بحضور قيادات استقلالية.. مصطفى تاج ينال الدكتوراه حول "مركزية مؤسسة الملك في النظام السياسي الدستوري المغربي"

محمد فرنان

ناقشّ الطالب الباحث مصطفى تاج، الثلاثاء 07 نونبر 2023، أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا حول موضوع "مركزية مؤسسة الملك في النظام السياسي الدستوري المغربي - دراسة تحليلية للأسس والوظائف -".

وجرت المناقشة تحت إشراف لجنة علمية يترأسها د. المصطفى منار رئيساً، ود. رشيد لبكر مشرفاً والأساتذة د.أحمد الحضراني، ود.جواد النوحي، ود.ادريس لكريني أعضاءً.

وبعد المداولة، تقرر منح الطالب الباحث مصطفى تاج لقب دكتور في القانون العام والعلوم السياسية بميزة مشرف جداً مع تنويه اللجنة بالعمل وتوصية بالنشر.

وأكد الطالب الباحث في عرضه أن "محاولة فهم المركز الذي تحتله المؤسسة الملكية في النظام السياسي الدستوري المغربي، لا بد من إماطة اللثام أولا على مختلف الأسس والشرعيات التي تتمتع بها هذه المؤسسة، ثم استوجب الأمر البحث ثانيا عن موقع الملكية في كل الحقول الأساسية، سواء تعلق الأمر بالحقل الديني أو السياسي أو الدستوري أو بمختلف الحقول الأخرى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وثالثا، قمنا بدراسة الوظائف المنوطة لمؤسسة الملك بموجب الدساتير المتعاقبة والأعراف المتوارثة".

وأوضح أن "مؤسسة الملك تمتعت على الدوام بمجموعة من الشرعيات التي شكلت أساس قيامها واستمرارها في الحكم، كما عملت على المحافظة على تقليدانية النظام السياسي المغربي من خلال استحضار مجمل معالم الشرعيات التقليدية، التي تتجلى في الشرعية الدينية المتمثلة في إمارة المؤمنين، والشرعية التاريخية المتمثلة في الخلافة، والشرعية التعاقدية المتمثلة في البيعة، والشرعية السلالية الشرفاوية المتمثلة في الانتماء إلى سلالة الرسول محمد".

وتابع: "لم تكتف المؤسسة الملكية باستحضار هذه الشرعيات لضمان بقائها في الحكم، بل عملت على تقويتها وترسيخها في أذهان المغاربة وفي ذاكرتهم الجمعية، كما قامت بتعزيزها بشرعيات جديدة، ساهمت في تقوية مكانتها في النظام السياسي المغربي، وفي استمرار سموها مقارنة مع بقية المؤسسات والتنظيمات والفعاليات الأخرى، حتى أصبحت المؤسسة الملكية بمثابة القلب من الجسد بالنسبة للدولة".

ولفت إلى أن "انفتاح المجتمع المغربي على مختلف التجارب السياسية الأخرى، واحتكاكه بكل ما يجري في محيطه الدولي، لعب على استلهام أفكار جديدة، ومحاولة مغربتها، تماما كما وقع مع الفكرة الدستورية، بأن دخل المغرب إلى عالم الدسترة من بابه الواسع، عبر إقرار دستوره الخاص سنة 1962 والذي خضع لمجموعة من التعديلات، في محطات متعاقبة ونتاجا لسياقات متباينة، من خلال الاستفتاء الشعبي وبمبادرة من الملك. مما أضفى شرعية جديدة على الحكم، هي الشرعية الدستورية".

وأبرز أن "تحالف السلطان محمد الخامس مع مكونات الحركة الوطنية، ووضع يده في يدها لمواجهة المستعمر الفرنسي والنضال المشترك من أجل تحقيق استقلال البلاد، بالإضافة إلى قرار تنظيم المسيرة الخضراء لتحرير بقية الأقاليم الجنوبية للمملكة من سلطة المستعمر الإسباني الذي اتخذه الملك الحسن الثاني، ومبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها الملك الحالي محمد السادس لحل مشكلة الصحراء ساهم في انبثاق شرعية جديدة متجددة، تمثلت في شرعية النضال الوطني من أجل استقلال البلاد وحوزة أراضيه في دائرة حدوده الحقة".

وأشار إلى أن "هذه الشرعيات المتعددة، تعززت بشرعية أخرى تحصلت عليها المؤسسة الملكية هي الشرعية الكارزماتية، التي تمثلت في شخص الملك نفسه، سواء في شخص الملك محمد الخامس، الذي كان يتمتع بقدسية واحترام كبيرين لدى مختلف أطياف الشعب المغربي، الذي لطالما عبر عن حبه وتقديره له، بنشر صوره على نطاق واسع داخل البيوت وفي المكاتب والأماكن العامة. كما تعززت هذه الشرعية في شخص الحسن الثاني الذي حكم البلاد بقوة، نجا من خلالها من محاولتين انقلابيتين، وواجه مكونات المعارضة التي كانت تسعى إلى تغيير نظام الحكم بيد من حديد. وتجلت في عهد الملك محمد السادس في تبنيه لسياسة القرب وزياراته المتعددة لمختلف مناطق المملكة، حتى أطلق عليه وسم ملك الفقراء، وعلى عهده وسم العهد الجديد".

ولفت إلى أنه "يمكن اعتبار أن قدرة الملكية على ضبط الأوضاع والتغلب على جميع الأزمات، هي من ساهمت في انبعاث وظيفة قديمة حديثة، هي الوظيفة التحكيمية، حيث يلجأ الجميع إلى الملك كحكم، تماما كما كانت تلجأ القبائل المتصارعة إليه للحكم بينها، ولعل أهمية استحضار هذه الوظيفة هي التي فرضت التنصيص عليها دستوريا بتكليف الملك بمهمة الحكم الأسمى بين مؤسسات الدولة، وهي مورد لشرعية قائمة، هي شرعية التحكيم وفض النزاعات".

وأورد: "شرعية الإنجاز والتغيير هي شرعية جديدة أيضا اكتسبتها المؤسسة الملكية، خصوصا في عهد الملك محمد السادس، الذي عمل منذ اعتلائه العرش على محاولة إحداث بعض القطائع مع نظام حكم والده، وذلك من خلال مجموعة من المبادرات والقرارات، ابتدأت بإعفاء وإبعاد وزير الداخلية القوي ادريس البصري، وإنشاء هيئة الإنصاف المصالحة التي قامت بجبر ضرر ضحايا النظام السابق، وإرساء مفهوم جديد للسلطة وإطلاق مشاريع جديدة ذات بعد اقتصادي واجتماعي استراتيجي، وخصوصا المبادرة الوطنية للتنمية البشرية".

وأفاد أنه "بالإضافة إلى ذلك، قامت المؤسسة الملكية بإقرار دستور جديد نقلها إلى مرحلة الملكية الثانية، بما تضمنه من مقتضيات جديدة ومهمة، حيث قام الملك بالتنازل عن العديد من مهامه وصلاحياته لصالح البرلمان والحكومة، وارتقى بمكانة رئيس هذه الأخيرة، وأعطى الشرعية للإرادة الشعبية في تحديد قيادتها، ونص ثلثه على مجموعة من الحقوق والحريات، كما قوى معالم الديمقراطية التمثيلية، وفتح الباب أمام آليات الديمقراطية التشاركية، مما ساهم في انبثاق شرعية جديدة، يمكن أن نطلق عليها شرعية التحديث السياسي".

وأبرز أن "المغرب عرف خلال العقدين الأخيرين من الحكم إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية همت مجالات حقوق الإنسان والأسرة وموقع المرأة في المجتمع، والمسألة اللغوية والانفتاح السياسي الظاهرة ملامحه على حرية الرأي والتعبير والتظاهر وتعبئة المجال الديني في اتجاه تحديثه ومسايرته لروح العصر بما ساهم في انبثاق شرعية جديدة للمؤسسة الملكية تمثلت في شرعية الإصلاح في إطار الاستمرارية".

وذكر أنه "خصصنا مبحثا كاملا في الدراسة لمناقشة تحديات النظام السياسي المغربي وآفاق التحول نحو ملكية برلمانية أحادية كما سرت عليه العديد من الدول، لذلك كان لابد من استحضار بعض النماذج العالمية وتجاربها على سبيل المقارنة، كما سلطنا الضوء على تصورات الفاعلين أنفسهم للملكية البرلمانية، وطرحنا بعض المداخل التي نراها أساسية للاستمرار في مسلسل التحول والتحديث نحو تبني الملكية البرلمانية كما هي متعارف عليها عالميا، وذلك عبر إصلاح منظومة القوانين الانتخابية وتأهيل الحقل الحزبي وتعميق الفعل الديمقراطي وتقوية المؤسسات المنتخبة".

وشدد على أن "المؤسسة الملكية في النظام السياسي المغربي لا زالت تحظى بمكانة مركزية متميزة، تتجلى عبر مستويين: خطاب الملكية حول ذاتها، ومستوى المكانة التي تحظى بها داخل الدستور نفسه، سواء في بنياتها وصلاحياتها وكيفية اشتغالها، أو على مستوى الممارسة السياسية والدستورية. في المقابل، فإن مكانة القادة في العصر الحديث تقاس أساسا بقيمة الإنجازات الموجهة لخدمة الشعوب، على اعتبار أن جوهر الفعل السياسي يتصل بممارسات عملية وبالقدرة على صنع التحولات، وخلق مبادرات تستجيب لانتظارات المواطنين، مع مواكبة إيقاع التطور المطبوع بتسارع وثيرته، لذلك ظل الملك وفيا لعقيدة استئثاره بالمبادرة، بالعقد والحل، مع أخذ كافة الاحتياطات اللازمة حتى لا ينتقص من صلاحياته".