تحليل.. تعويم الدرهم ليس في صالح المغاربة

بالاشتراك معDW

ليس بجديد أن يدعو النقد الدولي المغرب إلى تعويم الدرهم بحجج مثل تعزيز التنافسية. غير أن المغاربة وحكومتهم ضد ذلك ليس فقط بسبب ارتهان الزراعة لنعمة السماء. ولا يغير من موقفهم مدائح تُكال للتجربة المصرية في تعويم العملة.

منذ عقود يطالب صندوق النقد الدولي المغرب بتعويم عملته، الدرهم، بحجة تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المغربي وجعله أكثر وقاية إزاء الصدمات الخارجية. وبرر الصندوق مطلبه الذي يصر عليه منذ عقود بنجاح خطوة سابقة قضت بجعل سعر الصرف أكثر مرونة اعتباراً من يناير.

وتضمنت الخطوة سماح البنك المركزي المغربي بتوسيع نطاق تداول الدرهم مقابل اليورو والدولار إلى 2.5 بالمائة صعوداً ونزولاً إزاء السعر المرجعي الذي يتم تحديده من قبل السلطات النقدية والمالية المختصة.

رفض رسمي وشعبي

مطلب الصندوق الجديد- القديم تحت مسميات مختلفة قوبل بالرفض حتى من قبل الحكومة التي تعد صديقة لهذه المؤسسة الدولية السيئة الصيت في المغرب وخارجه بسبب الشروط القاسية لقروضها.

وفي أوساط الخبراء المغاربة والرأي العام هناك شبه إجماع على أن تعويم العملة المغربية في هذا الوقت مرفوض كونه غير مناسب ويحمل في طياته تكاليف باهظة تفوق بأضعاف مضاعفة المكاسب المتحققة.

ويذهب الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي إلى حد التحذير من دوامة تعصف بالعملة المغربية وبالاقتصاد المغربي الذي ما يزال هشاً لتحمل صدمة تعويم الدرهم.

اقتصاد هش لا يتحمل الصدمة

وفي حديث مع DW تحدث الخبير عن بعض أوجه هذه الهشاشة مثل ارتهان الزراعة المغربية للظروف المناخية وضعف تنوع ومرونة قطاع الصادرات بشكل يساعد على زيادتها في حال تراجع سعر الدرهم وأضحت السلع المغربية رخيصة بالنسبة لبلد مثل ألمانيا. ويعمل في الزراعة أكثر من ثلث المغاربة وتشكل لوحدها 15 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

كما أن المغرب والكلام للخبير أقصبي ليس لديه ما يكفي من الاحتياطات بالعملات الصعبة لتحمل ارتفاع تكاليف المستوردات وخدمة الدين الخارجي الناتج عن انخفاض سعر العملة بعد تحريرها، لاسيما إذا تعرضت للمضاربة بسبب ضعف الثقة باستقرارها. ويستورد المغرب كل شيء تقريباً بما في ذلك مصادر الطاقة من الغاز والنفط التي يعتمد في توفيرها على الخارج بشكل شبه كلي.

وقدرت مؤسسة التجارة والاستثمار الألماني الدين الخارجي للمغرب أوائل 2018 بحوالي 50 مليار دولار مقابل احتياطي يقل على 23 مليار دولار. وتشكل نسبة الديون الخارجية أكثر من 45 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. ولا ننسى أن تعويم العملة وتراجع سعرها مقابل ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية يعني المزيد من تردي مستوى المعيشة لغالبية المغاربة وهم فقراء أو من أصحاب الدخل المحدود. ويعد المغرب من بين أكثر بلدان العالم تفاوتاً في الدخل.

مؤشرات جيدة لا تكفي للتعويم

مقابل هذه المعطيات والحجج التي لا تشجع على تعويم الدرهم، يتمتع المغرب بمناخ استثمار جيد جذب خلال السنوات العشر الماضية استثمارات كبيرة في صناعة السيارات وقطع الطائرات والطاقات المتجددة وغيرها من الصناعات التحويلية. كما أنه يتمتع باستقرار سياسي وقريب من دول الاتحاد الأوروبي الذي تجمعه بها وبدول أخرى اتفاقات شراكة وتبادل للسلع بشكل واسع. هذه الميزات وغيرها تدعو للتساؤل فيما إذا كان المعارضين لفكرة التعويم على حق؟

مما لاشك فيه أن تعويم عملة في بلد يعتمد على نعمة السماء في زراعته وعلى الاستيراد في توفير استهلاكه ويعاني من فوارق اجتماعية سيكون مؤلماً وقاسياً في البداية. غير أن ثمار التعويم ستظهر بعد مرور سنتين أو أكثر بقليل كما حصل في مصر التي عومت عملتها في خريف عام 2016. وبعد أقل من ثلاث سنوات بدأت هذه الثمار بالظهور من خلال مؤشرات كثيرة. ولعل من أبرزها تراجع معدلات التضخم من 33 بالمائة آنذاك إلى أقل من 10 بالمائة في الوقت الحالي. كما زاد الاحتياطي من العملات الأجنبية إلى أكثر من 49 مليار دولار، مقابل أقل من 40 دولار في عام 2015. وارتفعت معدلات النمو بشكل واضح لتتراوح بين 4.3 و 5.3 خلال الأعوام الثلاثة الماضية أقل من 3 بالمائة في عام 2015

التجربة المصرية ليست نموذجاً

غير أن الخبير يرى بأنه الحكم على التجربة المصرية ما يزال مبكراً، لأن الأمر يتطلب 10 إلى 15 سنة. كما أن ظروف مصر لا تقارن بمثيلتها في المغرب. فالزراعة المصرية على سبيل المثال مستقرة كونها تعتمد على مياه النيل. يضاف إلى رأي الخبير أن مصر لديها مصادر تمويل ومساعدات إضافية خارجية وخاصة من الولايات المتحدة والسعودية وبلدان الخليج الأخرى التي تمول الكثير من المشاريع هناك بدوافع سياسية وغير سياسية. ولا ننسى أن مصر قلصت فاتورة مستوردات الطاقة لدرجة أنها تحولت في غضون سنتين من بلد مستورد للغاز إلى بلد مصدر له. ويعود الفضل في ذلك إلى البدء باستغلال حقل "ظهر" البحري للغاز الذي يعد باحتياطيه البالغ 30 تريليون قدم مكعبة من أكبر حقول الشرق الأوسط.