تقرير جديد يرسم صورة سوداء عن "نقل المدينة" بالدار البيضاء.. ويحدد المسؤولين

المصطفى أزوكاح

لم تتضح الرؤية حول مستقبل النقل على متن الحافلات بالدار البيضاء، على بعد ثلاثة أشهر من نهاية العقد الذي يربط العاصمة الاقتصادية بشركة "نقل المدينة"، في الوقت الذي لم ينجح طلب العروض الذي أطلقته "الدار البيضاء للنقل"، لوقف التشنج الواقع بين مجلس المدينة والشركة المدبرة للنقل عبر الحافلات، والتي تطالب العاصمة الاقتصادية بتعويض في حدود 4 ملايير درهم.

غير أن طلب عروض جديد أطلقته مؤسسة التعاون بين الجماعات المحلية الثمانية عشر بالعاصمة الاقتصادية، حيث استجابت له ثلاث شركات.

وكشفت فيدرالية اليسار الديمقراطية بالدار البيضاء، عن معطيات سعت عبرها إلى دق ناقوس الخطر حول مستقبل النقل على متن الحافلات في العاصمة الاقتصادية، معتبرة أن الوضعية الكارثية، تعود لخمسة عشرة عاما خلت، عندما جرى توقيع عقد تدبير شبكة النقل بين المدنية وشركة نقل المدينة.

مشاؤون يتفادون الحافلات

وتسخر فيدرالية اليسار الديمقراطي معطيات إحصائية، كي تدلل على تراجع الخدمة التي توفرها شركة "نقل المدينة" في العاصمة الاقتصادية، التي تشهد يوميا حوالي 8 ملايين تنقل؛ 18 في المائة منها تهم تنقل الطلبة والتلاميذ، و16 في المائة تتعلق بتنقل الموظفين والأجراء.

وتورد  معطى يعتبره دالا على عدم اقتناع البيضاويين بالخدمة التي تقدمه نقل المدينة، حيث أن 13 في المائة فقط يستعملون الحافلات، بينما يصل ذلك المعدل في مدن عالمية إلى ما بين 20 و21 في المائة.

وتؤكد على تراجع الخدمة التي توفرها "نقل المدينة"، ما يدفع 62 في المائة من البيضاويين إلى التنقل مشيا على الأقدام، بينما يستعمل 12 في المائة سياراتهم الخاصة، ويفضل 9 في المائة سيارات الأجرة.

ويذهب مصطفى الشناوي، برلماني الحزب بالدار البيضاء، إلى أن استعمال 13 فقط من البيضاويين لحافلات "نقل المدينة"، مرده إلى رداءة خدمتها، بسبب "التدبير الكارثي"، الذي سارت عليه منذ خمسة عشرة عاما.

لجنة تتبع تجتمع مرتين في 15 عاما فقط

وتعتبر الدراسة أن نوعا من التقصير شاب العلاقة بين الدار البيضاء وشركة "نقل المدينة"، فلجنة التتبع التي نص على مراقبتها لمدى وفاء الشركة بالتزامتها منذ 2004، لم تنعقد سوى مرتين على مدى 15 عاما، كما لم تجتمع الأطراف الممثلة في وزارة الداخلية والجماعات المحلية والشركة المدبرة، سوى مرة واحدة منذ 2008، وهو الاجتماع الذي يفترض أن ينعقد كل ثلاثة سنوات، من أجل الوقوف على التقدم الحاصل في تنفيذ دفتر التحملات.

وتسجل أن وزارة الداخلية، تضطلع بدور حاسم في تدبير النقل في المدينة، عبر الدعم الذي تخص به مديرية الوكالات والمصالح المفوضة للجماعات من أجل تتبع العقود، في نفس الوقت، يعود للوزارة اتخاذ قرار توفير الدعم المالي، كما يمكن لها أن تطلب افتحاصات، وتقارير حول التدبير المفوض.

مساهمون ودعم لسد العجز

ويساهم في رأسمال "نقل المدينة" كل من خالد الشروعات عبر "ترانس إنفيست" بنسبة 46 في المائة، وصندوق الإيداع والتدبير بنسبة 34 في المائة، وRATP Développement الفرنسية بنسبة 20 في المائة.

وتنقل الشركة 141 مليون شخص في العام، وتستعمل 866 خطا من أجل استغلال 75 خطا، وتوظف 4000 أجير، يكلفون كتلة أجور في حدود 250 مليون درهم في العام، غير أن الشركة استفادت من دعم مالي من الدولة في حدود 557 مليون درهم في الفترة بين 2008 و2012.

ويراد من ذلك الدعم، تغطية العجز المقدر بـ200 مليون درهم، وإنجاز استثمارات بقيمة 165 مليون درهم، ودعم التعريفات المدرسية بـ107 مليون درهم، ومواجهة تكاليف المغادرة الطوعية بـ35 مليون درهم، ومخصصات بـ50 مليون درهم لإرساء نظام لحجز التذاكر، وهو نظام لم ير النور، حسب دراسة فيدرالية اليسار.

عندما تخل "مدينة بيس" بالتزاماتها

ووقفت الدراسة عن عدد الخطوط التي تتوجه إليها حافلات الشركة لا تتعدى 75 خطا، بينما كانت قد التزمت بتسخير 154 حافلة في العقد المبرم مع المدينة، في الوقت نفسه، تجوب شوارع المدينة 866 حافلة، مقابل التزام بتوفير 1207 حافلة.

وتسجل الدراسة التي أشرفت عليها اللجنة التقنية للحزب، أن الشركة تستعمل 770 حافلة قديمة، بينما كانت قد التزمت بأن تكون جميع الحافلات جديدة.

ولم تنجز الشركة سوى 37 في المائة من الاستثمارات الملتزم بها، حيث لم تتعد 600 مليون درهم، بينما كان يتوقع أن تصل إلى 1,61 مليار درهم.

وتشير الدراسة إلى أن بعض الزيادات في أسعار التذاكر والتي لا ينص عليها عقد التفويض، ناهزت 128 مليون درهم في نهاية 2014، محيلة على تقرير المجلس الأعلى للحسابات، الذي اعتبرها غير قانونية في تقرير له في 2015.

مدينة لاهية عن التتبع

غير أن الدراسة لا توجه انتقاداتها للشركة فقط، فقد لاحظت أن لجنة التتبع لم تجتمع سوى مرتين بين 2008 و2016، في الوقت نفسه الذي لم تعمد المدينة إلى اتخاذ تدابير لضمان سلاسة في حركة النقل الجماعي، خاصة عبر شق ممرات خاصة بالحافلات في الشوارع.

وآخذت على المدينة عدم اتخاذها تدابير للنقل عبر سيارات الأجرة، من أجل تقليص حجم المنافسة التي تمثلها بالنسبة للحافلات، كما لم تعمل على محاربة النقل غير المهيكل.

وأكدت على عدم قدرة المدينة على اقتراح تعريفة تتيح نوعا من التوازن الاقتصادي لعقد التدبير المفوض.

دعوة للتخلي عن التدبير المفوض

وتشير فيدرالية اليسار إلى أن الوضعية الحالية تتسم بالخطورة، بالنظر لغياب أي بديل على بعد ثلاثة أشهر من نهاية عقد التدبير المفوض مع شركة "نقل المدينة"، متسائلة في الوقت نفسه حول مصير الأربعة آلاف عامل الذي يشتغلون لديها.

ويرجح واضعو الدراسة احتمال التأخير في التوصل بـ700 حافلة نقل جديدة، التي تم تأجيل طلب عروضها عدة مرات، حيث يؤكدون على أن الحد الأدنى لتسلم 350 حافلة، يصل إلى 44 أسبوعا، ما يعني أن ذلك قد يتم في العام المقبل.

وتدعو الفيدرالية إلى اللجوء إلى نوع من التدبير العمومي للنقل إسوة بما يحدث في بلدان أخرى، فمدن، مثل تونس ومدريد وبرلين وباريس، اختارت التدبير عبر الوكالات العمومية أو عبر تفويض تدبير وسائل النقل لشركات عمومية.

 ودعت إلى العودة لتدبير النقل العمومي بالحافلات لمدينة الدارالبيضاء لوكالات عمومية، هدفها الأسمى راحة المواطنين، وذلك عبر وكالة مستقلة جديدة أو عبر خلق شركة تنمية محلية لتسيير هذا المجال، حيث يلح على التفكير في  النقل الحضري كخدمة عامة وحيوية وكحق من الحقوق الأساسية وجب توفيره بثمن مناسب، مع إتاحة نقل مجاني للتلاميذ والطلبة والاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين.