أحمد مدياني: عزيز يجند "زريقة" لحصد كل غنائم "البومبا"

أحمد مدياني
أحمد مدياني

"ينتظر عزيز بحرقة أن يستمر الإلهاء كي يسترزق من الأزمات طويلا حتى يكبر نجله الأصغر ويقف لجمع الدراهم من الداخل، حيث توجد صنابير مياه لا تصلح للشرب في الغالب..."

كان هذا آخر فصل من فصول "يوميات عزيز" مستخدم "بومبا تاع ليصانص" فصل من الحلقة الثانية. خُتمت بمحاولة إقناعه بالصبر على بقية الغنائم... لكن عدم الصبر من طباعه أمام إنتاج الدرهم وإعادة تدويره وحتى صبغه بالأبيض...

عاد عزيز إلى منزله مساء، بعد يوم طويل من شفط ما تيسر من الدراهم عند آلة ضخ الهواء. وجمع إتاوة عن كل قنينة غاز تتغير داخل المحطة. لم يجد مقعدا على متن الحافلة.

ازدحام شديد وضجيج ورائحة العرق تفوح من كل ركن. أطال الصيف مقامه بالبلاد. طقس حفز مادته الرمادية على الذوبان أكثر وسط مستنقع الجشع... واختار أن يكون عدو الصبر...

تأمل حال الوجوه الشاحبة التي هو منها ولا ينتمي إليها في نفس الوقت. أطال النظر في بضع ملامح يعلوها الأمل. من بينهم شابات وشباب في مقتبل العمر، يتبادلن ويتبادلون الحديث عن حصيلة تعويض ما فاتهم من دروس قبل العطلة.

قالت إحدى الشابات وعزيز ينصت بتركيز شديد:

"بابا قال ليا القرايا هي اللولا... واخة هدشي تاع السويع تزاد في الثمن... ما بغانيش نجلس في الدار في هذ العطلة..."

أجابتها صديقتها:

"أنا ماما باعت دبليجها... قالت ليا هذ العام ما خاصكش تفلتي الباك أبنتي..."

أحاديث بسيطة وعفوية لا خوف فيها من المستقبل رغم قساوة الحاضر. لكنها أزعجت عزيزا. وجعلته يردد في نفسه وهو لايزال غارقا في مستنقع الجشع:

"كون كنتو بناتي كون عودت ليكم التربية... وكرهتكم في القرايا... أنا عندي آخرتكم يا الكوزينة يا الكبلاج..."

عزيز يحتقر كل شيء وأي شيء. تجده حين يطالع الأخبار التي تصل إلى مسمعه فرحا بافتتاح مصنع جديد لما يقال عنه إنه "صناعة مغربية 100 في المائة..." وفي نفس الوقت يمقت عمال هذه المصانع ولا يراهم سوى حطب. يحلم بغنائم وسائل الإنتاج داخلها له ولذريته... وفي نفس الوقت يعتبرها مبررا للتقليل من شأن من يأكلون قوت يومهم منها... يتمنى لو كان يملك القوة كلها ليخنق الجميع. يعتبر نفسه المربي الأول داخل "مملكة" مخيلته...

عزيز شخصيته الظاهرة لا يُشبهها ولا هي تشبهه.

ما يظهر منها هو ما يحتاجه فقط.

"كون غير بغات ليا الدريسية تجي معايا غدا للبومبا... تجلس قدام باب الطواليت... راه الما دابا داير الثمن... علاش نتسناو البرهوش الصغير حتى يكبر...؟"

أمنيات صدح بها عزيز وهو يقفز من باب الحافلة، لتقع عينه مباشرة على "زريقة".

"زريقة" فتوة صامتة داخل حي عزيز. موجود في كل تفاصيل "الدرب" دون أن يكون له دور رئيسي مباشر في أحداثه... يقتات على شعار "غفل طارت عينك..."

هنا ومع القفزة من الحافلة قفزت فكرة أخرى إلى "طانطو" عزيز على سطح مستنقع جشعه. وبدأ يهمهم:

"زريقة... زريقة... زريقة..." ... لا يطيقه أحيانا نعم... مع ذلك هو في الغالب شرٌ لابد منه... هو في حاجة ماسة له لكي يبسط سيطرته كاملة على مستعمرة غنائم "البومبا"...

وضع عزيز "زريقة" بكل شره وسط فضاء "البومبا" وصبغه بالأصفر لأن الأزرق لا يليق به، بل يفضحه ويسهل تمييزه من بين من يحترفون صيد الغنائم.

جعل منه من اليوم سيد ركن السيارات... بل وحتى قبل أن يقترح عليه ذلك. كان على يقين بأن "زريقة" سوف يقبل ثم يُبدع في مهمته الجديدة...

بل سيكون "زريقة" في القادم من الأحداث كما يُخطط لها عزيز... فاتحة جعل "البومبا" أشبه بما كانت عليه المغرب في عهد تطبيق "سياسة الحمائية"... شعارها:

"كل الغنائم تُحصد باسم الوطن!"

سوف يُجبران معا كل من يدخل "محطتهم"على العيش بما فيها وما ينتج منها... سيجعلون الجميع يصدقون بأن "البومبا" منزلهم الذي لا يمكن تعويضه، وإن حاولوا غير ذلك، ستتبعهم لعنة من لا يأكل كُرها من "خبز الدار".

كل هذا دار في مخيلة عزيز قبل وصوله إلى المقعد حيث يجلس "زريقة" من حين إلى آخر، على كرسي خاص به، يمارس فيه طقوس الخلية حين تدخل في مرحلة "كمون"... أطول مرحلة من مراحل التكاثر في الطبيعة وأخطرها حين تكون الخلية سرطانية قبل تشخيص المرض بها...

ما إن وصل إليه حتى وجده يركز بشدة مع فيديو بعناوين قصيرة صعد عند "زريقة" هكذا فجأة على حسابه بموقع "فيسبوك".

عزيز: "زريقة أشنو كتشوف؟ واش حتى أنت وليتي كتفهم في السياسة؟ ياك حرفتك في الدرب تجمع غا الفلوس بالغفلة..."

لم يلتفت إليه "زريقة" ومع ذلك أجابه:

"هدشي عند النكّالزة (الإنجليز) صعيب... ها أنت هذ الرئيس ديالهم مرتو غادي تسبب ليه في العواكش..."

حاول عزيز الفهم أكثر وانتفض في وجه "زريقة" بحذر شديد:

"تا شوف فينا أصحبي وشرح لينا راني باغيك في واحد البريكول..."

"بريكول!" رد "زريقة" متناسيا بأن عزيز حاول أن يغضب عليه دون إذنه، وقال له:

"واااا مرت رئيس بريطانيا... مع هي هندية واقيلا حتى هو هندي ولا ما نعرف انجليزي... مهم ريحة الشحمة في الشاقور عندهم بجوج... باغين يقرقبو عليها تماك... لأنها دارت دكشي تاع البيع وشرا مع الهنود..."

ابتسم عزيز وغفل للحظات على هدفه الرئيسي من جلوسه قرب "زريقة"... سرح بمخيلته لبرهة وقال:

"تخيل أبا عزيز كون ديتي معاك الدريسية بيه فيه هي لتخدم معاك في البومبا... تجمع الدراهم من لي محتاج الما للوضو... كون راك فحال رئيس الإنجليز..."

ضحك عزيز ملئ شدقيه. ضحك من نفسه وعليها لأنه فكر للحظة فقط أنه يمكن أن يحاسب على شيء...

وعاد إلى جلسته مع "زريقة" وخاطبه بسرعة دون تفاصيل:

"فيق غدا بكري ونتلاقاو حدا بلاكة الطوبيس... بغيتك في البريكول..."

يُتبع...

مقالات أحمد مدياني:

الحلقة الأولى:

أحمد مدياني: حكاية عزيز الذي يحلم لو كانت المدرسة "بومبا تاع المازوط"

الحلقة الثانية:

أحمد مدياني: غنائم جملة مفيدة يكونها عزيز لأول مرة... بدون مساعدة!

مواضيع ذات صلة