الوجه الخفي لزراعة الشعر في تركيا.. سياحة تغري المغاربة

تيل كيل

بفضل أثمنة مغرية وخبرة معترف بها دوليا، تساهم زراعة الشعر في تنشيط الصناعة السياحية التركية التي تعاني من الركود منذ 2016. هذا النوع الجديد من السياحة يستهوي الكثير من المغاربة.

بعد أن كانت رمزا للاحتجاج على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 2013، صارت ساحة "تقسيم" في قلب استمبول، اليوم، مركزا للرؤوس المتورمة، الملفوفة في الضمادات المعقمة. أصحابها لم يصابوا بالغازات المسيلة للدموع أو الرصاص المطاطي في مظاهرة ما، بل هم يخوضون معركة مع عدو آخر: الصلع. فالسياحة الطبية من القطاعات التي تطورت بشكل سريع ومدهش خلال العقد الأخير في تركيا. إذ حسب أرقام الجمعية الدولية للسياحة الطبية بإستمبول، انتقل العام الماضي حوالي 700 ألف شخص إلى ضفاف مضيق البوسفور للاستسلام لمشرط الجراحة، من زراعة عضو من الأعضاء إلى شفط الدهون مرورا بعلاج الأسنان. وتقترح تركيا على زوارها الخضوع لعمليات جراحية بأثمنة زهيدة جدا (90% أقل من باقي العالم).

فبينما كانت السياحة في تركيا تشهد تدهورا كبيرا منذ 2016 بسبب الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها البلاد (بعضها منسوبة لتنظيم داعش وبعضها الأخر مرتبطة باستئناف المواجهات مع الحزب العمالي الكردي)، راهنت حكومة أنقرة على السياحة الطبية. والهدف: استقطاب مليوني زائر في أفق 2023، أي موارد مالية تزيد عن 20 مليار دولار. كما أن تركيا أعلنت في 2018 عن سلسلة من القوانين والتحفيزات الجديدة لجذب مزيد من الاستثمارات في هذا القطاع، ومنها بالخصوص إعفاء السياح الذين يخضعون لعلاجات طبية بالبلاد من الضريبة على القيمة المضافة.

أثمنة مغرية جدا

ويظل عصب الحرب في هذا السياحة الطبية هو زراعة الشعر. وتوجد العديد من المؤسسات الطبية المتخصصة في هذه الجراحة، ويتم التواصل معها في الغالب بالواتساب، الذي يتم عبره تبادل رموز الإيموجي وصور تظهر حالة الشعر قبل وبعد الزراعة، وبالكثير من الرسائل الصوتية بالعربية أو الإنجليزية، وغالبا ما تنقلها أصوات نسوية لها لكنة سورية أو لبنانية.

وقد جذبت عمليات زراعة الشعر اكثر من 100 ألف شخص، أغلبيتهم رجال من شمال إفريقيا والشرق الأوسط. "هذا الأقبال يرتفع بـ40% كل سنة" يقول الدكتور "أتشار" من مصحة "كوسميديكا"، إحدى المؤسسات الطبية الرائدة في السوق التركية(...)

ويحكي المهدي، هذا البيضاوي ذو الـ37 عاما، تجربته التركية قائلا "أردت زراعة الشعر بطريقة 'استخلاص الوحدات المسامية' بالمغرب. اتصلت بإحدى المصحات بمراكش. ولكن لما انتقلت إليها، اكتشفت أنها مجرد مكتب لاصطياد الزبائن ويتعامل مع مصحة خاصة لإجراء هذه العمليات. ولم تكن لديهم أي متابعة طبية بعد إجراء العملية. بالتالي، قررت الذهاب إلى تركيا، كانت تكاليف العملية هناك أرخص من المغرب، مع أنها تضمنت نفقات الرحلة والإقامة بالفندق والعملية الجراحية والمتابعة الطبية...". فزراعة الشعر في تركيا ليست مجرد عملية طبية، إذ تقترح كل المصحات هناك تقريبا "فورفيات" تشمل كل شيء على غرار ما تقترحه سفن الرحلات البحرية أو الإقامات السياحية. إذ تتكلف هذه المصحات بالزبون منذ نزوله من الطائرة: سائق خاص، ثلاث ليال في الفندق مع الفطور، تحاليل الدم، الأدوية، التأمين والمتابعة بعد العملية. إنه حقا سفر طبي يتحول إلى رحلة سياحية يمكن للمرء أن يصحبها خلالها زوجته وأبناءه.

وتتحدى الأثمنة المقترحة كل منافسة. إذ تتراوح ما بين 10 آلاف و35 ألف درهم لـ"فورفي" كامل، حسب مستوى المصحة وطبيعة العملية المطلوبة، وهذا أقل بالنصف من الثمن المعمول به في أوروبا أو الولايات المتحدة أو بلدان الخليج. اما في المغرب فالأثمنة قريبة من نظيرتها التركية ولكن "تركيا هي الرائدة والمتخصصة في زراعة الشعر" حسبما تقول مستخدمة في إحدى مصحات إستمبول في اتصال عبر الواتساب.

ممارسات غير سليمة

ولكن المنافسة الشديدة (هناك حوالي 400 مؤسسة في استمبول فقط) تدفع بالعديد من المصحات إلى البحث عن تقليص التكاليف ما أمكن لتقديم عروض مغرية للزبناء. ويقول المدير العام لإحدى أكبر هذه المصحات في تصريح غير رسمي"مزيدا من المصحات توظف أشخاصا غير مؤهلين. فالزبون يأخذ موعدا مع الطبيب ولكن في النهاية أحد مساعديه هو الذي يجريالعملية، ولا يتدخل الطبيب سوى في حال حدوث مضاعفات. وخلال زيارات المراقبة التي تقوم بها وزارة الصحة، يتم حسم الأمور بدفع الرشاوى".

أدت هذه الممارسات غير القانونية إلى ظهور اقتصاد سري يعتمد على اللاجئين السوريين. وإذا كانت كل المصحات التي اتصلنا بها تنفي تشغيل مستخدمين سوريين، فإن واحدة ممن تواصلنا معها عبر الواتساب اعترفت لنا بأنها سورية، ولكنها رفضت الخوض في الموضوع خوفا من تداعيات ذلك على عملها. فهؤلاء العمال السوريون لا يتوفرون على رخص عمل ولا على ضمان اجتماعي. وحسب المعطيات الأخيرة للمفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة، فإن 3.6 ملايين لاجئ سوري من أصل 5.6 ملايين يعيشون في تركيا. وينشط أغلبهم في القطاع غير المهيكل، ويتقاضون في المعدل أجرا لا يتعدى 2600 درهم في الشهر.

ويقول المدير العام نفسه "إنها ظاهرة مستشرية في هذا القطاع ولكن لا يريد أي أحد الحديث عنها. والحال أن هؤلاء العمال ضحايا لاستغلال كبير، فهم يشتغلون ليل نهار، وإن لم يردوا على مكالمة ما أو لم يبلغوا كوطا معينة، يمكن أن يفقدوا عملهم". إن العمل في مجال زراعة الشعر بتركيا رهين في نهاية المطاف بشعرة واهنة !

معايير أوروبية؟

بعد أن كان متخلفا عن الركب لزمن طويل، صار النظام الصحي التركي شبيها بباقي بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي، ومعظم بلدان الاتحاد الأوروبي. فقد شرعت الحكومة في 2017 في تطوير نظامها الصحي لملاءمته بالمعايير الأوروبية. إذ يجب على كل مقاولة متخصصة في الرحلات الطبية التي تتعامل مع مرضى دوليين، أن تحصل على ترخيص من طرف وزارة الصحة التركية، يشترط ضمان خدمة في لغتين على الأقل، وتوفر التأمين، وحق الزبون في رفع دعوى إن لم تكن العملية التي خضعها مرضية له، كما يلح الترخيص على ضرورة خضوع المصحات لمراقبة صارمة ومنتظمة. لهذا يجب على الزبون التأكد من كون المصحة التي اختار مرخصة من طرف الحكومة ومسجلة لدى "الجمعية التركية لوكالات الأسفار".

ترجمة بتصرف عن "تيل كيل"