أصدر ''المرصد من أجل حماية المدافعين عن حقوق الإنسان''، وهو شراكة بين ''المنظمة العالمية لمكافحة التعذيب'' و''الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان''، أمس (الخميس)، تقريرا رسم صورة قاتمة حول الوضع الحقوقي في المغرب؛ بحيث أفاد فيه أن الدستور المغربي 2011 لم يضع المغرب على طريق الإصلاحات المنتظرة واحترام الحقوق الإنسانية، وبأن المغرب يعتمد على الثوابت لتبرير انتهاكات الحقوق الإنسانية التي يقوم بها.
في السياق، رصد التقرير، أيضا، ما وصفه لـ "الانتهاكات التي تتعرض لها المنظمات غير الحكومية والمنظمات الصحراوية في المغرب"، موقف رد عليه مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، بالقول، إن "المغاربة يعرفون جيدا مستوى حقوق الإنسان في بلادهم، وليسوا في حاجة إلى تقارير أجنبية، ليكتشفوا جوانب القوة والضعف فيها''، في المقابل اعتبر رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أحمد الهايج، و رئيسة التنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان خديجة الرياضي، أن التقرير "أشار بصراحة إلى التراجعات الخطيرة التي يشهدها المغرب على مستوى حريتي التنظيم والتجمع السلمي".
صورة قاتمة
وورد في تقرير المرصد المذكور، الذي شاركت في إعداده الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، إضافة إلى الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، أن المنظمات غير الحكومية للدفاع عن الحقوق الإنسانية، تتعرض لقمع متزايد بشكل واضح منذ 2014، من قبل السلطات التي تفسر، حسب التقرير، القانون بشكل تقييدي، ولا تنفذ قرارات القضاء التي تشجع المجتمع المدني.
كما أوضح التقرير أن المنظمات غير الحكومية تواجه قيودا في الحصول على تمويل، مع إلزام المانحين الدوليين بالاتصال بوزارة الخارجية قبل تمويل أي منظمة، مبينا أن هذه المنظمات مستهدفة من قبل السلطات المغربية، إذ استدل التقرير في هذا الجانب بتوقيف ايريم ارف الباحثة بشأن حقوق المهاجرين واللاجئين في منظمة العفو الدولية، في 11 يونيو 2015.
اقرأ أيضاً: حقوق الإنسان بالمغرب.. مواجهة ساخنة بين الرميد والهايج وأوعمو والعلام
وتناول التقرير، أيضا، مسألة الثوابت المغربية؛ بحيث جاء فيه أن المغرب لا يمكنه أن يقبل تشريعا مخالفا للديانة الإسلامية المعتدلة، والملكية الدستورية، ووحدة الأراضي، مضيفا أن الدولة تستخدم هذه الثوابت لتبرير انتهاكات الحقوق الإنسانية التي ترتكبها، إذ استدل التقرير حول هذا الأمر بـ ''كون المساواة بين الرجل والمرأة مرتبطة باحترام الشريعة''.
تقرير المرصد سلَّط الضوء، كذلك، على الخطاب الحكومي المغربي، معتبرا إياه يخلط عمدا عمل المنظمات غير الحكومية للدفاع عن الحقوق الإنسانية بالإرهاب والتطرف الديني، مستدلا على ذلك بالإحصاء الذي قامت به الرابطة المغربية لحقوق الإنسان في 2017، والذي كشف أن 125 اجتماعا، ومؤتمرا، ونشاطا، على الأقل، منعوا منذ يوليوز 2014.
التقرير اهتم، كذلك، بالمنظمات الصحراوية، وقال إنها تواجه رفضا منهجيا لتسجلها، وذلك بمبرر مساسها بالوحدة الترابية الذي تنطوي عليه طلباتهم، حسب المصدر نفسه.
في السياق ذاته، أورد التقرير أنه على الرغم من التقدم في الإطار القانوني، فإن احترام الحريات والحقوق الأساسية المدرجة في الدستور، مازال هشا، إضافة إلى كون الكثير من الحقوق المكفولة أفرغت من مضمونها، حسب التقرير ذاته.
اقرأ أيضاً: الرميد و"ترانسبرانسي" يتفقان على استشراء"الإثراء غير المشروع" بالمغرب
"تراجعات حقوقية خطيرة"
خديجة الرياضي، رئيسة التنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان، قالت إن التقرير المذكور يسلط الضوء على التراجعات الخطيرة التي يعرفها المغرب بالنسبة للحق في تأسيس جمعيات، وتجديد مكاتبها، والحصول على وُصُولَاتِ الإيداع، إضافة إلى استعمال القاعات العمومية، والقيام بالتجمعات والوقفات العمومية، وكل ما يتعلق بالتعبير والاجتماع السلمي.
المتحدثة ذاتها أضافت، في تصريح لـ ''تيل كيل عربي''، أن التقرير أوضح التناقد الصارخ بين ما هو مكتوب نظريا في الدستور حول بعض هذه الحقوق، وبين الواقع الذي كشفه هذا التقرير؛ من حيث الأعداد الهائلة للمنع التعسفي، وحرمان الجمعيات من حقوقها، موضحة ''التقرير يبين تناقدا بين خطاب الدولة، وبين احترامها للحقوق الأساسية والأولية، التي تشمل الحق في تأسيس جمعية، والاجتماع في إطارها، واستعمالها مكانا للقيام بأنشطتها''.
وانتقدت الرياضي ديباجة دستور المغرب 2011، على مستوى تحدثها عن كون المواثيق الدولية المصادق عليها من قبل المغرب، تسمو فوق القوانين المحلية، معتبرة أن شرط ضرورة عدم تنافيها مع الثوابت المغربية، لَغَمٌ يجعلها غير سامية، موضحة أن الثوابت يفسرها كل طرف بشكل مختلف عن الطرف الآخر.
في السياق نفسه، بينت المتحدثة أن تطبيق الفصل 19 من الدستور، الذي ينص على أن النساء والرجال متساوون في الحقوق، مشروط بضرورة عدم تعارضه مع الخصوصية المغربية، مما يؤدي، حسب الرياضي، إلى الحد من الحقوق، وعرقلة تنفيذ التزامات المغرب في مجال حقوق الإنسان.
"قيود الدولة"
من جهته، علق أحمد الهايج، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، على التقرير بقوله إن الحريات العامة في المغرب تتعرض لانتهاكات غير مسبوقة، خصوصا على مستوى حريات التجمع، والتنظيم، والتعبير والصحافة.
وأرجع الهايج أسباب ذلك، في حديثٍ مع ''تيل كيل عربي''، إلى فرض الدولة لقيودٍ كبيرة على هذه الحريات، باستعمال كل الوسائل لمنع الجمعيات والمنظمات من ممارسة أنشطتها، إلى جانب رفض الدولة تسلم ملفات تأسيسها ووصولات الإيداع الخاصة بها، إضافة إلى رفضها التجديد لها، فضلاً عن الاعتقالات والمضايقات التي يتعرض لها الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان بشكل عام، حسب الهايج.
المتحدث نفسه أبدى قلقه من هذا الوضع؛ بحيث قال إن الدولة يجب أن تراجع هذه الإجراءات والتدابير، التي اعتبرها لن تُوَلِّدَ نتائجا عكسية، وستخلق فراغا سياسيا أكثر من الموجود حاليا في المغرب، إضافة إلى كونها ستسمع ببروز كل النزعات المضادة لحقوق الإنسان، حسب ما صرَّح به الهايج.
اقرأ أيضاً: بعد 30 شهرا.. هل فشل رقم الرميد الأخضر للتبليغ عن الرشوة؟
"تجاوزات" لا تقبل التهويل
وزير الدولة المكلف لحقوق الإنسان، شدد على أن "المغاربة يعرفون جيدا مستوى حقوق الإنسان في بلادهم، وليسوا في حاجة إلى تقارير أجنبية، ليكتشفوا جوانب القوة والضعف فيها''.
وأضاف الرميد، في تصريحٍ لـ ''تيل كيل عربي''، أن المغاربة لا يعتبرُون واقع حقوق الإنسان في بلادهم مُبَرَّءً من كل نقصٍ، أو خالياً من أي تجاوزٍ، مبرزاً أن واقع حقوق الإنسان في المغرب يعيشُ دينامية إيجابية، لا يقلِّلُ من أهميتها ما يُلَاحَظُ من اختلالات، اعتبرها الرميد لا تعدُو أن تكون الاستثناء الذي يؤكِّدُ القاعدة، سواءٌ على مستوى تأسيس الجمعيات، أو عقد التجمعات، أو تنظيم المظاهرات، وغيرهَا.
وتابع المتحدث ذاته، قائلا، إن هناك فعلاً، تجاوزات ينبغي على السلطات العمومية وضع حدٍّ لهَا، مبينا أنه في حوارٍ دائمٍ حولها مع من يهمه أمرها، معتبرا أن هذه التجاوزات تبقى، عموماً، محدودةً لا تقبل التهويل بقدر ما ينبغي أن تخضع للتهوين.