انعقد، يوم أمس السبت بمراكش، الاجتماع الوزاري للتنسيق بشأن المبادرة الدولية للملك محمد السادس، لتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، وعرف، مشاركة مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.
ورغم عدم حضور موريتانيا والسنغال، إلا أنه لا يجب إغفال أن الإستراتيجية الملكية الأطلسية منصة جديدة لتحقيق إقلاع اقتصادي للبلدين عبر الواجهة الأطلسية، خاصة وأن من أولوياتها البعد التنموي المتشرك للجوار المغربي إلى جانب دول الساحل المشاركة في لقاء مراكش.
مشاريع على أرض الواقع دشنت للمبادرة
بدأت أولى بوادر التنمية الاقتصادي ببعدها التشاركي والمنافع المتبادلة مع دول الجوار، خاصة موريتانيا التي تجمعها الحدود مع المغرب، عبر إطلاق مشاريع مهيكلة؛ كالطريق السريع تيزنيت الداخلة، وميناء الداخلة الذي تتقدم أشغاله بوتيرة كبيرة، وسيكون له نشاط أكبر مع ميناء نواديبو؛ مما يحقق دفعة جديدة للاقتصاد الوطني الموريتاني، ومستقبلا السنغالي، وهما الشركين التقليديين للمملكة.
كما لا يمكن اغفال، أن ما ينتظر من المبادرة تحقيق ما تصبو إليه شعوب المنطقة، سواء تلك المطلة على الساحل الأطلسي؛ كموريتانيا ذات الحدود المشتركة مع المملكة أيضا السنغال، وكذلك باقي دول الساحل التي تجمعها بالمغرب علاقات ضاربة في التاريخ.
هنا وجب الوقوف على ما جاء على لسان وزير الشؤون الخارجية والتعاون والنيجريين بالخارج، بكاري ياو سانغاري، حين قال خلال لقاء يوم أمس، إن "المبادرة الدولية للملك محمد السادس الرامية إلى تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، نابعة من إرادة المغرب تعزيز التنمية المشتركة للقارة الإفريقية بشكل عام، ومنطقة الساحل بشكل خاص".
تنمية شاملة
ما يروم المغرب تحقيقه مع دول الساحل، تحقق جزء كبير منه مع دول الجوار في الجنوب؛ كموريتانيا التي تعرف العلاقات الاقتصادية معها طفرة نوعية (التبادلات التجارية بين ميناء كل من أكادير والداخلة مع ميناء نواديبو).
ورغم غياب موريتانيا والسنغال عن لقاء مراكش، بحكم أنهما دولتان مطلتان على الأطلسي، فإنهما دولتان معنيتان بشكل كبير بهاته الإستراتيجية الملكية التي ستجعل منهما أيضا منخرطتان في الدينامية الجديدة التي ستعرفها المنطقة ككل.
وذلك ما أكده الوزير سانغاري، بالقول إن "النيجر تقدم دعمها الكامل لهذه المبادرة المحمودة التي تعزز قناعاتنا وأمل ساكنتنا في الرفاه الذي تتطلع إليه بشكل مشروع".
موارد مشتركة
من بين ما تعاني من منه منطقة الساحل، عدم استغلالها مواردها الطبيعية والبشرية بشكل مشترك، فضلا عن صعوبة تحويلها نحو التصدير بالنظر إلى افتقاد أغلب دول المنطقة لمسالك بحرية. وسوف تمكن المبادرة الملكية هذه الدول من توظيف أفضل لمواردها واستثمارها ما سيحقق تنمية اقتصادية واجتماعية ستعود بالنفع أيضا على كل من موريتانيا والسنغال بالنظر إلى الدور الذي يمكن أن يلعبانه في المستقبل.
في هذا الصدد، صرح وزير الشؤون الخارجية والتعاون والنيجريين بالخارج: "نأمل أن تتيح هذه المبادرة الملكية فرصا حقيقية لاستغلال مواردنا وتحويلها وتسويقها، وتسريع الربط الإقليمي والتدفقات التجارية من أجل تحقيق الازدهار المشترك للمغرب ولبلدان الساحل".
وتابع المتحدث ذاته، أن "المبادرة الملكية تتماشى بشكل تام مع دينامية التكامل التي انخرطت فيها دول الساحل، لا سيما من خلال تحديث البنيات التحتية لهذه البلدان، وربطها بشبكات النقل والاتصال الموجودة في محيطها الإقليمي".
وشدد على أنه بفضل كافة الجهود التي يبذلها المغرب وبلدان المنطقة، فإن الساحل "لن يكون منطقة تفتقد للاستقرار وإنما منطقة مزدهرة".
استغلال الجماعات الإرهابية والانفصالية للتفكك
في سياق متصل بالاستغلال المشترك للموارد خدمة للتنمية الشاملة، وتأثير ذلك على الحياة اليومية للشعوب، وضمان أمنها واستقرارها، نبه وزير الشؤون الخارجية والتشاديين بالخارج والتعاون الدولي، محمد صالح النظيف، إلى أن "منطقة الساحل يجب أن تكون، منطقة للمبادلات الاقتصادية والثقافية داخل القارة الإفريقية وعبرها، معربا عن أسفه لأنها أصبحت، منذ 2013، أرضا خصبة للجماعات الإرهابية التي تتغذى على عدم الاستقرار الاجتماعي في القارة".
وتابع: أن "هذه الجماعات تقود بهدوء أنشطة الاتجار والتهريب العابرة للحدود الوطنية، مما يدر عليها الكثير من الموارد المالية"، مشيرا إلى أن "بلداننا أعادت توجيه غالبية مواردها الشحيحة، أي حوالي 30 في المائة من ميزانيتها إلى الدفاع والأمن على حساب التنمية".
كما شدد على ضرورة "إغلاق مصادر التمويل أمام الإرهابيين الذين يستخدمون شبابنا العاطلين ومواردنا المعدنية لزرع الإرهاب في بلداننا".
وأضاف أن "غياب الأمن يضر بشكل خطير بالتنمية، وعلى العكس من ذلك، فإن الهشاشة الاقتصادية تعزز النزاعات وانعدام الأمن".
منح الماء يعني منح الحياة
يتشارك المغرب مع موريتانيا والسنغال الاطلالة على المحيط الأطلسي، موقع سيتحول لشريان حياة مشترك، منذ إعلان المبادرة الملكية لولوج دول الساحل إلى المحيط.
هذه الانتظارات المشتركة، لخصها وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المالي، عبد الله ديوب بالقول:
"منح الماء يعني منح الحياة، والمغرب اختار منح البحر للدول غير الساحلية. وبالنسبة لدولة كمالي، التي تمتد على مساحة شاسعة تفوق مليونا و200 ألف كيلومتر مربع، ومحاطة بسبع دول مجاورة، فإن هذا العرض يشكل فرصة في كثير من النواحي".
كما شدد الوزير على أن المبادرة تتجاوز حدود التعامل الثنائي أو ما يفوقه بين دول المنطقة، بل هي فعل يؤكد على المشترك.
وأضاف في هذا الصدد أن السلطات المالية "تثمن هذه المبادرة الأخوية والتضامنية، وترى فيها التزاما من المملكة المغربية بإدراج عملها بما يتجاوز التعاون الثنائي، في إطار واسع النطاق لمقاربة تروم الاستجابة للتطلعات المشتركة، في الوقت نفسه، لسلطات وشعوب منطقة الساحل".
وأشار الوزير إلى أن المبادرة في المقام الأول، تهدف لفك العزلة عن البلدان المعنية، والذي "سيمكن من إعطاء دينامية للمبادلات سواء بين البلدان الإفريقية أو مع باقي العالم، وكل ما من شأنه أن يكون له تأثير على اقتصاداتنا، وخاصة عبر فسح المجال لتسويق منتوجاتنا، والمشاركة بشكل أفضل في التجارة العالمية، كذا تحسين الميزان التجاري لدولنا".
وتابع أن هذه المبادرة تفتح، أيضا، العديد من الآفاق، ولاسيما من حيث "تلاقح واندماج البلدان المعنية من خلال ساكنتها".
تحويل الإنتماء القاري إلى فرصة
خلال لقاء مراكش، ركز رؤساء دبلوماسية الدول الأربعة المشاركة على البعد القاري للمبادرة الملكية، وعدم حصرها فقط في من حضروا إلى عاصمة النخيل المغربية.
في هذا الصدد قال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإقليمي والبوركينابيين المقيمين بالخارج، كاراموكو جان ماري تراوري إن "بوركينا فاسو ترحب إيجابيا بكل مبادرة رامية إلى تحويل انتمائها القاري إلى فرصة، لأنه من الواضح أن بلداننا ظلت لزمن طويل فقيرة بسبب سياسات غير مناسبة".
وللإشارة، تم الإعلان عن المبادرة الملكية في الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الـ 48 للمسيرة الخضراء.
وحسب ما جاء في الخطاب الملكي، توفر هذه المبادرة "إمكانات غير مسبوقة، من شأنها تقديم حلول مناسبة لتعزيز الاندماج والتعاون الإقليميين، والتحول الهيكلي لاقتصادات هذه الدول الشقيقة بالمنطقة كلها، وتحسين الظروف المعيشية لساكنة دول الساحل والصحراء في إطار مقاربة مبتكرة ومندمجة لتعزيز استقرار وأمن المنطقة".