"أسترازينيكا".. تفاصيل حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض أستاذة أصيبت بشلل الأطراف السفلية

محمد فرنان

في وقت الذي يتداول فيه الرأي العام إعلان شركة استرازينيكا سحب لقاحها من الأسواق العالمية بعد شكوك حول السلامة، خرج إلى العلن حكم قضائي أصدرته المحكمة الإدارية بالرباط صادر يوم 09 فبراير 2024 يُلزم الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بأداء تعويض لفائدة أستاذة جامعية قدره 250000 درهم.

القاعدة

وخلُص قرار المحكمة المذكورة إلى قاعدة: "يقع على الدولة حماية المواطنين من الأضرار الناتجة عن مخاطر التلقيح ضد فيروس كورونا، كونها القائمة على منح التأشيرات والرخص والموافقات لهذه اللقاحات واعتبارا لدعوتها لهم بصفة ملحة إلى أخذ جرعاتهم من التطعيمات مسؤولية الدولة عن ذلك تندرج في إطار المسؤولية عن المخاطر، والتي يكفي لقيامها ثبوت الضرر والعلاقة السببية دون الاعتداد بركن الخطأ".

ونبه قرار المحكمة يتوفر "تيلكيل عربي" على نُسخة منه، أن "الاحتجاج بكون إجراءات التلقيح اتخذت في ظل ظروف إستثنائية - لا - لتأكيد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 57.150 على مسؤولية الدول المتضررة من الكوارث الطبيعية بالاعتناء بضحايا هذه الكوارث وغيرها من الطوارئ التي تقع في إقليمها".

الراحل عبد العزيز النويضي

وناب عن المشتكية التي تشتغل أستاذة جامعية، الشركة المدنية المهنية للمحاماة مؤازرة، عبد العزيز النويضي وشركاؤه محامون بهيئة الرباط، ومدعى عليهم، الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة، ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية، والوكيل القضائي للمملكة.

المقال الافتتاحي

سرّد المقال الافتتاحي المودع بكتابة بتاريخ 2022/06/23، أن الجامعة التابعة لها المدعية نظمت عملية تلقيح لأطرها بتاريخ 2021/02/05 واستفادت المشتكية من لقاح استرازينيكا وتعرضت لمضاعفات خطيرة جراء ذلك لا زالت تعاني من تبعاته، وقد إعترف لها مركز مراقبة السموم واليقظة الدوائية التابع لوزارة الصحة بكونها مصابة بمتلازمة غيلان باري _ Guillain Barré والتي تصنف كمرض يصيب الأعصاب الطرفية ويتسبب في ضعفها أو حتى بشللها تدريجيا.

وحسب نفس المصدر، عاين طبيبها التهاب واعتلال الأعصاب متعدد الجذور من نوع المتلازمة المذكورة وشلل على مستوى عضلات الوجه والطرفين السفليين ومدها بتقريرين مؤرخين على التوالي في 2021/03/04 و2021/03/19 وقد تكبدت مصاريف العلاج من مالها الخاص.

وارفقت مقالها بصور شمسية لتقرير طبي مؤرخ في 2021/03/04 والشهادة طبية مؤرخة 2021/03/19 ولوثيقة الإعفاء من التلقيح ولبطاقة التعريف الوطنية، ولتواصيل إيداع ملفات المرض بالصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي ولتقرير والشهادة الدخل.

الوكيل القضائي للمملكة

المذكرة الجوابية للوكيل القضائي للمملكة، أوردت أنه قبل إنطلاق حملة التلقيح ضد فيروس كورونا وضعت الإدارة بروتوكولا صحيا واضحا يتضمن الإجراءات التي يتعين اتخاذها من طرف مراكز التلقيح قبل تطعيم المواطنين أو بمناسبة ذلك وحتى تلك التي يتعين القيام بها بعد مغادرتهم مراكز التلقيح ووضعت رهن إشارتهم رقما أخضر من أجل طلب المساعدة في حالة ظهور أية أعراض على متلقي جرعات التطعيم.

ولفت النائب عن الدولة المغربية الانتباه إلى أنه من أجل تحميل الدولة المسؤولية عن أي تقصير لا بد من إثبات المعني بالأمر إحترامه كافة التدابير المذكورة آنفا في مقابل عدم قيام الإدارة بالإلتزامات الملقاة على عاتقها، وأن ما تدعيه المدعية من آثار جانبية ناتجة عن تلقيها الجرعة الأولى من لقاح أسترازينيكا لا علاقة لها بالتطعيم الذي تلقته بأحد مراكز التطعيم.

وشدّد على أن الخطأ الموجب لمساءلة الدولة عنه منتف، كما أن جميع الوثائق المدلى بها من طرف المدعية لا تثبت إرتباط الأضرار المدعى بها بالجرعة التي تلقتها من اللقاح، بالإضافة إلى أن تمسك المدعية بإجبارية التلقيح لإثارة مسؤولية الدولة يعد إدعاء منعدم الأساس القانوني لتعلق الأمر بتدابير احترازية اتخذتها الدولة في ظل الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية.

واعتبرت المذكرة أن الأمر يتعلق بإجراءات اتخذت في ظل ظروف إستثنائية، مما لا مجال معه للقول بتحمل الدولة أية مسؤولية طالما أن الأمر يتعلق بظروف غير عادية حسب قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ في 2005/11/02، وتكون العناصر التكوينية للمسؤولية الإدارية التقصيرية غير قائمة في هذه الدعوى.

تقرير الخبرة

تقرير الخبرة المنجز من طرف الخبير منير الزوبي والمؤشر عليه بتاريخ 2023/12/12، جاء فيه أن المدعية استفادت من تلقيح استرازينيكا بتاريخ 2021/02/05، ومباشرة بعد تلقيها الجرعة تعرضت للمضاعفات التالية: إحمرار - تنمل - هبات ساخنة.

وبعد عشرة أيام أصيبت بألم الرجلين من أسفل القدمين إلى الحوض نقلت على إثره إلى مصحة وتمت معاينتها وسمح لها بالخروج.

وبتاريخ 2021/02/20 تفاقم وضعها وربطت الاتصال بطبيب الطوارئ الذي عاينها وحقنها بالكالسيوم، وبتاريخ 2021/02/23 تفاقم وضعها إذ أصيبت بشلل الأطراف السفلية وتنملات ووجع حاد وشلل في الوجه مما اضطرها للذهاب إلى مستشفى السويسي بالرباط وتم تشخيص حالتها هناك بمتلازمة غيلان باري - Guillain Barré.

ثم بعد ذلك تمت معاينتها من طرف الدكتور نجيب بوطالب وشخص حالتها أنها تعاني من شلل الوجه المزدوج وشلل في الأطراف السفلية مع فقدان ردة الفعل مما استوجب القيام بالتخطيط الكهربائي للعضلات، وطلب منها إعادة التخطيط بعد 15 يوما.

وتم بالفعل إعادته إلا أنه لم يظهر علامات المرض، وبالتالي تم تشخيص المرض كلينيكيا وأخذ عينة من ماء النخاع الشوكي فثبت فيها أنها تعاني من متلازمة غيلان باري - Guillain Barre بصفة لا شك فيها، الأمر الذي يستوجب العلاج.

وحسب الخبير، الملف الطبي للمدعية يضم بين طياته شهادة طبية تثبت أنها تعرضت للمتلازمة المذكورة، وأخرى من توقيع الدكتور نجيب بوطالب لتفادي تلقي الجرعة الثانية من لقاح كورونا بعد تعرضها لمضاعفات بعد تلقيها الجرعة الأولى وشهادة موانع اللقاحات من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية وتقرير طبي يفيد العلاج في المستشفى وتقريرين طبيين للتخطيط الكهربائي للعضلات وحصص الترويض الطبي.

وتبين للخبير - أمام ذلك - وبعد دراسة دقيقة في البحوث العلمية التي ظهرت بعد فيروس كورونا، أن ما أصيبت به من متلازمة Guillain - Barré جاء نتيجة تلقيح كورونا، وقد توقفت عن ممارسة مهنتها منذ 2021/02/23 إلى غاية أبريل 2022 .

ولاحظ الخبير بعد الفحص السريري فقدان عضلة الوجه لقوتها وإسترجاع ردة الفعل وهناك توتر واكتئاب نتيجة هذه الحالة النفسية التي تمر منها، وحاليا تعاني من فقدان قوة عضلة الجانب الأيسر من الوجه، وهناك إضطراب في النوم وصداع الرأس، وأن العجز الكلي المؤقت هو 432,00 يوما ونسبة العجز الجزئي الدائم هي 15 في المائة.

رأي المدعية في تقرير الخبير

التمست المدعية الإشهاد على خلاصة الخبير الواردة بتقريره، مبرزة أن التقرير أغفل الإشارة إلى حالة الوهن الجسماني الذي تعاني منه بعد أبريل 2022 إذ فقدت القدرة على سياقة السيارة بين مقر سكناها بالرباط ومقر عملها بالقنيطرة، كما أن فقدان عضلة الجانب الأيسر من الوجه يؤثر على قدرتها في ممارسة عملها كأستاذة للتعليم العالي وكانت تشارك في منتديات عالمية للبحث العلمي - حسب دعوات حضور المؤتمرات خارج أرض الوطن - وتعذر عليها ذلك منذ إصابتها بالمتلازمة أعلاه، وأنها تكبدت مصاريف طبية.

رأي الوكيل القضائي للمملكة في تقرير الخبير

واعتبر الوكيل أن تقرير الخبرة خال من أية أسس موضوعية تبين الكيفية التي اعتمدها الخبير في تحديد نسبة العجز الجزئي الدائم، وأنه اقتصر على مجرد فحص الوثائق المدلى بها دون البحث عن الأسباب الحقيقية وراء الأضرار المزعومة والتي لا يمكن الوصول إليها إلا بالفحص الدقيق والمعمق للمدعية، وأن إصابتها بمتلازمة Guillain Barre كما تدعي غير مرتبطة باللقاح.

والتمس التصريح باستبعاد تقرير الخبرة من المناقشة مع ترتيب الآثار القانونية عن ذلك.

المسؤولية الإدارية للدولة

وسجل الحكم، أن المسؤولية الإدارية للدولة إما أن تكون مبنية على الخطأ الذي قد يكون شخصيا أو مرفقيا أو أن تكون مسؤولية بدون خطأ وهي مسؤولية مفترضة تطورت منذ ظهورها من نظرية المساواة ثم المخاطر لتنتهي بالتضامن، والتي تتحقق بمجرد حصول الفعل الضار وإثبات المتضرر كون الضرر الذي لحقه نتج مباشرة عن ذلك الفعل الضار بصرف النظر عن وقوع الخطأ من جانب الإدارة من عدمه.

وأبرز نص الحكم أنها هي المسؤولة عن المصادقة على لقاحات فيروس كورونا إذ تناط بمديرية الأدوية والصيدلة التابعة للإدارة المركزية بوزارة الصحة المدعى عليها مهمة تسليم التأشيرات والرخص لبيع المنتجات الصيدلية حسب المواد 03 و 04 و 10 من المرسوم رقم 2.94.285 الصادر بتاريخ 21 نونبر 1994 في شأن اختصاصات وتنظيم وزارة الصحة العمومية.

الدولة مسؤولة عن اللقاحات التي توافق عليها بغض النظر عن إجبارية التلقيح أو كونه إختياريا، فعندما تصدر موافقتها على لقاح ما يتعين أن يكون قرارها مدروسا ومن تم تتحمل مسؤوليتها الناتجة عن ذلك أمام مواطنيها ومسؤوليتها في هذه الحالة تقوم على أساس المخاطر ولا يكون المتضرر ملزما بإثبات الخطأ.

وتبين للمحكمة من خلال اطلاعها على تقرير الخبرة أنه استوفى الشروط الشكلية المتطلبة قانونا، واحترمت مقتضيات الحكم التمهيدي فضلا على أن الخبير استند بخصوص النتيجة التي انتهى إليها تشخيص المرض كلينيكيا وأخذ عينة من ماء النخاع الشوكي، وبعد إخضاعها للتخطيط الكهربائي للعضلات إلى معطيات واقعية مستمدة من الوثائق التي يضمها الملف الطبي للمدعية الموصوفة بتقريره.

وعمد الخبير إلى التصريح بأن ما أصيبت به من متلازمة Guillain - Barre جاء نتيجة تلقيح كورونا بعدما تأكد من وقام هو بفحص المدعية سريريا وبعد دراسة دقيقة في البحوث العلمية التي ظهرت بعد فيروس كورونا الأمر الذي يبقى ما أثاره الطرفان بخصوص تقرير الخبرة مخالف للواقع وغير قائم على أساس، بذلك يتعين بالتالي اعتماد التقرير المذكور كمنطلق لتكوين المحكمة قناعتها للبت في النازلة.