بدا سعد الدين العثماني سعيدا بما تحقق بعد عامين ونصف من توليه رئاسة الحكومة. هذا ما تجلى من عرضه حول ما أنجز من البرنامج الحكومي، الذي كرس على أساسه من قبل البرلمان. يتحدث العثماني عن حصيلة إيجابية وغنية بالإنجازات، غير أنه، عند النظر إلى الإنجازات على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، يبدو أن الحكومة، على بعد عامين ونصف من الانتخابات التشريعية، مازالت بعيدة عن بلوغ الأهداف التي حددتها، ما يرفع الضغط عليها في أفق انتخابات 2021.
نمو هش
كان لافتا التزام الحكومة ببلوغ متوسط نمو يتراوح في المتوسط بين 4,5 و5,5 في المائة، مع خفض معدل البطالة إلى 8,5 في المائة، غير أن بلوغ ذلك في البرنامج الحكومي يبدو صعبا، خاصة أن النمو يظل مرتهنا للتساقطات المطرية، في ظل عدم كفاية مساهمة القطاعات غير الفلاحية.
جاء النمو في العام الأول من عمر الحكومة واعدا، حيث وصل إلى 4,1 في المائة، قبل أن ينخفض إلى 2,8 في المائة في العام الماضي، بينما يتوقع أن يأتي دون 3 في المائة في العام الحالي، فالبنك المركزي يتوقع أن يستقر في حدود 2,7 في المائة، قبل الانتقال إلى 3,9 في المائة في العام المقبل. والثابت أن معدل النمو لن يأتي في مستوى انتظارات الحكومة في نهاية ولايتها.
رهان تتجه الحكومة نحو خسارته، كما سابقاتها، على اعتبار أن النمو يبقى مرتهنا للتساقطات المطرية، ما يضفي هشاشة أعمق على نوعية النمو الاقتصادي. تلك حقيقة تحيل على النموذج التنموي الطي لا يخلق النمو والشغل، حسب ما يؤكده وزير المالية الأسبق، محمد برادة، الذي يشير إلى أنه "خلال العشرين سنوات الأخيرة، كان معدل النمو متراوحا بين 3 و3,5 في المائة"، معلقا أن هذا غير كاف من أجل معالجة مشاكل البطالة، خاصة أن النمو سيء من حيث الكيف. إنه نمو يرتهن للتساقطات المطرية وشركائنا الخارجيين.
جمرة الشغل
وإذا كان رئيس الحكومة سعى إلى الإيحاء بحدوث تقدم في محاصرة البطالة، عبر التركيز على المعدل العام الذي تراجع إلى 10 في المائة إلى غاية مارس الماضي، مقابل 10,5 في المائة في الفترة نفسها من العام الماضي، فإن ذلك لا يخفي تفاصيل البطالة في المدن وبين الشباب والخريجين.
ويفترض في الحكومة التعاطي في ما تبقى من ولايتها مع أوضاع مقلقة على هذا المستوى، وهذا يجعل رئيس الحكومة يؤكد على أن التوجه نحو عقد الملتقى الوطني للتشغيل والتدريب ووضع خارطة طريق لترجمة توصياته، معبرا عن الرغبة في ترسيخ الحق في الشغل للمواطنين، خاصة للشباب منهم.
غير أنه يبدو أن الضغط سيرتفع على الحكومة من أجل الإسراع بابتكار مداخل جديدة لتوفير فرص العمل، خاصة في ظل وصول البطالة إلى 14,5 في المائة في المدن و24,1 في المائة بين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما، و17,1 في المائة بين الخريجين.
وإذا كانت الحكومة تجد صعوبات في إنعاش سوق الشغل، رغم بلورة استراتيجية أريد من ورائها توفير حوالي 1,2 مليون فرصة عمل، فإن الاقتصادي المغربي محمد الشيكر يعتبر أن الحكومة لا تقرر في مسألة توفير فرص العمل، معتبرا أنه يمكن لرئيس الحكومة مثلا أن يتحدث فقط عن التوظيف في إطار التعاقد، الذي جاء من أجل سد الخصاص في بعض القطاعات، التي عانت من ضعف التوظيف فيها بعد توصيات صندوق النقد الدولي الرامية إلى تقليص كتلة الأجور.
مستهلك ينتظر
يعتبر رئيس الحكومة أن السياسة التي يقودها ذات بعد اجتماعي خالص، حيث لا يكف عن التذكير بالبرامج التي ترمي إلى تقديم الدعم لبعض الفئات، ثم إنه بالإضافة إلى تأكيده على دعم القدرة الشرائية، عبر اتفاق الحوار الاجتماعي الموقع قبل فاتح ماي، يذكر بالمضي في دعم بعض السلع الأساسي عبر تسخير 18 مليار درهم في العام الحالي.
غير أنه رغم ذلك، يرى الشيكر أنه إذا كان رئيس الحكومة يختزل البعد الاجتماعي في المبادرات التي "تكرس مفهوم الصدقة، فإن ذلك لا يعبر عن توجه اجتماعي حقيقي، والذي يتجلى من خلال توفير الإمكانيات للطبقة المتوسطة كي تحرك الاقتصاد، وهي الطبقة التي ستشكل رافعة للفقراء".
ويشير إلى أن "بعض المبادرات الاجتماعية التي تتخذها الحكومة والتي تضفي عليها طابعا خيريا، تمس بكرامة المستفيدين منها، ما يفرض التعاطي مع البعد الاجتماعي من منظور اقتصادي، فتحريك عجلة الاقتصاد سيكون له تأثير على الجوانب الاجتماعية".
ولا يقنع حديث رئيس الحكومة حول التوجه الاجتماعي، بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، الذي يؤكد على أنه كان "يتوجب عليها التوجه نحو حماية القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، التي تعتبر صمام الاستقرار في أي بلد، غير أن هذه الطبقة تركت كي تواجه الغلاء ومصاريف إضافية لا قبل لها بها".
ويرى الخراطي أن الحكومة تسعى إلى "دفع المستهلك إلى التطبيع مع الزيادات التي تعرفها أسعار المحروقات بالمغرب"، معتبرا أن تصريحات الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة لحسن الداودي، حول التسقيف، والمتراوحة بين التبشير به وبين الحديث عن البحث عن توافق مع شركات المحروقات، هي "نوع من تنويم المستهلك"، رغم تكريسه كفاعل اقتصادي حاسم عبر حملة المقاطعة التي عرفها المغرب في العام الماضي.
عقار.. سكن
ويتجلى تراجع القدرة الشرائية أكثر على مستوى سوق العقارات، وهو القطاع الذي يلاحظ، أمين النجار، عضو رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، أنه لم يحظ باهتمام كبير في العرض الذي قدمه رئيس الحكومة حول حصيلة نصف الولاية، فلم يأت العرض بجديد يوضح الرؤية حول مستقبل القطاع.
ويعتبر النجار أنه يفترض في أية سياسة يراد من ورائها إخراج قطاع العقار من أزمته، في ظل أزمة الثقة التي ترسخت بين المشترين المحتملين والمنعشين العقاريين، وبين هؤلاء الأخيرين والأبناك، وبين الفاعلين في القطاع والسلطات العمومية.
ويرى النجار أن رهانات أي توجه من أجل إنعاش قطاع العقار بالمغرب يجب أن تستحضر انتظارات الأسر، التي تتطلع إلى سكن تتوفر فيها شروط الجودة المطلوبة وبأسعار تراعي قدرتها الشرائية.
ويتصور الاقتصادي إدريس الفينا أنه يفترض إعادة الاعتبار لقطاع العقار بالمغرب، مشيرا إلى أن القطاع يعاني من ركود ترسخ في الأعوام الأخيرة، وهو الركود الذي يؤشر عليه مستوى القروض البنكية واستهلاك الإسمنت.
ويشير إلى أن وزارة الإسكان والتعمير وسياسة المدينة "لم تأت برؤية جديدة يمكنها أن تتيح إنعاش قطاع العقارات"، مضيفا أن "العديد من الفاعلين في القطاع الخاص على مستوى العقار، ينتظرون من الحكومة اتخاذ المبادرة واقتراح ما يمكن أن ينعش القطاع".
فساد متجذر
يفترض في حكومة سعد الدين العثماني تدارك التأخر المسجل في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، الذي يعتبر العثماني أن الطريق أمام محاربته مازالت طويلا، رغم التفاؤل الذي يبديه بعد ربح المغرب 17 عشرة نقطة في ترتيب إدراك الرشوة في العامين الفارطين.
ويتصور أحمد البرنوصي، الكاتب العام لجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، فرع "تراسبارنسي الدولية"، أن ربح مراكز في الترتيب، لا يجب أن يفضي إلى إغفال أن المملكة توجد ضمن البلدان التي تعتبر فيها الرشوة، فعلا نسقيا ومتجذرا.
ويعتبر أن تدبيرا مثل الخط الأخضر، الذي يتيح التلبيغ عن المرتشين، لا يغني عن تدابير حقيقة لمواجهة الفساد، فذلك الخط لا يسمح بالتبليغ عن الرشوة الكبيرة، علما أن الفساد يكلف المغرب 50 مليار دولار سنويا، وهو مبلغ يمكن أن يساعد على بناء 150 مستشفى و300 مدرسة، حسب ما سبق أن عبر عنه رئيس الحكومة.
وكان تبني الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الرشوة قد جاء من أجل تحسين الخدمة العمومية المقدمة للمواطن، وضمان الشفافية والولوج للمعلومة، وتكريس المراقبة والمحاسبة، وتدعيم المتابعات القضائية والعقوبات التي تصيب أفعالا تحيل على الارتشاء، وتحسين نظام الطلبيات العمومية.
ويؤكد البرنوصي على أن الاستراتيجية الوطنية لم ينفذ منها سوى القليل، فهو يرى أن قوانين لم تصدر أو لم يجر تأهيلها، حيث يؤكد على ضرورة مراجعة قانون حماية المبلغين وضحايا الرشوة، وإخراج قانون الاغتناء غير المشروع إلى حيز الوجود، وإعداد قانون تضارب المصالح، وإعادة النظر في مسطرة التصريح بالممتلكات، كي يستعاض عن الاستثمارات الورقية بالإنترنيت، وقصر التصريح على الموظفين المسؤولين، مع جعل المعلومات حول ثرواتهم معلومة للجميع.
ويتصور بأنه يتوجب على الحكومة أن تتخذ تدابير تؤشر على نيتها في محاربة الفساد المستشري، متمنيا أن تعطى للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها الإمكانيات القانونية والبشرية كي تنجزها مهامها، فهو يعتبر أنه يجب تجاوز مكامن الضعف والقصور في القانون المنظم لعمل الهيئة، التي يفترض أن يسمح لها بالتحري والإحالة الذاتية وحق إحالة الملفات على القضاء.