يبدو رئيس الحكومة سعد الدين العثماني سعيدا بما أنجزته حكومته في نصف ولايتها، فهو لا يكف عن التذكير بالطابع الاجتماعي لهذه الحكومة، هذا ما يدفع إلى طرح تساؤلات حول مدى تحقيق الفريق الحكومي الحالي لإنجازات تستجيب للانتظارات. ذلك ما يشكل محور الحوار التالي مع محمد الشيكر، الاقتصادي ورئيس مركز عزيز بلال للدراسات والأبحاث.
يقدم رئيس الحكومة سعد الدين العثماني حصيلة نصف الولاية الحالية لحكومته، ما هو تقييمكم لما لما أنجزته الحكومة على الصعيد الاقتصادي، مقارنة بالتزاماتها؟
لاأرى أن هناك التزامات للحكومة الحالية، فهي تطبق السياسات السارية قبلها. إن رئيس الحكومة منفذ لا يتوفر على برنامجه خاص به، فعمله يندرج ضمن الاستمرارية، ويطبق برنامجا لا يعود إليه. لا أرى أنه قام بشيء استثنائي يميزه عن غيره، وأنت ترى أنه علق في التسقيف، الذي يوضح قانون حرية الأسعار والمنافسة كيفية التعاطي معه. والظاهر أن رئيس الحكومة لا يستطيع فعل أي شيء لتطبيق سياسات اقتصادية واجتماعية تلبي انتظارات الناس.
عندما تقول إنه لا يستطيع فعل أي شيء، ماذا تعني بذلك؟
أنا أعني بذلك الدستور، فهو واضح على هذا المستوى. كل ما هو استراتيجي، لا يعود للمجلس الحكومي، بل للمجلس الوزاري، فرغم تبني دستور 2011، هامش التحرك الذي منح لرئيس الحكومة ضعيف، ويبقى مرتبطا بشخصية رئيس الحكومة. ونحن رأينا كيف تخلى رئيس الحكومة السابق عن تعيين مدراء ورؤساء مؤسسات عمومية. لم يفرض عليه ذلك، بل هو اختار ذلك.
العثماني علق في التسقيف، الذي يوضح قانون حرية الأسعار والمنافسة كيفية التعاطي معه
لكن يمكن للحكومة اتخاذ قرارات أو مبادرات من أجل إنعاش الاقتصاد، وأنت تلاحظ أنه منذ فترة، وتحديدا بعد المقاطعة، الاتحاد العام لمقاولات المغرب يتحدث عن الانتظارية...
هذا هو الوجه الحقيقي للاتحاد العام لمقاولات المغرب. وإذا كان من مسؤول عن الوضع الحالي، فهو الاتحاد العام لمقاولات المغرب، لأن مقاولين عندنا يركنون إلى الانتظارية ويعيشون من الريع، فالدولة انخرظت منذ 1993 في إصلاحات ذات بعد ليبرالي، فهل استطاع القطاع الخاص الأخذ بزمام الأمور على الصعيد الاقتصادي. وعموما لا أرى أنه بإمكان الحكومة التدخل من أجل إنعاش الاقتصاد.
لكن البعض يتصور أنه بإمكانهم اتخاذ قرارات أو مبادرات من أجل توضيح الرؤية للفاعلين الاقتصاديين؟
لعل أبرز دليل على عدم إحاطتهم بالاقتصاد الوطني، هو ذلك التخبط الذي وقعوا فيه بخصوص التسقيف، حيث لم يستطيعوا اتخاذ القرار أو التراجع عنه، والقطاع لا يختزل في مسألة التسقيف، بل هناك جوانب لا بد من التعاطي معها في شموليتها، فهناك تقارير تتحدث عن المشاكل المحتملة في التخزين والمخزون الاستراتيجي. يجب الإقرار ببعض الحقائق الاقتصادية، فعندما تنفي الحكومة مثلا انسحاب "بومبارديي" الكندية، فهي تريد أن تخفي الشمس بالغربال، لا شيء يضمن أن المصنعين الكبار الذين راهنت عليهم الحكومة، لن يغادروا المغرب، في إطار توجه جديد يعرف بإعادة التوطين. أنا أتصور أننا نعاني من خصاص على مستوى الأشخاص الذين يتوفرون على الرؤية والقدرة على ترجمة سياسات بنفس اقتصادي واجتماعي.
الحكومة لا تقرر في مسألة توفير فرص الشغل، هذه مسألة تتجاوزها
هل يمكن أن يبلغ هدف خفض البطالة إلى 8,5 في المائة في نهاية الولاية، علما أن المندوبية السامية للتخطيط، تشير إلى أنها وصلت على الصعيد الوطني إلى 10 في المائة؟
الحكومة لا تقرر في مسألة توفير فرص الشغل، هذه مسألة تتجاوزها. يمكن لرئيس الحكومة أن يتحدث فقط عن التوظيف في إطار التعاقد في التعليم من أجل سد الخصاص المسجل في الوظائف في هذا القطاع. وهو خصاص يعاني منه كذلك قطاع الصحة. هذا الأمر لا يعود له، لم يدرج في برنامج حكومة سعد الدين العثماني، بل هو نتيجة السياسات التي طبقت من قبل، حيث لم يكن يجري الاهتمام بتكوين الأساتذة والممرضين، لأنه في أواخر التسعينات وبداية الألفية الثالثة، شرع في التراجع عن ذلك النوع من التكوين، لأن صندوق النقد الدولي كان يوصي بتقليص التوظيف من أجل التحكم في كتلة الأجور.
بعد اتفاق الحوار الاجتماعي الأخير، اعتبر انه تقدم كثيرا في تنفيذ الالتزامات الواردة في برنامجها؟
لم يتوصل رئيس الحكومة لاتفاق الحوار الاجتماعي الأخير، فالذي فاوض النقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب، وزير الداخلية. ووزارة الداخلية هي من وزارات السيادة.
عندما تستمع لتصريحات قادة الأحزاب المشاركة في الحكومة، تتساءل حول دور رئيس الحكومة
لكن وزارة الداخلية تمثل الحكومة...
يجب أن نتساءل حول ما إذا كنا نتوفر على حكومة حقيقية. فعندما ننظر إلى هذه الأخير، نلاحظ أن كل مكون من مكوناتها منشغل بموقع حزبه، وعندما تستمع لتصريحات قادة الأحزاب المشاركة في الحكومة، تتساءل حول دور رئيس الحكومة. وعندما تتناول مسألة الحوار الاجتماعي، لا بد أن تتساءل حول السبب الذي دفعه إلى إسناد التفاوض لوزارة الداخلية، عوض تكليف وزارة الشغل والإدماج الاجتماعي بذلك.
لقد أوحى بأنه تفادى أن يربط الوصول إلى اتفاق يشرف عليه بالانتخابات التشريعية المقبلة...
إن حلفاءه، مثل التجمع الوطني للأحرار، لم يكونوا سينظرون بعين الرضا لمسألة قيادته للحوار مع النقابات و"الباطرونا" والتوصل لاتفاق برعايته، فهم يخشون أن يحسب ذلك لحزب رئيس الحكومة. إنهم يتصرفون ضمن منطق لا يخرج عن الدستور، فبنكيران أو العثماني، ليست لهما القدرة على الإقناع بإمكانية التفويض لهما، علما أن التفويض وارد في الدستور.
نحن نرى أن الطبقة المتوسطة غير حاضرة في المنطق الاقتصادي للحزب الذي يقود الحكومة
لكن رغم ما يقال يؤكد رئيس الحكومة على أن حكومته ذات نفس اجتماعي..
هذا الخطاب ردده بنكيران نفسه، ماذا يعني بالنفس الاجتماعي؟ إذا كان يختزله في المبادرات التي تكرس مفهوم الصدقة، فإن ذلك لا يعبر عن توجه اجتماعي حقيقي، والذي يتجلى من خلال توفير الإمكانيات للطبقة المتوسطة كي تحرك الاقتصاد، وهي الطبقة التي ستشكل رافعة للفقراء. ونحن نرى أن الطبقة المتوسطة غير حاضرة في المنطق الاقتصادي للحزب الذي يقود الحكومة، فهم يختزلون الفئات في المجتمع إلى فقراء وأغنياء. وبعض المبادرات الاجتماعية التي تتخذها الحكومة والتي تضفي عليها طابعا خيريا، تمس بكرامة المستفيدين منها، مايفرض التعاطي مع البعد الاجتماعي من منظور اقتصادي، فتحريك عجلة الاقتصاد، سيكون لها تأثير على الجوانب الاجتماعية.