بعد 30 شهرا.. هل فشل رقم الرميد الأخضر للتبليغ عن الرشوة؟

الرميد اطلق خدمة الرقم الأخضر حينما كان وزيرا للعدل والحريات
تيل كيل عربي

ضمن ربورتاج بالفرنسية، بثته وكالة "فرانس بريس"، صباح اليوم (الأربعاء)، اعترف مسؤول كبير في وزارة العدل، بتراجع كبير في حجم المكالمات الواردة عبر الرقم الأخضر للتبليغ عن الرشوة، الذي أطلقه المصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان حينما كان وزيرا للعدل والحريات في حكومة عبد الإله بنكيران، مقارنة بالأيام الأولى لإطلاق الخدمة. كما أن عدد ملفات الارتشاء التي أحيلت على القضاء، بفضل الرقم، لم تتجاوز 36 ملفا منذ إطلاقه في يونيو 2015.

المسؤول المذكور الذي تحدث إلى وكالة الأنباء الفرنسية، هو هشام الملاتي، المدير بالنيابة للشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل، بعد تعيين المدير السابق، محمد عبد النبوي، وكيلا عاما للملك في المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فقال "في البداية تم تسجيل 6000 مكالمة في اليوم الواحد"، لكن في ما بعد "استقر العدد عند 500 مكالمة في اليوم".

وفيما تشير المعطيات الرسمية كذلك، أن حصيلة قضايا الرشوة التي أحيل المشتبه في تورطهم فيها على القضاء، بعد التبليغ عنهم بالرقم الأخضر، تظل ضعيفة جدا، إذ لا يتجاوز العدد 36 قضية منذ إطلاق خدمة الرقم الأخضر في يونيو 2015، أوضح المسؤول بالنيابة على مديرية الشؤون الجنائية، التي تتولى تدبير خدمة الرقم الأخضر للتبليغ عن الرشوة، في تصريحاته ذاتها، أن "سرية المبلغين تعد ضمانة لأمنهم، لكن بعضهم يتراجعون حينما يتعلق الأمر بوضع شكاية".

تراجع المبلغين وخوفهم على سلامتهم وانكشاف هوياتهم بعد التبليغ عن الرشوة، ليست الشيء الوحيد الذي تبرر به وزارة العدل ضعف حصيلة خدمة الرقم الأخضر الخاص بالتبليغ عن الرشوة، إذ أضاف هشام الملاتي، في التصريحات ذاتها أن "ثمان مكالمات من كل 10 ترد على الرقم الأخضر، لا تتعلق صراحة بقضايا رشوة، أو تفتقر لعناصر ملموسة ومادية تؤكد الارتشاء".

وأظهر استطلاع "فرانس بريس" وجود علاقة وثيقة بين تراجع حماس المواطنين في الاتصال بالرقم ومسألتي حماية سرية هويتهم ومطالبتهم بأدلة مادية، مقدمة المثال بسليمان البريهمي، وهو سائق من مدينة سلا، يحاول منذ سنين تنفيذ حكم قضائي لإفراغ مكتري بيته، دون جدوى، فبدأ يشك في أنهم يستفيدون من دعم غير مشروع من قبل أشخاص في الإدارة العمومية، فقرر الاتصال بالرقم الأخضر للتبليغ عن الرشوة، لكن لم ينفعه في شيء.

ففي الوقت الذي اعتبر سليمان في تصريحه بعد نهاية مكالمته مع الرقم الأخضر: "إنهم مثل الآخرين، فقدت الثقة، إذ أتوفر على حكم قضائي لكن الجهة التي عليها تنفيذه لا تريد القيام بذلك"، إلا أنه لا يتوفر صراحة على دليل يفيد أن المكتري يسلم رشوة لرجال الأمن ومأمور التنفيذ مقابل عدم تنفيذ الحكم القضائي الذي يأمر بإفراغ المكتري من بيت سليمان.

وعمليا، لاتتتوفر للبرنامج سوى إمكانات محدودة، إذ يعمل فيه خمسة قضاة يساعدهم خمسة موظفين يردون مباشرة على المكالمات انطلاقا من مقر وزارة العدل، فيما هم منشغلون بمعالجة ملفات أخرى.

ويرتقب أن "تتطور" خدمة برنامج الخط الأخضر في 2018، من خلال مركز اتصالات مستقل، بحسب ما يؤكد هشام ملاتي، الذي قال إن "أشغال إنشائه سوف تبدأ"، وأن 16 موظفا مدربين سيعدون ملفات الشكاوى باللغات العربية والأمازيغية والفرنسية.

ويعتبر ملاتي أن انتهاء التحقيقات في الملفات الـ36 بإدانات في حق موظفين عموميين، يمثل في حد ذاته نجاحا للبرنامج، مشيرا إلى أن بين هؤلاء "قاضيا في محكمة استئناف أدين لقبوله تلقي أموال مقابل التأثير على حكم أصدره".

وتأتي تلك المؤشرات حول حصيلة الرقم الأخضر، في وقت تشير فيه جمعية محاربة الرشوة (ترانبارونسي المغرب)، أنه بين 2014 و2015، حوالي نصف المغاربة (48%) قدموا مرة على الأقل مقابلا ماليا مقابل خدمة عمومية مجانية استفادوا منها، ويعد العدل أول قطاع من حيث ترتيب القطاعات المرتشية حسب المغاربة، تليه الشرطة، والمستشفيات.

وفيما تقول "ترونسبارونسي" أنه رغم البرامج الحكومية التي تتم الدعاية لها بقوة، ورغم الخطابات الملكية التي تذكر كل مرة بضرورة تطبيق القانون على الجميع، ووجود حزب على رأس الحكومة منذ 2011 جعل من محاربة الفساد شعارا له، يواصل المغرب "المعاناة من رشوة منهجية"، وهو ما يرجعه فؤاد عبد المومني، الكاتب العام لجمعية محاربة الرشوة، إلى "انعدام الإرادة السياسية الواضحة، التي يمكن أن تسمح بإعطاء إشارة قوية بشأن نهاية الإفلات من العقاب".

يشار إلى أن خدمة الرقم الأخضر، اعتبرتها وزارة العدل، لحظة الإعلان عن إطلاقها، أنها "آلية سهلة للتبليغ من أجل ضبط الجناة في حالة تلبس بسرعة كبيرة، مع ضمانات حماية المبلغين عن الرشوة"، إذ تتم "العملية بتحويل مكالمات المواطن المتصل لثلاث قضاة مكلفين بتلقي المكالمات الخاصة بالتبليغ عن الرشوة، قبل القيام بالإجراءات اللازمة بتنسيق مع النيابة العامة".