأوضاع الحالية، لا يحسون بهذه الأزمة، ويتغنون جميعا بتحسن الأوضاع، فإنهم بالتأكيد يتحدثون عن أوضاعهم ومستوى الثراء وتمركز الثروة لديهم، فأصبحت حياتهم غير حياة المواطنين، ومستوى معيشتهم غير مستوى معيشة الشعب المغربي".
وتابع أن "الروابط بالمجتمع ضعفت وتفككت، ومن الطبيعي أن يزداد فقدان الثقة، وتزداد هوة التناقضات الاجتماعية والمجتمعية، ومظاهر الاستفزاز بين الغنى والفقر، على مستوى الأسباب وعلى مستوى الشرعية، وخاصة عندما تقدم الدولة استقالتها المتوالية في العديد من المهام والأدوار لصالح لوبيات المال، وعندما تعمل على إضعاف الحقل السياسي، وتغييب كل الأصوات المستقلة المعارضة، وإفساد النخبة السياسية، وضرب صورة المؤسسات التمثيلية، حتى لا يبقى إلا صوت ورأي الدولة، وهمها الأمن العام".
وسجل المكتب أن "الأمن الغذائي والمائي، وأيضا الثقافي والسياسي، مهدد، وسيظل مرشحا لكل الاحتمالات؛ لأن قدرة الدولة وهيبتها لا تكمن في السيادة المطلقة، بل قوتها محكومة بروابطها بالمجتمع، وضمانها للأمن الاجتماعي. أما الأمن العام، فليس إلا نتيجة".
كما اعتبر أن "الحاجة ملحة، اليوم، لتفعيل الديمقراطية الحقيقية، من خلال إصلاحات سياسية حقيقية تضمن مشاركة أوسع من المواطنين، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة".
وتابع المكتب التنفيذي أن "الديمقراطية الحقيقية ليست مسألة إجراء انتخابات، بل هي ضرورة اجتماعية تساهم في بناء مجتمع مستقر وعادل. ومن شروطها الأساسية، فصل السلط، وربط القرار السياسي والاقتصادي بصناديق الاقتراع، عبر مؤسسات مستقلة وقوية تعبر عن الإرادة الشعبية، وضمان الحقوق والحريات".