أكد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، اليوم الخميس، بالرباط، أن الاجتماع الـ12 رفيع المستوى المغربي-الإسباني يعزز انخراط المملكتين في مسار متجدد للتعاون الثنائي.
وأبرز أخنوش، في كلمة افتتاحية بمناسبة انطلاق أشغال هذا الاجتماع رفيع المستوى، الذي يترأسه، بشكل مشترك، مع نظيره الإسباني، بيدرو سانشيز، أن هذا الاجتماع يستجيب للإرادة القوية للملكين محمد السادس وفيليبي السادس، من أجل ترسيخ الشراكة الاستراتيجية الثنائية، وترجمة توجهاتها الكبرى إلى خارطة طريق واضحة المعالم، خدمة لمصالح الشعبين الصديقين.
وأضاف أن الاجتماع يشكل أيضا، فرصة للاحتفاء بالعلاقات التاريخية وبأواصر الصداقة المغربية الإسبانية، معتبرا، في هذا السياق، زيارة رئيس الحكومة الإسبانية إلى المملكة، بدعوة من الملك، مرحلة مفصلية في تنزيل التصور الجديد للعلاقات بين البلدين.
وتابع بأن الدورة الحالية تكتسي أهمية بالغة، كونها تأتي في سياق متفرد، طبعته آثار الأزمة الصحية العالمية، وكذا الحرب الأوكرانية بكل تبعاتها ووقعها على مختلف الدول، وتأثيرهما المباشر على الوضع المعيشي للمواطنين وعلى ارتفاع مستويات التضخم؛ مما رهن قدرة وصمود المجتمعات، ووضع العالم أمام تحديات غير مسبوقة وغير متوقعة.
كما تستقي هذه الدورة أهميتها، يضيف رئيس الحكومة، من الزخم الذي تم تحقيقه على مستوى العلاقات بين البلدين، وخصوصا في أعقاب دعوة الملك، في خطابه بمناسبة ثورة الملك والشعب، يوم 20 غشت 2020، إلى "تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة في العلاقات بين البلدين، على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل والوفاء بالالتزامات".
ولفت إلى أن الدورة الحالية للاجتماع رفيع المستوى ستشهد التوقيع على جيل جديد من الاتفاقيات ومن مذكرات التفاهم تروم الاستجابة لتطلعات المملكتين، وتهدف إلى خلق نموذج للتعاون بين ضفتي المتوسط، في بعديه الأورو-متوسطي والأورو-إفريقي.
واعتبر أخنوش أن اللقاء "يشكل محطة مهمة للغاية لاستعراض وتقييم حصيلة تعاوننا في مختلف المجالات؛ السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ومناسبة لإرساء التصور الجديد للشراكة بين البلدين في القادم من السنوات، من خلال محددات خارطة الطريق التي تبنتها الحكومتان وتنفيذا لمضامينها".
وسجل أن اجتماع اليوم يأتي في ظل العديد من المتغيرات الإقليمية والتحولات الدولية العميقة؛ على رأسها التحديات الأمنية التي باتت تفرض نفسها على دول المنطقة؛ "مما يستوجب، أكثر من أي وقت مضى، تكثيف الجهود لمواجهة المخاطر التي تحدق بأمن المنطقة، والمرتبطة بالهجرة غير الشرعية وبالاتجار في البشر والمخدرات وبالإرهاب والمجموعات الانفصالية والميليشيات المسلحة، وذلك اعتمادا على مقاربة شمولية تجمع بين البعدين الأمني والاجتماعي".
كما تسعى هذه الدورة، بحسب رئيس الحكومة، إلى رفع التحديات التي يعيشها العالم على وقع تحولات عميقة، تضع على المحك قدرة الدول على التأقلم المستمر مع هذه المتغيرات، من خلال إرساء مقاربات متجددة كفيلة بالنهوض بالعمل الثنائي وضبط إيقاعه مع هذه التطورات، بما يستجيب لرؤيتي البلدين تجاه محيطهما الإقليمي والدولي.
وبعدما نوه بالعمل الدؤوب، الذي تم تحقيقه منذ الدورة الأخيرة التي عقدت بمدريد، سنة 2015، وبالحصيلة الإيجابية التي انبثقت عن تفعيل مضامين البيان المشترك آنذاك، ثمن رئيس الحكومة التقدم الذي تم إحرازه، مجددا رغبة المغرب في الارتقاء بالتعاون مع إسبانيا، ليشمل أبعادا جديدة.
وفي هذا الصدد، أشار أخنوش إلى أنه تم اختيار شعار "شراكة متميزة، متجهة بثبات نحو المستقبل" لهذه الدورة، وذلك بناء على رغبة الجانبين في تكريس حوار شفاف ودائم مبني على الثقة والاحترام المتبادل في التعامل مع كل القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وأبرز أن المشاورات "الصريحة والمستمرة" حول مختلف القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، بتعليمات من الملك، قادت إلى تقريب وجهات النظر في مجموعة من الملفات ذات الاهتمام المشترك.
وفي هذا السياق، أعرب رئيس الحكومة عن ارتياح المغرب لموقف المملكة الإسبانية من القضية الوطنية الأولى، المساند للمبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء المغربية، المقدمة من طرف المغرب، سنة 2007، واعتبارها الأساس الأكثر جدية والأكثر واقعية وذات مصداقية لحل هذا النزاع المفتعل.
من جهة أخرى، نوه أخنوش بالمنتدى الاقتصادي، المنعقد في دورته الجديدة على هامش هذا الاجتماع، مشيرا إلى أنه يشكل مناسبة لتعزيز علاقات التعاون الثنائية وتوسيعها لتشمل مجالات أخرى، توفر فرصا هامة للشراكة في قطاعات ذات أولوية للبلدين؛ من قبيل الطاقات المتجددة والفلاحة والصيد البحري والسياحة وقطاعات أخرى.
ولفت إلى أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تشهد تطورا نوعيا يتطلب انخراط الفاعلين الاقتصاديين في الدينامية، التي تعرفها العلاقات الثنائية، قصد إبرام شراكات قوية وملموسة، تتجاوز التبادل التجاري، لتشمل مشاريع مشتركة ذات بعد استراتيجي، من خلال الاستفادة من ميثاق الاستثمار الجديد بالمغرب، الذي توفر مقتضياته العديد من الفرص للجانبين في مجالات متعددة، وفي اتجاه أسواق واعدة، خصوصا بالقارة الإفريقية.
وتماشيا مع ما تعرفه العلاقات الثنائية من رقي على جميع الأصعدة، أبرز رئيس الحكومة أن إسبانيا تبوأت مركز الشريك الاقتصادي والتجاري الأول للمغرب، مسجلا أن البلدين تمكنا من إرساء إطار قانوني غني ومتنوع يواكب التطور الحاصل في العديد من المجالات.
وأكد أخنوش أن مسار العلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا يتزامن مع ما تشهده المملكة المغربية من تطور نوعي شمل جميع المستويات، بفضل الإصلاحات والأوراش الكبرى التي أطلقها الملك، والهادفة إلى ترسيخ دولة الحق والقانون والحريات، وتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، من أجل تحقيق تنمية شاملة ومتوازنة، من خلال نموذج جديد وضعت المملكة في صلبه العنصر البشري.
وفي ظل سياق دولي معقد، يشهد تصاعد التوترات بسبب مختلف الأزمات الدولية وتداعياتها على سلاسل الإنتاج، وبالتالي على الأمن الغذائي، بسبب عدم الاستقرار الطاقي، شدد رئيس الحكومة على أن المغرب وإسبانيا تمكنا من تعزيز سبل التعاون في هذين المجالين، بإرساء مشاريع نموذجية تهم مجال الطاقة، من خلال تقوية الربط الكهربائي، واستثمار أنبوب الغاز المغاربي في الاتجاه المعاكس من إسبانيا نحو المغرب، وكذلك اعتماد طاقات بديلة؛ من قبيل الهيدروجين الأخضر، انطلاقا من رؤية استراتيجية تتبنى مفهوم التنمية المستدامة كحل مستقبلي للحفاظ على التوازن بين الأبعاد البيئية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.
كما أكد أن القرب الجغرافي بين البلدين أسهم في حضور معتبر للشركات الإسبانية بالمملكة، وتواجد جالية مغربية مهمة تقيم بالديار الإسبانية وجالية إسبانية تقيم بالمغرب؛ مما خلق دينامية استثنائية أبرزت أن العلاقات الاقتصادية بين المملكتين تتجاوز ما هو ظرفي إلى ما هو هيكلي، لتفتح، بذلك، آفاقا لمشاريع تعتبر رافعة أساسية لبناء المستقبل؛ من بينها مشروع الربط القاري بين البلدين، الذي من شأنه أن يحدث ثورة حقيقية على مستويات عدة.
وخلص أخنوش إلى القول إن "ما يتحلى به بلدانا من إرادة جماعية وما يحذوهما من رغبة صادقة سيمكن، لا محالة، من كسب الرهان ورفع التحديات وتحقيق الأهداف المسطرة، ومنها الرقي بمستويات علاقاتنا لما يستجيب لتطلعات عاهلي البلدين، ولما تم الاتفاق بشأنه بين حكومتي البلدين".