فاجأت المقاطعة حكومة سعد الدين العثماني في العام الماضي، حيث برز المستهلك كفاعل اقتصادي لا يمكن تجاهل انتظاراته، في هذا الحوار، بعد عامين ونصف من عمر الحكومة الحالية، نتعرف مع بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، على حصيلة فريق العثماني في مجال حماية المستهلك وصيانة قدرته الشرائية.
ماهي التدابير التي اتخذت من قبل حكومة سعد الدين العثماني، خلال عامين ونصف من عمرها، من أجل حماية القدرة الشرائية للمستهلك؟
تجاهلت حكومة سعد الدين العثماني، خلال عامين ونصف مطالب المستهلك المغربي، حيث لا تستجيب لمطالبه، باستثناء، بعض التدخلات التي جاءت في سياق المقاطعة من أجل معالجة هذا المشكل، الذي ما كان لينفجر لو احترمت القوانين الرامية إلى حماية المستهلك، وتلك ذات الصلة بحرية الأسعار والمنافسة
لا يعقل أن يباع المنتوج المغربي بأوروبا بسعر أقل من السعر المعمول به في السوق المحلية
ماهي التدابير التي كان يفترض في الحكومة اتخاذها منذ توليه الأمر؟
كان يتوجب عليها التوجه نحو حماية القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، التي تعتبر صمام الاستقرار في أي بلد، غير أن هذه الطبقة تركت كي تواجه الغلاء ومصاريف إضافية لا قبل لها بها. زد على ذلك، أنا افتقدنا للوضوح في السوق، خذ مثلا القطاع الفلاحي، فهناك نوع من الدعم، الذي تخص به الدولة المنتجين، سواء عبر ما توفره من مخصصات مباشرة أو من النظام الجبائي الاستثنائي الذي يتمتع به المنتجون، إلا أنه رغم ذلك الدعم، فإن المستهلك، يكون ضحية ارتفاع الأسعار، كما حدث ويحدث اليوم بالنسبة للبصل أو الحمص في العام الماضي. ولا يقتصر الأمر على المنتجات الفلاحية، فنحن نسجل أن هناك قطاعات تحظى بدعم عبر الأموال العامة، غير أن أسعارها غالبا ما تكون مرتفعة. فلا يعقل أن يباع المنتوج المغربي بأوروبا بسعر أقل من السعر المعمول به في السوق المحلية.
ما تفسيركم لهذا التردد في تفعيل تدبير تسقيف أرباح شركات المحروقات، الذي التزمت به الحكومة، رغم تخفظ مجلس المنافسة؟
يبدو أن لسان حال الحكومة في تدبير العديد من الملفات ذات الصلة بالمستهلك يقول :" كم من حاجة قضيناها بتركها"، فالحكومة تحاول دفع المستهلك إلى التطبيع مع الزيادات التي تعرفها أسعار المحروقات بالمغرب، ونحن نرى أن تصريحات وزير الشؤون العامة والحكامة، لحسن الداودي، حول التسقيف، والمتراوحة بين التبشير به وبين الحديث عن البحث عن توافق مع شركات المحروقات، هو نوع من تنويم المستهلك، هذا ما بدأ يفقد الثقة في هذه الحكومة.
السماح بتفشي الفوضي في السوق من تحقيق نوع من " السلم"، سيجعل صعبا تطبيق القانون بعد ذلك
ماهي المبادرات التي اتخذت من أجل حماية المستهلك من إضفاء نوع من الشفافية في السوق، خاصة في ظل حديث الجميع عن ممارسات تخالف قانون حرية الأسعار والمنافسة، من قبيل تلك التي تتعلق بتدخل الوسطاء؟
سأسوق مثلا حول ممارسة فيها خرق واضح للقانون تجري في هذه الأيام بمدن مثل الدار البيضاء وأكادير، فتحت ذريعة خفض أسعار الأسماك، تعمد بعض الشركات إلى بيع السمك المجمد مباشرة للمستهلكين. توفير الأسماك بأسعار تراعي القدرة الشرائية للأسر المغربية أمر محبذ، غير أن بيع السمك المجمد يجب أن يتم ضمن شروط لا يمكن قبول الانزياح عنها، فالبيع المباشر لتلك المادة فيه تهديد لصحة المستهلك المغربي، ما يطرح التساؤل حول آليات المراقبة، التي يفترض تطبيق القانون، الذي ينص على أن السمك المجمد، يجب يكون محفوظا في درجة حرارة محددة. ويتجلى أن سعي الحكومة لعدم مواجهة المشاكل وحماية المستهلك، يدفعها إلى غض الطرف عن مثل هذه الممارسات، التي ليست سوى غيض من فيض الخروقات التي تسجل في السوق، لكن السماح بتفشي الفوضي في السوق من أجل تحقيق نوع من " السلم"، سيجعل صعبا تطبيق القانون بعد ذلك.
ما الجديد في مجال التشريع الرامي إلى حماية المستهلك في عهد حكومة سعد الدين العثماني؟
في مجال التشريع في مجال حماية المستهلك، لم يكن هناك أي جديد، فالترسانة القانونية كانت موجودة، غير أن العام الماضي شهد تفعيل المقتضي الخاص بحق التقاضي المخول لجمعيات حماية المستهلك، غير أن ذلك الحق يواجه صعوبات في التفعيل بعد صدور ذلك النص، فلا يمكن لجمعية لحماية المستهلك أن تلجأ للقضاء إلا بعد إذن الوزير الوصي على القطاع المعني بالشكاية. فعندما ترغب في مقاضاة مصحة خاصة، يفترض فيك الحصول على إذن من وزير الصحة، وعندما تسعى لمقاضاة فاعل في مجال النقل، يتوجب عليه الحصول على إذن وزير النقل. وأتصور أن حق التقاضي لا يفيد، بسبب تعقيد المسطرة، زد على ذلك، أنه سيصعب الحصول على إذن من وزير بمقاضاة وزارته.
السماح بتفشي الفوضي في السوق من تحقيق نوع من " السلم"، سيجعل صعبا تطبيق القانون بعد ذلك
هل الحسم في مسألة إصدار مدونة للمستهلك ممكن؟
فكرة مدونة للمستهلك جاءت في خطاب للملك في 2008، حيث نعتبر مسألة إحداث مدونة للمستهلك أمرا مستحبا ومفيدا للمستهلك، غير أن الحكومات المتوالية لم تسع إلى ترجمة الفكرة إلى واقع، ونحن نتصور أن إحداث مدونة أمر جيد، في نفس الوقت الذي يفترض إحداث وزارة للمستهلك، كما في بلدان أخرى، عوض توزيع شؤونه بين أكثر من عشرة وزارات.
هل غيرت المقاطعة من طريقة تعاطي الحكومة مع المستهلك والجمعيات العاملة من أجل حمايته؟
المقاطعة كرست المستهلك كفاعل اقتصادي لأول مرة في تاريخ المغرب، وأفضت إلى تغير طريقة تعاطي السلطات العمومية مع جمعيات حماية المستهلك، التي كانت تدعو إلى احترام قانون حرية الأسعار والمنافسة وحماية المستهلك، لكن دعواتها لم تكن تجد التجاوب المفروض. وساهمت المقاطعة في التسريع بإعادة بعث مجلس المنافسة، كما كانت وراء استحضار المستهلك في تشكيله.