مطلع الأسبوع الجاري، قال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، خلال ندوة صحفية، بعد استقبال نظيره الموريتاني، محمد سالم ولد مرزوك: "تحدثنا عن الدور الأساسي لموريتانيا في إطار المبادرة الملكية لتمكين دول الساحل من الوصول إلى المحيط الأطلسي".
وأضاف بوريطة، بمقر وزارة الخارجية بالرباط، أن "موريتانيا لها دورها ومكانتها، وهي فاعل أساسي في هذه المبادرة".
هذا حديث التصريحات الدبلوماسية. فماذا عن الواقع هناك في موريتانيا، ومدى قناعة أبناء البلد الجار، مسؤولين وفاعلين، في أن مبادرة الملك محمد السادس تحمل معها ما يخدم وطنهم واقتصاده؟ وهل ستغير المبادرة نظرتهم إلى الفرص التي يوفرها المنفذ إلى المحيط الأطلسي؟
أسئلة طرحها "تيلكيل عربي"، خلال تواجده ببلاد المرابطين، خلال الأسبوع الأول من العام الجديد. وكانت الأجوبة على لسان من يعرفون جيدا خبايا الدولة وحاجياتها.
يجب أن نتصالح مع المحيط
قبالة سواحل نواكشوط، جالس "تيلكيل عربي" أطرا من موريتانيا حول مائدة غذاء زادها ما يخرج من بطن مياه محيط البلد.
وخلال تبادل أطراف الحديث، مع التأكيد على أن تجاذبه يدخل في صميم عمل صحفي سوف تنشر تفاصيله، حال العودة إلى المغرب، تكررت عبارة أكثر من مرة، وهي:
"في موريتانيا أدرنا ظهرنا للمحيط ولم نعرف قيمته إلا متأخرين".
هذه القناعة جاءت على لسان الإطار الموريتاني الكبير وأحد رجالات الدولة، أمبارك ولد بيروك.
المستشار السابق لدى رؤساء موريتانيا مقتنع بأن "أهم تحول يجب أن يطرأ داخل الدولة، هو تغيير القناعات الاجتماعية والثقافية لدى الشعب الموريتاني، وإحداث طفرة في نمط عيشه الذي يرى في البحر فضاءات للاستجمام لا غير".
"موريتانيا غدا" كانت أول مؤسسة صحفية مستقلة، سنوات الثمانينيات، أسسها أمبارك ولد بيروك. ومنذ تلك الفترة، كانت عنده قناعة بأن الغد الأفضل لأبناء شعبه هو الاستثمار تجاه المحيط، وليس مواصلة التمدد عمرانيا فقط في عمق الصحراء.
قرب الفضاء الساحلي، حيث كانت جلسة الغذاء، مشروع عقاري وسياحي ضخم جدا وضع أسسه عدد من المستثمرين القطريين، لكنه عرف تعثرات كثيرة خلال التسويق له.
والسبب حسب مسؤول رفيع من وزارة الاقتصاد الموريتانية تحدث لموقع "تيلكيل عربي"، هو "عدم الاقتناع بالفرص الواعدة التي يمكن أن توفرها الوجهة المحيطية الموريتانية".
وأضاف: "رؤوس الأموال، سواء الوطنية أو الأجنبية، تربط ضخ أموالها عندنا بقطاعات الخدمات والأبناك والاتصالات، بالإضافة إلى قطاع المناجم، ومؤخرا هناك اهتمام بالفلاحة، لكنه يبقى محدودا بالنظر إلى الطبيعة المناخية للبلاد".
واعتبر المتحدث ذاته أن "هناك إمكانية لخلق الثروة من الاستثمار في الواجهة الأطلسية الموريتانية".
"لدينا خمسة موانئ بالبلاد، من بينها ميناء (الصداقة) الذي يبعد عن العاصمة نواكشوط بحوالي 15 كلم. ومع ذلك، يستمر الاعتماد على تفريغ شحنات كبيرة تصل إلى موريتانيا برا، بميناء داكار في السينغال؛ ما تترتب عنه أعباء مالية ولوجيستيكية إضافية"، يقول المسؤول الرفيع بوزارة الاقتصاد الموريتانية.
موانئ موريتانيا
قبل مواصلة الخوض في نقل ما يفكر فيه الموريتانيون والموريتانيات، من خلال الاستماع لنخبهنّ، ولأن ما يعرفه المغاربة عن البلد الجار قليل جدا، وجب هنا سرد ما تتوفر عليه البلاد من موانئ، للتعريف بها، وعددها خمسة.
تعريف اعتمد للأمانة على البحث مع التدقيق في المعطيات التي وصل إليها "تيلكيل عربي".
ونبدأ بميناء "نواذيبو" الأكبر بالبلاد، ويقع في شمال موريتانيا، ويتم من خلاله تصدير أقوى ما تنتجه من معادن؛ وهي الحديد والنحاس، بالإضافة إلى الثروة السمكية؛
ثم يأتي ميناء "الصداقة" بالعاصمة نواكشوط، والذي تم إنشاؤه بدعم وتعاون مع جمهورية الصين الشعبية، ويتم من خلاله تصدير مجموعة من المواد؛ أبرزها الصخور الزيتية وبعض المنتجات الاستهلاكية، لكنه يطرح تحديات بيئية، ولم يُخلص البلد من استمرار الاعتماد على ميناء العاصمة السنغالية لوصول حاجيات الدولة، خاصة عندما يتعلق الأمر بتفريغ شحنات ضخمة؛
"ميناء زويرات" الذي يقع شمال موريتانيا، ويعتمد عليه كمكمل لأدوار "ميناء نواذيبو" في تصدير المعادن؛
"ميناء كرمسين"، ميناء صغير يستقبل، بالأساس، نشاطات الصيد البحري؛
ثم أخيرا، "ميناء روصو" الذي يقع وسط موريتانيا، ويستخدم للربط في نقل المنتجات الفلاحية والمواد الغذائية.
"كرم إفريقي.. أطلسي"
حين سؤالها عن المبادرة الملكية الأطليسة، قالت الدكتورة تربه عمّار، رئيسة جمعية الأطر الموريتانيين خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس المغربية: "سوف ألخص لكم الموقف بالقول إن المغرب يمتلك شعبا يمتاز بثقافة الكرم. وهذا الكرم أصيل ومتأصل في كل بيت مغربي. يكفي أننا لم نشعر بالغربة نهائيا حين دراستنا في المغرب".
وأضافت: "كل ما يصدر عن المغرب قيادة وشعبا نابع من جذور دولة ممتدة لقرون ولها روابط قوية بإفريقيا".
وفي حديث جانبي معها، شددت الدكتورة تربة عمار، رئيس الجمعية التي ينتسب إليها 70 في المائة من إطارات وأطر الدولة الموريتانية، على أن "المبادرة الملكية سوف تعود بالنفع على كافة دول المنطقة، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. كما ستعزز قيم الروابط بين الجنوب والشمال في المنطقة".
بدورها، اعتبرت سارة أحمد، الناطقة الرسمية باسم "اتحاد مؤسسات النساء"، وهي جمعية تضم أكثر من 50 ألف امراة اقتحمن مجالات الاستثمار، أن فتح المحيط الأطلسي أمام دول جنوب الصحراء والساحل سوف ينعكس إيجابيا على النسيج الاقتصادي الموريتاني، خاصة المرأة.
كيف؟ تجيب المتحدث ذاتها بالقول:
"من بين المنتسبات لاتحاد المؤسسات، نساء يستثمرن في وكالات الأسفار السياحية، وهذا المجال يعتمد بالأساس عندنا على سياحة الأعمال. إذن، الأكيد أن هذا القطاع سوف ينتعش بانتعاش الربط بين عمق جنوب الصحراء ووسط القارة مع منافذ نحو المحيط الأطلسي".
مكاسب سياحة الأعمال
في هذا الجانب، أوضحت مسيرة فندق "نواكشوط" عائشة، وهي مغربية تنحدر من مدينة الدار البيضاء، أن "جل من يأتون إلى العاصمة يحلون بها من أجل العمل، بالإضافة إلى عدد من الأجانب عشاق السياحة بالمناطق الصحراوية".
لكن، وبحسب المتحدثة ذاتها، تبقى سياحة الأعمال ركيزة نشاط الفنادق بموريتانيا.
هذا المعطى، طرحه "تيلكيل عربي" على مصدر رفيع بمكتب السياحة الموريتاني، خلال زيارة لمقره المقابل لبناية وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية بالعاصمة نواكشوط.
وأكد المصدر في حديثه لموقع "تيلكيل عربي" أن "انتعاشة النشاط الاقتصادي والتجاري على مستوى سواحل موريتانيا، سوف ينعكس بشكل إيجابي كبير على النشاط السياحي".
كما شدد على أن "خصوصية النشاط السياحي في موريتانيا تعتمد بالأساس على الترويج للموروث الثقافي، والطبيعة غير المتوفرة من حيث خصائصها في عدد من الدول، لكن تبقى سياحة الأعمال على رأس قائمة الوافدين على البلد، في المبادرة الملكية لفتح المنفذ البحري لأربع دول سوف يفتح، مما لا شك فيه، فرصة لتنمية وصول سياح الأعمال من هذه الدول".
تذكير
انعقد، يوم السبت 23 دجنبر من العام الماضي، بمراكش، الاجتماع الوزاري للتنسيق بشأن المبادرة الدولية للملك محمد السادس، لتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، وعرف مشاركة مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.
ورغم عدم حضور موريتانيا والسنغال، إلا أنه لا يجب إغفال أن الاستراتيجية الملكية الأطلسية منصة جديدة لتحقيق إقلاع اقتصادي للبلدين عبر الواجهة الأطلسية، خاصة وأن من أولوياتها البعد التنموي المتشرك للجوار المغربي إلى جانب دول الساحل التي شاركت في لقاء مراكش.
ولأن المناسبة شرط، يجب التذكير بأن أولى بوادر التنمية الاقتصادية ببعدها التشاركي والمنافع المتبادلة مع دول الجوار، خاصة مع موريتانيا التي تجمعها الحدود مع المغرب، بدأت عبر إطلاق مشاريع مهيكلة؛ كالطريق السريع تيزنيت الداخلة، وميناء الداخلة الذي تتقدم أشغاله بوتيرة كبيرة، وسيكون له نشاط أكبر مع ميناء نواديبو؛ مما يحقق دفعة جديدة للاقتصاد الوطني الموريتاني، ومستقبلا السنغالي، وهما الشريكان التقليديان للمملكة.
كما لا يمكن إغفال أن ما ينتظر من المبادرة هو تحقيق ما تصبو إليه شعوب المنطقة، سواء تلك المطلة على الساحل الأطلسي؛ كموريتانيا ذات الحدود المشتركة مع المملكة، وأيضا السنغال، وكذلك باقي دول الساحل التي تجمعها بالمغرب علاقات ضاربة في التاريخ.
وهنا وجبت العودة إلى ما جاء على لسان وزير الشؤون الخارجية والتعاون والنيجريين بالخارج، بكاري ياو سانغاري، حين قال، خلال لقاء مراكش، إن "المبادرة الدولية للملك محمد السادس الرامية إلى تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي نابعة من إرادة المغرب في تعزيز التنمية المشتركة للقارة الإفريقية، بشكل عام، ومنطقة الساحل، بشكل خاص".
وأجمع مسؤولو خارجية الدول الأربعة على أن "ما يروم المغرب تحقيقه مع دول الساحل، تحقق جزء كبير منه مع دول الجوار في الجنوب؛ كموريتانيا التي تعرف العلاقات الاقتصادية معها طفرة نوعية (التبادلات التجارية بين ميناء كل من أكادير والداخلة مع ميناء نواديبو)".
ورغم غياب موريتانيا والسنغال عن لقاء مراكش، بحكم أنهما دولتان مطلتان على الأطلسي، فإنهما دولتان معنيتان، بشكل كبير، بهاته الاستراتيجية الملكية التي ستجعل منهما، أيضا، منخرطتان في الدينامية الجديدة التي ستعرفها المنطقة ككل.
وذلك ما أكده الوزير سانغاري بالقول إن "النيجر تقدم دعمها الكامل لهذه المبادرة المحمودة التي تعزز قناعاتنا وأمل ساكنتنا في الرفاه الذي تتطلع إليه، بشكل مشروع".
وبصم عليه بالتشديد على قيمتها وزارء خارجية الدول الذين حلوا بالمغرب، نهاية العام المنصرم، لإعلان انخراط بلدانهم التام في المبادرة التي يمكن أن تكون عنوان استقلال اقتصادي وتجاري إفريقي صرف، بعيدا عن مزايدات التفكيك واستغلال اللاستقرار ، ومواصلة الرهان على التفكك عوض التكامل واحترام سيادة الدول على ترابها واستقلالية قرارها الوطني والإفريقي.